للمستشرق الأمريكى برنارد لويس كتاب بعنوان «أين الخطأ» تناول فيه حالة العالم العربى ووصفها بالتخلف الحضارى والاقتصادى والتكنولوجى والسياسى وتساءل: ما الذى جعل العرب والمسلمين يتخلفون عن مسيرة الحضارة والتقدم بعد أن كانوا هم سادة العالم لعدة قرون وكانت لديهم القوة العسكرية والتفوق فى العلوم والفنون ولماذا لم يواصل العرب والمسلمون تفوقهم وهم الذين وصلت جيوشهم إلى وسط أوروبا وكانت على أبواب فيينا عاصمة النمسا؟ يقول برنارد لويس كيف وصل الحال بالعرب والمسلمين أن أصبحوا بعد ذلك تابعين للغرب بعد أن كان الغرب هو التابع للعالم الإسلامى؟ وبرنارد لويس لم يطرح هذه الأسئلة حرصاً منه على إصلاح أحوال العرب والمسلمين أو مساعدتهم على تجاوز حالة التخلف وتعويض ما فاتهم. ولكنه بالعكس يطرح هذه الأسئلة لكى يتوصل إلى نقط الضعف لكى يضع أيدى صانعى السياسة فى الغرب على نقاط وأسباب تخلف العرب والمسلمين لكى يضعوا سياساتهم على أساسها لضمان استمرار هذا الضعف وتستمر حالة التبعية للغرب ويبقى العالم العربى والإسلامى ساحة مفتوحة للأطماع والمصالح الغربية. وبرنارد لويس كما هو معروف عنه صاحب عقلية إستعمارية معادية للعرب والمسلمين، ويقدم استشاراته للإدارة الأمريكية وللحكومة البريطانية ولحكومات وأجهزة المخابرات والإعلام فى أكثر من دولة من دول الغرب على أساس أنه « خبير» بالعالم العربى والإسلامى وتخصص فى وضع الاستراتيجيات التى تمكن دول العرب من تحقيق مصالحها وتدخلاتها والإمساك بأطراف الخيوط والتعامل مع القوى والتيارات المختلفة فى الدول العربية والإسلامية بما يناسب كل منها لتطويعها جميعا للعمل فى خدمة المصالح الغربية عن وعى أو بدون وعى. *** ومع ذلك يهمنا أن نعرف ما توصل إليه بحثه عن أسباب هذا التخلف ربما نستفيد منها فى التعرف على عيوبنا وعلى نقاط الضعف فينا كما يراها الغير وقد نهتدى بها فى مسيرتنا للإصلاح خصوصًا فى هذه الفترة التى تبشر بعودة الروح لبعض البلاد العربية والإسلامية. وملخص آرائه أن «الخطأ» يكمن.. أولًا: فى جمود الفكر الدينى وانتشار أفكار ودعوات لرفض الحضارة بحجة أنها «صناعة غربية» وتفضيل العودة إلى حياة ما قبل الحداثة. وثانيًا: فى نقص الحرية.. حرية الفكر.. حرية إبداع الرأى دون خوف.. حرية الفرد فى الاختيار أى أن يختار لنفسه مايشاء دون إملاءات أو تدخلات أو وصاية من أحد أو من جهة ما. وثالثًا: فى انتشار الفساد وتغلغله فى المجتمعات العربية والإسلامية إلى حد أن أصبح هناك من يرى أن الفساد جزء لايجزأ عن هذه المجتمعات لاتستطيع العيش بدونه لأنه يسهل حصول أصحاب الحقوق على حقوقهم كما يسهل حصول الفاسدين على ماليس من حقهم. ورابعًا: سوء الإدارة بمعنى أن العالم العربى والإسلامى لايعرف حتى الآن «الإدارة العلمية» وهى مفتاح التقدم الذى تحقق فى أوروبا وأمريكا واليابان والصين والهند، ولايزال «الإدارة» فى بلاد العرب والمسلمين قائمة على اجتهادات فردية ونظم مختلفة تجاوزها الوقت. وخامسًا: تخلف المرأة وفرض القيود عليها باسم الدين أو باسم التقاليد وحرمانها من حقوقها كإنسان، وبالتالى حرمان المجتمعات العربية والإسلامية من جهود وإبداعات نصف سكان هذه المجتمعات. وسادساً: القيود التى تكبل عقول ونفوس أبناء العالم العربى والإسلامى وتجعلها قابلة للخضوع للاستبداد والاستغلال الذى يتلبس غالباً بالدين فوجود الاستغلال والاستبداد يرجع إلى سطوة المستغلين والمستبدين والفاسدين، ويرجع أيضا إلى خضوع الناس للاستغلال والاستبداد والفساد. *** و برنارد لويس ليس وحده الذى يقدم للغرب رؤيته وتحليله لأسباب «تخلف العالم العربى والإسلامى»، فهناك عشرات المفكرين والباحثين، ومئات الكتب والدراسات، وعشرات من مراكز الأبحاث المتخصصة وأكثرها يتهم المسلمين بجمود الفكر، ورفض التجديد، وقبول التوقف عند أمجاد الماضى كما يرونه وسيتصورون إمكان عودة الماضى ليعيشوا كما كان يعيش فيه أجدادهم منذ مئات السنين، وهم يرفضون إدراك أن السبيل الوحيد لتخليصهم من هذا التخلف هو أن يؤمنوا بالعلم وبالتقدم العلمى وبالمنهج العلمى فى التفكير والعمل وأن يتفهموا أن قطار الحياة يسير إلى الأمام وأن سر تقدم الغرب أنه ينظر إلى الماضى على أنه زمن مضى ولن يعود ولا يصلح لهذا الزمان ولكن يمكن الاستفادة منه لأنه لايمكن إيقاف الزمن أو العودة إلى الخلف، والمستقبل يمكن أن يكون أفضل بجهود الناس وعملهم. *** هناك مفكر غربى آخر هو أندرسون جونسون سكرتير الاتحاد البرلمانى الدولى يرى « الخطأ» فى أن العالم يفهم الإسلام على أنه مرتبط بالعدوان باسم «الجهاد» مع جمود الفكر وبعد تفجيرات نيويورك وواشنطن فى 11 سبتمبر 2011، أصبح المفهوم السائد لدى الأغلبية فى الغرب بعد تجربة حكم الإسلاميين أن الإسلام دين متشدد، ويدعو للعنف، ويعادى كل من يخالفه، وقائم فى جوهره على القتال والغزو ويسمون ذلك «الجهاد»، ومفهومه الظاهر من سلوك وأقوال الإسلاميين أن الحرب على «الآخرين» هو جهاد وإكراه الناس على اعتناق أفكار معينة: القسوة فى التعامل مع المختلفين أيضاً يدخل فى مفهوم الجهاد، ووصل الأمر إلى حد إعلان فريق من المسلمين «الجهاد» ضد فريق آخر من المسلمين أيضاً، وقد استباحوا الحكم على «المسلم» بأنه «كافر» لذلك فإن الغرب غير قادر على فهم حقيقة الجهاد وحقيقة الكفر والإيمان عند المسلمين.. وهذا خلق حالة من الخوف من المسلمين ومن أن يصلوا إلى الحكم بهذه المفاهيم التى تتعارض مع المفاهيم الحضارية السائدة فى العالم المتقدم. *** و مفكر آخر هو كيرتس ساينومر فى رأيه أن الخلل يكمن فى فهم الدين وفى توظيفه وفق الهوى لأغراض دنيوية، ففى الغرب يهدف النشاط الدينى إلى تزويد المؤمنين بقوة روحية لإصلاح أحوالهم، وتغيير حياتهم ومجتمعاتهم إلى الأفضل،والعمل فى الدنيا بمعايير تناسبها.. معايير دنيوية وعلمية وعملية، والعمل للأخوه وفقا لتعاليم الدين، وبالقوة الأخلاقيةللدين ينصلح حال المؤمنين فى الدنيا وينالوا أحسن جزاء فى الآخرة و الدين فى المفهوم الغربى قوة أخلاقية لتحقيق الحرية، والعدالة، والفضيلة لكل إنسان، وليس قوة الإعتداء على الآخرين وفرض الأمور عليهم، والمؤمن الحقيقى فى المفهوم الغربى ليس عدوا لمن يختلف معه إلا إذا بادأه بالعدوان، ولذلك فإن المؤمن الغربى يتعاون مع المختلفين معه فيما يتفقون عليه ويترك الخلافات العقائدية ليحكم فيها الله، والله وحده هو الذى يحكم على إيمان كل إنسان إن كان صحيحاً أو غير صحيح، والله وحده هو الذى سيحاسب كل إنسان عما فعله سواء كان خطأ أو صوابًا، فالإنسان هو أمام الله بينما الإنسان فى العالم العربى والإسلامى ليس حراً بحيث يتدخل الآخرون فى عقيدته وعلاقته مع الله. *** الغريب أن ما يقوله كيرتس سايتومر عن المفهوم السائد فى الغرب للدين هو فى الحقيقة المفهوم الإسلامى، ولكن الجماعات المتشددة ذات الصوت العالى استطاعت أن تصور للعالم أن مفاهيمها الدينية هى التعبير عن الإسلام وأن غيرها من الأفكار المعتدلة لاتمثل حقيقة الإسلام، هؤلاء المتشددون أساءوا إلى الإسلام وهو دين سماحة..هو دين الفطرة.. لايغالبه أحد حتى يغلبه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون. أين الخطأ؟ الخطأ الأكبر فى استباحة منابر الدعوة لكل من يريد أن يكون «داعية» دون اعتبار لنوعية ثقافته وتكوينه الفكرى وعقليته وإنتماءاته حتى أصبحت ساحة الدعوة الإسلامية توهب لأنصاف العلماء وأحيانًا توهب للأدعياء وليس للدعاة، وهؤلاء هم الذين نشروا المفاهيم التى تسىء إلى الإسلام وإلى المسلمين، وهم فى الحقيقة دعاة التخلف والمسئولون عن تضليل العقول وتزييف الوعى الدينى.. وحين يعود الإسلام نقيا كما بدأ سيعود المسلمون والعرب لاستئناف مسيرة التقدم والالتحاق بالحضارة العالمية. وعلى كل مسلم أن يصحح هذا «الخطأ»!