تناولت فى الأسابيع الأربعة الماضية رحلة السينما المصرية فى زمن قيام ثورة يوليو 52. وقد ظهر جليِّا أن إحساس السينما فى مصر بالثورة بقى لفترة غير قصيرة حالات فردية. ولم يصل أبدًا إلى حالة الظاهرة. التطور الأهم الذى تعرضت له صناعة السينما بعد قيام ثورة يوليو 52. كان إدخال السينما بمصر فى نمط جديد للانتاج السينمائى تكون فيه الدولة هى المنتج المسئول فنيًا وماليًا عن الأفلام.. المؤرخون يطلقون على هذه المرحلة فى تاريخ السينما المصرية مرحلة القطاع العام. تلك التجربة التى استمرت رسميا 6 سنوات بدأت فى عام 63 وانتهت فى عام 69. وقد عَّدد المؤرخون ثلاثة أسباب لفشل هذه التجربة أولها تآمر قطاع الانتاج السينمائى الخاص على التجربة والتربص بها لتحِّين وقت الضغط لإلغائها: التانى (تانى الأسباب) كما حدده بيان جماعة السينما الجديدة كان سيادة نظام النجوم وماتبع ذلك من تفصيل سيناريوهات تناسب دعم نجوميتهم بغض النظر عن دورها فى تحليل الواقع الإنسانى أو الاجتماعى وقتها. السبب الثالث كما حدده البيان كان (غياب) الإنسان الفاهم للعمل السينمائى بشكل عملى الدارس لهذا الفن. والواقع كانت هناك اسباب اخرى وراء بيان جماعة السينما الجديدة أولها (البطالة) التى كانت تتزايد كل عام بين خريجى معهد السنيما الذى جرى افتتاحه عام 59 ومعهد السيناريو المفتتح فى العام التالى لذلك التاريخ. أما السبب الأهم فى تقديرنا فكان فى نوعية العلاقات التى كانت تحكم قيادات القطاع العام فى مجال الإنتاج السينمائى. التجربة- تجربة تولى القطاع العام انتاج الأفلام السينمائية فى مصر مرت بالمراحل التالية،.. فى عام 57 أنشأت الدولة (مؤسسة دعم السينما) واتبعتها بإنشاء معهد السينما ومعهد السيناريو لتوفير الكوادر الفنية الدارسة، فى عام 63 ألغت الدولة مؤسسة دعم السنيما وحلت محلها مؤسسة حملت اسم مؤسسة السينما كان الدور الجديد المنوط بها هو دخول مجال الإنتاج السينمائى لتقديم أفلام محترمة فنيًا وموضوعيا. تجعل السينما المصرية تتجاوز مرحلة أفلام الراقصات والجريمة السطحية. مجرد الإعلان عن نية الدولة فى دخول مجال الإنتاج فى السينما كان حافزًا لإطلاق القطاع الخاص المرعوب على مكانته لكل الأجسام المضادة لمحاصرة التجربة وإفشالها.. وقد قرر القطاع الخاص المواجهة المبكرة التى بدأت من لحظة إعلان الدولة لمجرد النية! أوقفت كل الشركات الخاصة الكاملة فى الانتاج نشاطها فعليًا وإن كان ذلك بشكل لم يكن معلنا رسميًا. إيقاف النشاط جعل الدولة أمام أمر شديد الحرج لن تجد دور العرض أفلامًا تعرضها وسيظهر أن السينما فى مصر ماتت. هكذا لم يكن أمام مؤسسة السينما حديثة الانشاء غير خيار واحد. بدء الانتاج فورًا حتى لا تغلق دور العرض أبوابها وحتى لا يتحول الفنانون والفنيون إلى عواطلية ، بدون دراسة وبغير أية رؤية تخطيطية مدروسة بدأت المؤسسة عملية الإنتاج وقدمت أفلامًا وصفتها بأنها أفلام من «المجموعة ب» أفلام لم تكن خروجا بالسينما المصرية من دائرة أفلام الراقصات والجريمة والموضوعات السطحية وإنما كانت بحسب وصف النقاد والمؤرخين تكرارًا للحالة بشكل أكثر سوءًا. كانت أفلام فيها استسهال فى كل عناصرها الفنية قبل استسهال الموضوع وسطحيته. من أفلام هذه المجموعة «المجموعة ب» نذكر أفلام (الرجال لا يتزوجون الجميلات) من إخراج أحمد فاروق وبطولة الإذاعى أحمد خميس والنجمة شويكار، وفيلم (الرجل المجهول) من إخراج محمد عبد الجواد وتمثيل زيزى البدراوى وصلاح قابيل وفيلم (العلمين) إخراج عبد العليم خطاب وبطولة صلاح قابيل ايضًا ومعه النجمة مديحة سالم. وفيلم (نهر الحياة) من إخراج حسن رضا وبطولة منير مراد وصلاح قابيل! وفيلم «الابن المفقود» تمثيل أحمد رمزى وصلاح ذو الفقار وليلى طاهر ومن إخراج محمد كامل حسن. انتقل سعد الدين وهبه من جريدة الجمهورية التى كان يعمل بها وقت كان الدكتور طه حسين رئيسا لتحريرها انتقل سعد الدين وهبه إلى مؤسسة السينما والهندسة الاذاعية. فى سبتمبر 64 قرر رئيس الوزراء على صبرى (وقتها) نقل 37 كاتبًا من جريدة الجمهورية إلى أماكن أخرى كان ضمن هؤلاء المنقولين مع سعد الدين وهبه الدكتور طه حسين والكاتب عبد الرحمن الشرقاوى والكاتب والمخرج عبد الرحمن الخميسى وسعد مكاوى ونعمان عاشور وإبراهيم الوردانى وآخرون. انتقل سعد الدين وهبه إلى مقر مؤسسة السينما والهندسة الإذاعية وكان مقرها مبنى التليفزيون (قبل أن يستكمل مبانيه الحالية) كانت المؤسسة تضم عدة شركات صناعية منها شركة النصر لصناعة التليفزيون وشركة الترانزستور وشركات السينما التى كان عددها 6 شركات منها الشركة العامة للإنتاج السينمائى العربى وشركة القاهرة للإنتاج السينمائى المشترك وشركة توزيع وشركة دور عرض. عمل وهبه رئيسًا للإدارة المسئولة عن التخطيط السينمائى فى حين كان نجيب محفوظ لمكتب القصة وعبد الرحمن الشرقاوى رئيسًا لمكتب السيناريو. فى العام التالى جرى تعيين وهبه مديرًا فنيًا للإنتاج السينمائى العربى وقبل مرور شهرين تم تعيينه رئيسًا لمجلس إدارة الشركة. وقبل مرور عام صدر قرار بدمج شركتى الإنتاج فى شركة واحدة باسم شركة القاهرة وعيِّن عبد الرازق حسن وهو من رجال البنوك) رئيسًا للشركة الجديدة وأجبر سعد الدين وهبه على العمل مديرًا فنيا فى الشركة تحت رئاسة عبد الرازق بعد أن كان رئيسًا لها!. بعد 18 شهرًا ترك سعد الدين وهبه العمل فى الشركة بناء على طلب عبد الرازق حسن وكان وهبه فى فترة ال18 شهرًا التى قضاها رئيسًا قد انتج 18 فيلمًأ بمعدل كل شهر فيلم من هذه الأفلام «سيد درويش» (وقد أشاد به جمال عبد الناصر) و(غرام فى الكرنك) و(مراتى مدير عام) والسمان والخريف والرحيل والنصف الآخر و(صغيرة على الحب). هذه الواقعة بالتفصيل كما رواها سعد الدين وهبه بمعلومات عرفها من الرئيس أنور السادات الذى كان وقتها رئيسًا لمجلس الأمة قال السادات لوهبه أن اجتماعًا تم فى بيت ثروت عكاشة وزير الثقافة وقتها (وكان بيته فى المعادى) حضرته قيادات ثقافية كان من بينهم الناقد الكاتب حسن فؤاد وهو الذى اقترح فكرة استبعاد سعد الدين وهبه إلى عمل آخر بوزارة الثقافة وجرى التصويت على الاقتراح من الحاضرين وانتهى بأغلبيه مؤيدة بفارق صوت واحد سأل السادات سعد الدين وهبه سؤالًا محددًا: إيه إللى حصل بينك وبين حسن فؤاد؟ وكان حسن فؤاد قد كتب عمودا فى مجلة «صباح الخير» يمتدح سعد الدين وهبه بعد أن منحه وهبه فرصة كتابة سيناريو فيلم «الأرض» من تأليف صديقه عبد الرحمن الشرقاوى المهم حسن فؤاد كان عاوز يشيل سعد الدين وهبه طمعا فى الجلوس على مقعد رئاسة الشركة بدلًا منه! فيما بعد (عقب 3 سنوات تقريبًا) قدمت مؤسسة السينما أفلامًا مختلفة نذكر منها (مراتى مدير عام) و( سيد درويش)، و(هى والرجال)، (صغيرة على الحب)، (الثلاثة يحبونها) والقبلة الأخيرة) و(الناصر صلاح الدين).. هذه النقلة لم تكن لأن مؤسسة السينما كانت قد أخذت وقتها فى الدراسة اللازمة لإنتاج أفلام جيدة وغير الأفلام التى كان ينتجها (أغنياء الحرب من المنتجين قبل الحرب) ولكن بسبب حالة المنافسة بين شركتين انقسمت إليهما مؤسسة السينما شركة القاهرة والتى كان يرأسها جمال الليثى وشركة فيلمتاج التى كان يرأسها سعد الدين وهبه. ولكن نرى ما كان يدور فى الكواليس بين القيادات المسئولة عن القطاع العام السينمائى فى مصر نقرأ السطور من صراع الكراسى الذى عاشه سعد الدين وهبه فى شركة فيلمتاج.. وإليكم قصته مع القطاع العام السينمائى كما رواها هو فى الكتيب الصادر عنه من مهرجان القاهرة السينمائى. فى دورته التى جرى فيها تكريم سعد الدين وهبه. القصة وهكذا بدأ القطاع العام العامل فى مجال الانتاج السينمائى فى التعثر وتحت ضغط الخسائر تخلى القطاع العام عن القيام بعملية الانتاج وترك مهمة التنفيذ من أولها إلى آخرها إلى القطاع الخاص الذى كان كما قلنا يوجه ضربات من الخلف طوال السنوات الماضية لتجربة القطاع السينمائى العام.. عاد القطاع الخاص منتجًا واكتفت شركات الإنتاج التابعة للدولة بالتمويل فقط. الحسنة الأوضح فى التجربة - تجربة تولى الدولة مهمة الإنتاج - كانت منح عدد غير قليل من المخرجين الموهوبين فرصة تقديم عملهم الأول من جيب الدولة. المخرج حسين كمال قدم عمله الأول فيلم «المستحيل» وقدم المخرج خليل شوقى فيلمه الأ ول «الجبل» وقدم المخرج فاروق عجرمه فيلمه الأول (العنب المر) وقدم نور الدمرداش فيلمه «ثمن الحرية» وقدم جلال الشرقاوى فيلمه «أرملة وثلاث بنات» وقدم عبد الرحمن الخميسى فيلمه «الجزاء».