لقد خاطب رب العزة سبحانه وتعالي حبيبه ومصطفاه في القرآن الكريم بقوله سبحانه: »وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ« »الأنبياء 701«. وهذا الأسلوب هو أسلوب الحصر والقصر أي انه حصر رسالة رسوله »صلي الله عليه وسلم« وبعثته للناس بل للعالمين في الرحمة. إنها الرحمة في كل العقائد والعبادات والتشريعات والأخلاق والأحكام حتي في العقوبات التي شرعها الله فهي من اجل حماية حقوق الانسان ورحمة بهم إنها الرحمة الشاملة العامة لجميع الخلق وسائر الأجناس والألوان واللغات إنها تشمل الإنس والجن وجميع المكلفين الذين أرسل إليهم خاتم الأنبياء والمراسلين عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. وفي رسالته »صلي الله عليه وسلم« الدعوة الي العقيدة السمحة حيث الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره، وفي هذا الايمان توحيد الله تعالي وفي هذا الايمان الاعتقاد بأن له ملائكة منهم الحفظة ومنهم ملائكة سياحون في الارض ومنهم رقيب وعتيد ومنهم خازن الجنة وخازن النار ومنهم حملة العرش الي غير ذلك وفي هذا الايمان أيضاً الإيمان بالكتب السابقة جميع الكتب المنزلة التي لم تحرف ولم تزيف مطلوب منا ان نؤمن بأن الله تعالي أرسل رسلاً وأنزل كتباً سماوية فأنزل التوراة علي سيدنا موسي عليه السلام وصحف إبراهيم وموسي وأنزل الإنجيل علي سيدنا عيسي عليه السلام وأنزل القرآن آخر الكتب علي سيدنا المصطفي »صلي الله عليه وسلم« فنؤمن أيضاً بجميع الكتب السماوية وأنها كتب من عند رب العالمين تلك الكتب التي لا تبديل فيها والتي لم يحدث فيها تحريف ولا تزييف ولا تغيير ولا تبديل أما التي حدث فيها تغيير أو تزييف أو تحريف أو تبديل فليس لنا ان نؤمن بهذا التحريف والتزييف إنما بالكتب التي أنزلت صافية من عند رب العزة علي رسله عليهم جميعاً ان نؤمن بهم علي وجه الإجمال فنؤمن بأن الله تعالي أرسل رسلاً كثيرين »مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ« »غافر 87«.. أي من هؤلاء الرسل من قص الله تعالي نبأه وخبره في القرآن علي سيدنا محمد »صلي الله عليه وسلم«. ومن هؤلاء الرسل من لم يقصص رب العزة نبأه عليه فنحن نؤمن علي سبيل الإجمال ان لله رسلاً أرسلهم الي أممهم وعلينا ان نؤمن علي وجه التفصيل بخمسة وعشرين رسولاً جاء ذكرهم في القرآن الكريم منهم ثمانية عشر رسولاً جاءوا في سورة الأنعام في قوله تعالي ثم يبقي سبعة نظمهم الناظم في قوله: »وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ« »الأنعام 38«....إلخ. ثم يبقي سبعة نظمهم الناظم في قوله: في »تلك حجتنا« منهم ثمانية ... من بعد عشر ويبقي سبعة وهم إدريس هود شعيب صالح وكذا ... ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا فهؤلاء خمسة وعشرون رسولاً يجب علينا ان نؤمن بهم جميعاً وان نؤمن بجميع هؤلاء الذين ذكروا في القرآن وآخرهم سيدنا المصطفي »صلي الله عليه وسلم« وأن نؤمن باليوم الاخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب وأن نؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره فبالله عليكم دينيأمر أتباعه ويفرض عليهم أنهم لا يكونون مؤمنين حقا بالله وبرسولهم سيدنا محمد »صلي الله عليه وسلم« إلا إذا آمنوا بجميع رسل الله وجميع كتب الله هو دين مثل هذا يمكن ان يوصف بأنه دين متعصب لنفسه؟ هل دين مثل هذا يمكن أن يوصف بالجمود كما وصفه أولئك المتشنجون الظالمون الذين ما فهموه أو فهموه ولكنهم يتعنتون ويظلمون؟ هذه عقيدتنا التي لا يصح فيها إيماننا إلا إذا آمنا بجميع رسل الله لا نفرق بين أحد من رسله »آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ« »البقرة 582«. وإذا نظرنا الي الصلاة والزكاة والصيام والحج ما وجدنا في العبادات إلا الرحمة بالإنسان تتمثل في صلاته وصلته بالله وبأخيه الانسان تتمثل في الزكاة الي غير ذلك من العبادات وفي المعاملات والعلاقات الانسانية والدولية فرأينا الاسلام يدعو الي التسامح في المعاملة ويقول سيدنا المصطفي »صلي الله عليه وسلم«: وهكذا جاءت تشريعات الاسلام في عقائده وعباداته ومعاملاته وما يدعو إليه من أخلاق كلها تدعو الي التسامح والتراحم والتعاون ويأمر القرآن الكريم »وَتَعَاوَنُوا عَلَي البِرِّ وَالتَّقْوَي وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ« »المائدة 2«. ويدعو القرآن الي وحدة الصف »وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا« »آل عمران 301« ويدعونا رسول الله »صلي الله عليه وسلم« الي ان نتراحم ويوضح ان رحمة الله لنا في الاخرة رهن بتراحمنا في الارض: »الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء«.. بل بين عليه الصلاة والسلام: »ان الله جعل الرحمة مائة جزء جعل عنده تسعة وتسعين جزءا يرحم بها الخلق يوم القيامة وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتي ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه« هل دين له مثل هذه المعاملة يمكن ان يوصف بأنه دين متشدد وأنه دين عنف وهو الدين الذي يدعو الي رحمة الانسان بأخيه الانسان؟! حتي وان لم يكن مسلماً فالقرآن الكريم يقول: القتال.. » وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ« »البقرة 971« فيكون قد أحيا الله بسب القصاص نفسا كانت ستقتل وأخري كانت ستقتل لو قتلت وأيضاً فهذا السارق لو نظرنا الي عقوبة القطع نري ما هي الا رحمة لأصحاب الأموال حتي لا يظلموا في أموالهم ورحمة بمنع الجرائم التي كانت ستقع عليهم ورحمة بالذين ستقع عليهم تلك الجرائم وتلك المظالم فشرع الله هذه العقوبات زواجر لأولئك الذين كانوا سيرتكبونها فتزجرهم زجرا والذي كان سيرتكب جريمة الزنا مثلا وهو متزوج فيرجم بالحجارة حتي يموت ليس في هذا قسوة بل في هذا رحمة للعرض الذي كان قد انتهكه وكأن كل حجر يرمي به يثأر لأحجار بيت تهدم بسبب هذه الجريمة وأبناء يتشردون بسبب ارتكاب هذه الفاحشة. إن الإسلام ما شرع العقوبات قسوة ولا عنفاً ولا إرهابا كما يدعون بل شرع هذه العقوبات رحمة بالعباد وزجراً للظالمين والمجرمين وفي الوقت نفسه كما ان فيها زجراً للظالمين والمجرمين ففيها جبر هي جوابر للخاطئين لأن الله بسبب إنزال هذه العقوبة علي هذا المجرم تعتبر توبة له ويعفو الله عنه فأيهما أفضل أن يفلت من عقاب الدنيا فيكون في جهنم أم يأخذ عقوبته في الدنيا ويلقي ربه نظيفاً يوم يلقي اله سبحانه وتعالي أيهما أرحم؟! إنها ليست فقط رحمة بزجر الظالمين والمجرمين عن ارتكاب جرائمهم بل هي في الوقت نفسه رحمة لمن وقع منه هذا الإثم فوقعت عليه هذه العقوبة ولذلك لما وقعت جريمة الزنا في عهد النبي »صلي الله عليه وسلم« كان سلفنا يستشعرون خطورة هذا الذنب يوم يلقون الله فيأتي »ماعز« الذي أوقع الذنب ويعترف ويحاول الرسول »صلي الله عليه وسلم« أن يرده مرة ومرة حتي إذا ما اعترف وأقر أمر فأقيم عليه الحد وجاءته الغامدية امرأة ارتكبت الجريمة وأخذ رسول الله »صلي الله عليه وسلم« يردها مرة ومرة ومرة فتقر بأنها حبلي من الزنا فيقول لها: ارجعي حتي تضعي ما في بطنك فتأتيه بعد حين فتقول قد »لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ« »الممتحنة 8«.