أمام مجموعة من الأصدقاء قلت أنا أتمنى أن يكون شهر رمضان 12 شهراً فى العام، فتعالى صوت الحاضرين فى تذمر وضجر وضحك وتعليقات، فالبعض يقول (حرام عليك إحنا عملنا لك حاجة ليه عاوز تعذبنا، مش قادرين نصوم شهر واحد عاوز تعذبنا 12 شهر)، وآخرون قالوا (عاوزنا نصرف أموالنا كلها على الطعام والشرب، دا إحنا بنصرف فيه أكثر من السنة كلها)، وآخر يقول (دا وزننا بيزيد جدا فى شهر واحد فما بالك لو أصبح 12 شهراً)، وآخر قال (لا أحد يعمل فى رمضان وكافة المصالح الحكومية فى الدولة تتعطل بحجة الصيام وتتعطل معها مصالح الشعب والدولة كلها)، وآخرون قالوا (مصلحة كل رزق الفنانين فى رمضان لغزارة الأعمال الفنية فيه)، فهو موسم المسلسلات والبرامج التليفزيونية، التى يتسلى بها الصائمون! مثلما فعل التليفزيون المصرى هذا العام وصار هو الذى يأخذ زمام المبادرة من كل القنوات لإلهاء الصائمين عن المفترض فعله فى رمضان بل وأضاف قنوات جديدة خصيصا لعرض المسلسلات والأعمال الدرامية وأصبح مسئولو ماسبيرو يتباهون بقولهم كله على التليفزيون المصرى وهذه حقيقة فلا نجد على التليفزيون المصرى عملا دراميا دينيا ولا نجد برامج تعلم المسلمين دينهم فهذا هو موسم رمضان والدراما والبعد عن كل ما هو مفروض، وصار كل فرد يعدد ما فى شهر رمضان من مساوئ سلوكية للناس وللمسلمين وعادات وتقاليد تدمر تقدم الدولة وازدهارها وتحد وتعوق من سلوكيات الحياة الطبيعية، من زيادة الاستهلاك لكافة المواد التموينية بلا استثناء وشراهة فى الإنفاق، فمن لا يشترى أى نوع من الطعام يشتريه فى شهر الصيام، وهذا يستدعى الاسترخاء والكسل والنوم طوال النهار لأنه صيام، والاستيقاظ طوال الليل، وما إلى غير ذلك من عادات سيئة للغاية من سوء فهم للبشر وسوء فهم لطبيعة الصيام، وما يتبع الصيام من تغيير للحياة الطبيعية لما اعتاد عليه الناس من سلوكيات خاطئة عديدة للغاية فى هذا الشهر الفضيل، وطالت الجلسة والكل يسهب ويطيل مما سوف يحدث من أضرار بالغة للغاية إذا صار رمضان 12 شهراً فى العام، وتسابق الحاضرون فى تعداد تلك العادات وحصرها ولا مجال لذكرها لأن جميعكم يعرفها جيدا. وأخيرا طُلب منى أن أفصح عما أقصد بقولى هذا بعدما طال التعليق من الجالسين. فقلت: فى رمضان نجد الناس تسود عليهم بقوة حالات الصدق والورع والتقوى والخوف من الله والحرص التام على إقامة الصلاة فى وقتها سواء الفروض أو النوافل وتجد المساجد مكتظة والتسابق على فعل الخير بكل عزم وإصرار، وخوف تام ألا يفوتهم فرض، وتتملكهم النخوة والشهامة فى إغاثة الفقير والمحتاج والمريض والمسن والمعوزين بكافة فئاتهم، ويتملك عليهم الإيثار، ويجتهدون بكل طاقتهم فى اتباع الفضيلة والمثل العليا والأخلاق الحميدة، الكل يخاف الله، ويجتهد بكل قوته أن يفعل الخير ويمتنع عن أية شرور مهما كانت صغيرة، بل ويكون حريصاً كل الحرص ألا يقع فى العديد من الكبائر والصغائر والموبقات، فالشباب يغض البصر ويهرب من أية شهوات شبابية، والفتيات تمتنعن تماما عن أية لقاءات عاطفية على الإطلاق، ومعظم اللصوص الكبار والصغار يمتنعون تماما عن أية سرقة فى رمضان، بل إن بعضهم يقيمون الموائد الرمضانية لإطعام المساكين والفقراء بسخاء بالغ ومبالغ فيه، ويسارعون فى تقديم الزكاة من أموال وملابس وغيرها، هذا غير الملتزمين دينيا يقيمون أيضا نفس الفعل وما له من أثر إيجابى قوى للغاية فى التكافل الاجتماعى وبث روح التعاون بين كافة طبقات الشعب والإحساس بالفقير والمحتاج، والكل يخاف من أن يظلم أحد والغالبية العظمى تتملك عليها روح العدل والإنصاف وإعطاء المظلوم حقه، وبعضهم يتجنبون بشدة الاغتياب والنميمة بل تمتنع تماما الرشاوى من وإلى الموظفين لإنهاء معاملات الناس، ومن عمل عملا فى رمضان يتقنه، ويتم الحرص على صلة الرحم أى الود والوصال ففى رمضان تحرص على ودهم وتناول الإفطار معهم ومع أقربائك وأصدقائك. أشياء كثيرة للغاية تتم فى رمضان فالكل يردد دائما (اللهم إنى صائم) ودائما يتذكر ويقول:(دا حرام إحنا فى رمضان). تخيلوا معى حال المسلمين لو صار سلوك رمضان هذا من الأخلاق الدائمة المستديمة وأصبح عادة يومية سلوكية أصيلة يمارسها المسلم كل يوم طوال حياته، ولكن هناك سؤال مهم للغاية يجب أن يسأله كل مسلم لنفسه ويجيب عنه بينه وبين نفسه، ما هى الأسباب الحقيقية التى تمنع وتعوق انتشار هذا السلوك طوال العام بين كافة المسلمين؟ هل توجد نصوص دينية مضادة تعيق انتشار وسيادة هذا السلوك سواء قرآن أو سنة أم عادات وتقاليد أم ثقافة سائدة؟ أم تفسير بعض الأئمة والدعاة المنتشرين على كافة القنوات الدينية بجميع توجهاتها سواء السلفية منها أو من يدّعون الوسطية وإن كان هذا يجعلنا نطرح كملاحظة لماذا لا يقوم الأزهر بمواكبة التطور الإعلامى للمجتمعات المسلمة وذلك بإنشاء قناته الرسمية والتى تعبر عن الفكر الأزهرى. ومن الممكن أن يقول البعض إن صيام شهر رمضان سيغفر ما تقدم وما تأخر من كافة الذنوب والكبائر والموبقات التى ترتكب طوال العام؟ إذاً هيا نرتكب كل الذنوب طوال العام ونصوم رمضان فيمحى ما تقدم وما تأخر منها؟ وإذا صلينا أيضا الصلوات الخمس فى اليوم وحججنا إلى بيت الله الحرام فقد كُتبت لنا قصور فى الجنة وكفى ولا داعى للسلوك الحسن طوال العام، هل يوجد ما يوحى بذلك فى الآيات أو الأحاديث وفهم خطأ من البعض؟ ما هو الحال الذى كان سيصير عليه المسلمون لو التزموا طوال العام بالفضيلة والتقوى الحقيقية التى يظهر دليلها وبرهانها فى سلوك الإنسان، والسلوك يُظهر ما فى الضمائر والعقول والقلوب بصدق دون مواراة أو إخفاء أو كذب أما المنافق فهو يقول ما لا يفعل، يقول حلو الكلام وأعذبه وأكذبه، وهو أشهر على الدين كله والدولة والمجتمع. إننى أحب شهر رمضان جدا وأتساءل متى سيصير سلوك المسلمين طوال العام هو نفس سلوكهم طوال شهر رمضان؟