رئيس حماة الوطن يعقد اجتماعًا مع أعضاء الحزب المعينين بالشيوخ    لماذا تم رفع أسعار الفائدة على مبادرتي التمويل العقاري لمتوسطي ومحدودي الدخل؟| خاص    نائب محافظ القاهرة تتابع تطبيق قانون التصالح بحي شرق مدينة نصر    وزير الاقتصاد الفلسطيني: دمار قطاع غزة تجاوز ال 90%    جائزة نوبل للحرب    الخطيب: الأهلي ملكا للأهلاوية ولن أستطيع تكرار هذا الأمر مرة أخرى    بعثة نهضة بركان المغربي تصل القاهرة استعدادا لمواجهة بيراميدز    الأهلي يهزم فلاورز البنيني ويتأهل لنصف نهائي بطولة إفريقيا لسيدات اليد    حسن مصطفى: كنت أتمنى التنسيق بين حسام حسن وحلمي طولان في اختيارات اللاعبين    تعرف على الطرق البديلة بعد الغلق الكلي لمحور 26 يوليو    كشف ملابسات فيديو سقوط مسن إثر منعه من ركوب أتوبيس بالدقهلية    وفاة شاب وإصابة آخر في حادث انقلاب سيارة بطريق نجع حمادي – فرشوط    أول ظهور ل محمود العسيلي مع زوجته في مهرجان الجونة السينمائي    عاجل- رئيس الوزراء يطمئن ميدانيا على الانتهاء من أعمال تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير والطرق المؤدية إليه    قافلة «مسرح المواجهة والتجوال» تصل رفح دعمًا لأطفال غزة    وكيل صحة المنوفية يحيل مدير العيادات الخارجية بمستشفى منوف العام للتحقيق    نجاح جراحة معقدة لتصحيح اعوجاج وتحدب العمود الفقري لطفلة بمستشفيات جامعة قناة السويس    أبوقير للأسمدة يفوز على الداخلية.. وخسارة طنطا أمام مالية كفر الزيات بدوري المحترفين    ترامب يجري اتصال هاتفى مع الرئيس بوتين    الرباط وموسكو تجددان التزامهما بتطوير الشراكة الاستراتيجية وتعميق التعاون في مختلف المجالات    حكومة طالبان الأفغانية تلقي باللوم على باكستان في هجومين بطائرات مسيرة على كابول    حجز قضية اتهام عامل بمحل دواجن بالخانكة بقتل شخص بسكين لحكم الشهر المقبل    ضبط فتاة بالجامعة العمالية انتحلت صفة "أخصائى تجميل" وأدارت مركزًا للتجميل بمركز جرجا    بيع أكثر من مليون تذكرة ل كأس العالم 2026 والكشف عن أكثر 10 دول إقبالا    بالأسماء والأسباب .. تعرف علي قائمة المستبعدين من خوض انتخابات النواب بالقليوبية    يرتدي جلبابا أحمر ويدخن سيجارة.. تصرفات زائر ل مولد السيد البدوي تثير جدلًا (فيديو)    نائب رئيس مهرجان الموسيقى العربية: آمال ماهر تبرعت بأجرها ورفضت تقاضيه    حسام زكى: العودة الكاملة للسلطة الفلسطينية السبيل الوحيد لهدوء الأوضاع فى غزة    بعد ظهورها كإعلامية.. دنيا صلاح عبد الله توجه الشكر لطاقم عمل مسلسل وتر حساس 2    ماذا قال خالد عنانى عن جامعة حلوان باحتفالية فوزه بمنصب مدير اليونسكو؟    الشيخ خالد الجندى: رأينا بأعيننا عواقب مخالفة ولى الأمر (فيديو)    الشيخ خالد الجندي: الله حرم الخمر والخنزير والبعض يبحث عن سبب التحريم    الهيئة الإنجيلية تشارك في دعم المتضررين في غزة ضمن مبادرة "مسافة السكة"    بعد مقتل رئيس أركان الحوثي.. نتنياهو: سنضرب كل من يهددنا    رئيس النواب: أتهيأ لأن أضع القلم الذي خدمت به الدستور والقانون    رئيس الوزراء: الأمن المائي ليس مجالًا للمساومة.. والنيل بالنسبة لمصر قضية وجود لا تقبل المغامرة    وفد بيراميدز يجري جولة تفقدية لملاعب التدريب في قطر قبل مباريات الإنتركونتيننتال    مايا دياب ل يسرا: محظوظين بأسطورة مثلك    محافظ كفر الشيخ يناقش موقف تنفيذ مشروعات مبادرة «حياة كريمة»    محافظ الجيزة يوجه بسرعة تجهيز مبنى سكن أطباء مستشفى الواحات البحرية    سحر نصر: نبدأ مسيرة عطاء جديدة في صرح تشريعي يعكس طموحات أبناء الوطن    وعظ كفرالشيخ يشارك في ندوة توعوية بكلية التربية النوعية    جامعة قناة السويس تطلق فعاليات«منحة أدوات النجاح»لتأهيل طلابها وتنمية مهاراتهم    في يوم الأغذية العالمي| أطعمة تعيد لشعركِ الحياة والطول والقوة    قرار جمهوري بترقية اسم الشهيد اللواء حازم مشعل استثنائيا إلى رتبة لواء مساعد وزير الداخلية    بطلها حسام عبد المجيد.. صفقة تبادلية بين الزمالك وبيراميدز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-10-2025 في محافظة الأقصر    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    كامل الوزير: تجميع قطارات مترو الإسكندرية بنسبة 40% تصنيع محلى    كيف ظهرت سوزي الأردنية داخل قفص الاتهام فى المحكمة الاقتصادية؟    وكيل النواب يستعرض تقرير اللجنة الخاصة بشأن اعتراض الرئيس على الإجراءات الجنائية    الأهلي: لا ديون على النادي وجميع أقساط الأراضي تم سدادها.. والرعاية ستكون بالدولار    350 مليون دولار استثمارات هندية بمصر.. و«UFLEX» تخطط لإنشاء مصنع جديد بالعين السخنة    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    ضبط 105847 مخالفة مرورية بالمحافظات خلال 24 ساعة    الصحة تنصح بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويًا    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خرافة الدولة العميقة فى مصر
نشر في أكتوبر يوم 16 - 02 - 2014

مصطلح الدولة العميقة، أو الدولة الموازية نشأ منذ عقود فى الأدب السياسى التركى لكى يشير إلى الدولة ذات الثقافة العلمانية التى أنشأها كمال أتاتورك (أى أبو الأتراك) منذ عام 1926. فى خضم ظروف سياسية ارتبطت بهزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى وانفراط عقد الامبراطورية فكان الفكر العلمانى بدستوره وثقافته والجيش الحارس لهذه العقيدة المناهضة للدين هى البديل عن دولة بدأت دينية ثم انتهى بها الأمر بعد سبعة قرون إلى التفكك، فكان تغير العمود الفقرى من الدين إلى العلمانية هو العلاج لكى تتخلص الدولة التركية الوطنية من الترهل السياسى والإدارى والدروشة الدينية وتصبح دولة قوية رشيقة متماسكة صالحة لعضوية أوروبا بدلاً من قيادتها للعالم الإسلامى ضد أوروبا.
هذه النقلة الكبرى كانت موضع جدل للعالم الإسلامى وارتباك شديد عند المراقبين لدرجة أن أمير الشعراء أحمد شوقى الذى أعجب بكمال أتاتورك عندما انتصر على الغزو الأوروبى لبلاده عام 1919 ووصفه بأنه خالد بن الوليد، عاد يقدح فيه بعد أن قوض الخلافة الإسلامية وترك المسلمين بلا قبلة سياسية دينية حتى لو كانت وهمية. وظل الجيش التركى حارسًا للعلمانية وقاهرًا لأى اتجاه دينى واستباح السلطة بسلسلة من الانقلابات العسكرية حتى وصل أردوغان إلى السلطة عام 2002 وهنا تجدد الحديث عن الدولة العميقة أى الدولة العلمانية التى ترفض تجاور أى نزعة دينية معها، ولكن أردوغان تسلل إلى هذه الدولة بالانجازات والشعبية بالأدوات الديمقراطية ولقى ذلك هوى فى الغرب الذى أصبح ضد الانقلابات العسكرية وانحاز إلى الديمقراطية، فنفذ أردوغان إلى أركان الدولة العلمانية وهى القضاء وقمته المحكمة الدستورية العليا، وقيادة الجيش وتعديل دستورى يفسح المجال للتطور الديمقراطى دون خوف من التهام الديمقراطية عن طريق التحالف القضائى العسكرى.
***
ومعنى ذلك أن الدولة العميقة فى هذه الحالة هى الدولة العلمانية التى استقرت أركانها وتوطدت ثقافتها فى المجتمع حتى لو كان يرفضها سرًا خشية مخالفة العلمانية، وأن إقامة دولة أخرى إلى جانبها تجمع بين العلمانية والدين أى العلمانية الإيجابية أى عدم الخلط بين السياسة والدين بطريقة انتهازية، أو إقامة دولة على أنقاضها بعد القضاء عليها هو أمر مستحيل.
انتقل النقاش حول فكرة الدولة العميقة من تركيا إلى دول المعسكر الشرقى الشيوعية التى قامت دولها على الفكر والعقيدة والتنظيم السياسى والاجتماعى الشيوعى فانخرط الشعب فى هذه الدولة حتى تهدمت بفعل الضربات الغربية وتوظيف الأقليات الدينية والعرقية، والتقدم لإنشاء دول ديمقراطية بمساندة الغرب ضمن الترتيبات الدولية لتوزيع مصادر القوة حتى لا تعود للشيوعية فى هذه الدول قائمة.
فى ألمانيا تهدمت الدولة النازية التى صادفت قبولا ألمانيا واسعًا وتعبيرًا عن الشخصية القومية الألمانية التى تتسم بالكبرياء ورفض الظلم، ولكن الاعتداد بالقوة وحيازتها كان فائضاً كبيرًا أدى إلى التجاوز وتخطى هذا القدر المشروع من الأهداف إلى الجور على الدول والشعوب الأخرى، ولذلك فإن تكالب أوروبا والغرب على الدولة النازية وتبشيع صورتها وإقامة دولة ديمقراطية مناهضة للنازية لقى هو الآخر هوى واسعًا لدى الشعب الألمانى وإن احتفظت بعض قطاعاته بالاعتزاز النفسى للمظاهر النازية التى لو تجردت من اضطهاد اليهود لكانت قد أفلتت من هذا المصير.
ويطول المقام فى تأصيل هذه النظرية ولكننا نوجز هذا التأصيل بأن مكونات الدولة التى تطوع ثقافات الشعوب وتخلق مصالح مشتركة لها هى فى الحقيقة الدولة العميقة التى تطرد كل الطحالب التى تنشأ على سفحها من ممارسات واعراف. ولذلك فإن الدولة العميقة فى تركيا تنهار لصالح الدولة العصرية استجابة للحريات الدينية والرخاء الاقتصادى والحكم الرشيد وهذه العوامل هى التى تجعل الشعب هو الدولة العميقة التى تأبى تجاوز الجيش أو القضاء لمكاسبهم، وهى التى تثمر قيادات عسكرية وقضائية تكرس الدولة العميقة بمفهومها الجديد.
***
أما فى مصر فقد بدأ الحديث عن الدولة العميقة بعد ثورة 25 يناير وهى الدولة التى صممها مبارك وقامت على الفساد وترابط المصالح فى إطار الفساد وتحالف عدد من القوى على إعلاء المصالح الشخصية على المصلحة العامة فأصبحت الدولة العميقة رمزًا للتنظيمات العصابية وأصبح التعايش معها أمراً مستحيلاً. وعمق الدولة له بعدان، بعد المدة لأكثر من ثلاثين عاماً، وصلابة تكوين التحالفات مثل ترسبات المعادن الضارة فى الأجهزة الحيوية للجسم التى تقعد الجسد عن الاستمرار فى الحياة وقد تم التعبير عن ذلك بأكثر من مائة مؤشر عالمى احتلت مصر بجدارة مكانها الغريب على خرائط الفساد وعدم الشفافية وانعدام الحريات ومعدل القهر وسطوة النظام على الشعب وتبديد الثروات والهيمنة الأجنبية على مقدرات البلاد وانحسار الكرامة والقدرة على العيش وغيرها من المؤشرات المتعلقة بالمرض والثقافة والاجتماع والاقتصاد بحيث أصبح الانفجار الشعبى تلقائيًا ضد هذه الدولة التى تمكن منها النظام بأدواته وتحالفاته الآثمة فى الداخل والخارج.
***
والحديث عن الدولة العميقة فى مصر بعد ثورة 25 يناير ينصرف إلى عمق طبقة الفساد دون غيرها ولذلك، فإن القضية تتعلق بالفساد وليس بالدولة، ويخطئ من يعتقد أن هدم الدولة هو هدم للفساد وإنما تنقية الدولة من الفساد يجب أن يكون مشروعًا قوميًا لكل من يتولى السلطة فى مصر. والدليل على ذلك أن النظام الذى نشأ عقب إزالة الملكية فى مصر عام 1952 كان يتعين عليه أن يجد دولة بالغة العمق ولكنها كانت بالغة العمق فى الاستقامة وخدمة الشعب، ولذلك يعانى المجتمع المصرى على مستوى الكيف. وعندما جاء السادات كان يمكن أن يجد دولة عميقة تقاومه ولكنه وجد بقايا نظام ورموز تخلص منها بما اسماه ثورة التصحيح، ولذلك فإن انفجار الشعب يوم 25 يناير فى وجه مبارك كان ردًا من المستفيدين بالقطاع العام وغيره من الإجراءات المجتمعية فى عهد عبد الناصر والتى بددها السادات ومبارك، فهو انفجار على الاثنين معاً دون أن يدرى أطراف هذا الانفجار بأبعاد هذه المهمة.
فى ضوء ما تقدم فإن الحديث عن الدولة العميقة يضر ولا ينفع وإنما يجب أن ينصب الحديث على تنقية الدولة والمجتمع من قيم الفساد التى تكرست عبر أربعة عقود فجعلت الدولة والنظام شيئا واحدًا. ولذلك عندما وصل محمد مرسى إلى السلطة لم يدرك أبعاد الفساد الذى أصاب قطاعات الشعب والسلطة كما لم يدرك أن الإصلاح سوف تقاومه الفئات المستفيدة فى كل أجهزة الدولة القائمة والتى تعادى أصلاً التيارات الإسلامية منذ حكم مبارك، ولذلك قررت دائماً أن الدولة المصرية والشعب بحاجة إلى قيم وحملة لإعادة الأخلاق العامة التى تجتز الفساد دون أن يقترن ذلك بتوظيف الدين لأى سبب نظرًا للحساسية التى ينظر بها الفساد إلى الدين بعد أن أصبح الفساد فى ذاته دينًا فى الكثير من أروقة الدولة.
***
وخلاصة القول، إن الحديث عن الدولة العميقة فى مصر خرافة وأن الدولة كالمنزل يهدمه ساكنه أو يجمله فيصبح مقبرة أو حديقة، والعبرة بثقافة الساكن حتى لو كان البيت متواضعاً فى موقعه وبنيانه، فما بالنا بدولة راسخة الأركان ومجتمع قديم كمصر وتحوله دولة ومجتمعًا إلى التربص للاصلاح دفاعاً عن المكاسب الشخصية والفئوية هو الذى يسقط الدولة، ومن هذه النقطة يجب أن يكرس المصريون ثقافة المصلحة العليا فى الإعلام والتعليم وأن يتخلص ممن يكرسون ثقافة الفساد والانحراف والوصولية والنفاق فى جميع قطاعات الدولة حتى اختنقت الحريات وانطلق السحاب الكثيف يغلف مستقبل هذا الوطن.
***
إن الحديث عن الدولة العميقة يعنى ضرورة هدم هذه الدولة، لكن البيت لا ينصلح بهدمه إنما بأخلاق ساكنه. فالشرطة والجيش والقضاء والإعلام والتعليم والثقافة هى بشر من هذا الشعب إذا صلح الشعب صلح القائمون على هذه المرافق وإذا كان الفساد صناعته فسدت شرايين هذه الأجهزة، ولذلك نؤكد مرة أخرى أن المطلوب هو تنقية شرايين الدولة بالسياسات والثقافة والقانون والإصرار وليس بإلغاء مكونات الدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.