** الفوز بالسعادة من أغلى الأمانى التى يبحث الإنسان عن تحقيقها فى حياته.. فأحيانا يعتقد فريق أن الثراء وامتلاك المال الوفير ذروة السعادة.. وآخر يتمنى الجمع بين المال والبنين ويظن أنه جمع بين الحسنيين.. وفريق ثالث يرى أنه بصحة البدن وبامتلاك القوة قادر على تحقيق السعادة بواسطة الاستحواذ على الأموال والمناصب.. أما الرابع والأخير يرى أن السعادة الحقيقية فى سكينة النفس وطمأنينة القلب ثم إمكانية الاتيان بالمال أو بأى شىء آخر.. والسعادة ليست فى الزهد وطلب راحة البال فقط.. بل يمكن تحقيق تلك الأمنيات جميعا وبشىء من الوسطية من خلال نهج الطريق المستقيم الذى شرعه الله لنا.. كما فى قول الله تعالى حينما أمر نوح عليه السلام قومه بالاستغفار ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) .. فحتى الغيث والولد الصالح والمال الحلال يصبح أمرا ملموسا ويتحقق إذا داوم العبد على الاستغفار وهو ما يفسر فعل الأمر فى «استغفروا ربكم».. وبينه أيضا حديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب».. *** ** ومداومة الاستغفار والالتزام به فى كل حين.. ولا نبالغ إذا قلنا مع كل نفس يخرج من العبد، وقد وصل الأمر أحيانا عن تحديد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عدد الاستغفار فى «يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه فإنى استغفر الله فى اليوم مائة مرة».. وهذا على سبيل الإشارة إلى كثرة الاستغفار.. ولذلك لا تأتى هذه الحاجة الإيمانية رفيعة الدرجات مع عبد ضعيف الإيمان أو انحرف عن الطريق المستقيم وقلبه مملوء بالغدر والحقد والضغينة والخيانة.. بل تأتى مع عبد توفرت لديه صفات العبودية الخالصة لله الواحد القهار ومع نفس مطمئنة راضية رضى الله عنها وعفا عنها، فهى متصالحة مع كافة الناس.. بل مع كائنات الكون كله.. فمن رضى الله عنه سخر له كل شىء ولذلك أمرنا المولى عز وجل فى كتابه الكريم( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ).. وفى آية أخرى يحدد إيجابة المغفرة بشرط فى قوله تعالى ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) .. ففى الآية الأولى يطالبنا الغفار بقوة بالمسارعة إلى رفع أكف الضراعة إليه بالاستغفار عما صدر منا من ذنوب سواء بالقول أو بالفعل لأن هذه الحياة الدنيا قصيرة جدا جدا ويمكن أن تجر أقدامنا إلى الوقوع فى الفتن فيختم الله على قلوبنا ويغشى على أبصارنا فلا نبصر ولا نرى الحق حتى يزهق الباطل أمامنا ونضل الطريق ونفقد سعادة الدنيا والآخرة ثم لا يشفع العض على أصابعنا ندما.. فلا مال ولا قوة ولا بنين تستطيع دفع عقابه الشديد لمن ظلم نفسه. *** ** ومع ذلك ترك باب غفرانه مفتوحا دائما.. لأن صفات رحمته وأسمائه الحسنى أكثر بكثير من صفات وأسماء القوة والترغيب.. فمثلا نجد من أسمائه الأولى العفو.. الغفور.. التواب.. الغفار.. الرءوف.. لأن أول أسمائه التى ذكرت فى القرآن الكريم وتقررت مع بداية كل سورة باسم الله الرحمن الرحيم.. فاسم الرحمن يؤدى إلى اسم الغفار.. ومن أجل ذلك قال تعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ).. وفى آية ثانية يؤكد نفس المعنى فى قوله تعالى (وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) .. ** أما أسماؤه التى فيها قوة ومخافة من رب العزة أقل عددا مثل الجبار.. المنتقم.. المذل.. القهار.. القاهر.. فسبحان من بسط يده بالنهار ليتوب مسيئو النهار.. وسبحان من بسط يده بالنهار ليتوب مسيئو الليل.. *** وفى الختام نقول: إن الاستغفار عبادة كبرى تشمل الدعاء والقنوط والذكر الدائم لله تعالى.. وهو الدواء الناجح والعلاج الوحيد للتخلص من كافة الخطايا وبالتالى يكون كلمة السر فى استجابة الخالق لدعائنا وبناء دنيا سوية تشملها الطمأنينة وتحقيق الهدف الأسمى فى سعادة الآخرة..