رغم المشاورات التى يقوم بها رئيس الجمهورية التونسى محمد المنصف المرزوقى ورئيس الحكومة على العريض مع الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات، فإن بوادر الحل للأزمة لا تزال غامضة مع تمسك كل طرف بموقفه. وتواجه حركة «النهضة» التى تقود الائتلاف الحكومى ضغطًا شعبيًا وسياسيًا متزايدًا مع انتشار الاعتصامات المنادية بإسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسى فى عدد من المحافظات التونسية. وتعيش تونس أزمة سياسية منذ اغتيال النائب المعارض للإسلاميين محمد البراهمى الأسبوع قبل الماضى من قبل عناصر قالت وزارة الداخلية إنهم ينتمون للتيار السلفى المتشدد. وفى الوقت الذى اندلعت فيه تظاهرات الاحتجاج على اغتيال البراهمى، تزداد الهوة بين الإسلاميين والمعارضة اتساعًا منذ اتحادهما لإسقاط نظام بن على. ورأت المعارضة فى اغتيال رموزها اغتيالًا للديمقراطية، وفشلًا لحزب النهضة الحاكم الذى طالما روج لنفسه باعتباره ممثلًا للتيار الإسلامى المعتدل. ولعل أبرز ردود الفعل كان الإعلان عن إنشاء جبهة الإنقاذ الوطنى، وتضم أبرز الأحزاب السياسية والجمعيات، وينتظر أن يلتحق بها الاتحاد العام التونسى للشغل. وسجل الدينار التونسى انهيارًا لم يعرفه منذ وقت طويل، وسادت تظاهرات الغضب فى كل مكان بشعار واحد «تسقط حركة النهضة.. يسقط زعيمها راشد الغنوشى». ويترقب الجميع انتهاء المهلة التى منحها الاتحاد العام التونسى للشغل - أكبر منظمة عمالية - للحكومة لتقدم استقالتها وتفسح المجال أمام تشكيل حكومة إنقاذ وطنى. ورغم مرور أسبوعين على انطلاق «اعتصام الرحيل» المطالب بإسقاط الحكومة والمجلس التأسيسى، ويتوقع المراقبون أن ترفع كل الأطراف من سقف المطالب والتعبئة الشعبية من أجل تحسين شروط التفاوض، لكن عطلة عيد الفطر أضعفت التعبئة الشعبية لدى الجانبين. وفى المقابل تعتبر حركة النهضة أن حل المجلس التأسيسى خط أحمر لا يمكن التنازل عنه مهما كانت الظروف. ونظريًا يبدو استمرار الترويكا الحاكمة صعبًا، فللمرة الأولى تلتقى المعارضة على أهداف مشتركة ومحددة، أما المطالب التى رفعتها جبهة الإنقاذ الوطنى هى نفس مطالب حركة «تمرد» التى تدعو إلى حل المجلس التأسيسى. الأوضاع فى مصر وتونس متشابهة فى كثير من المجالات، إلى درجة جعلت البعض يعتقد أنهما محكومتان بمسار واحد، والمحصلة أن تراجع شعبية الإسلاميين فى كلا البلدين أصبح أمرًا مؤكدًا، ومن هذه الزاوية توقع البعض أن ما حدث للإخوان يمكن أن يتكرر مع حركة النهضة. راشد الغنوشى رأى فيما تردده حركة «تمرد» مجرد أحلام، واعتبر تلك التحركات «مضيعة للوقت»، لكن أحزابًا مثل «نداء تونس» و»الجبهة الشعبية» تفاعلت مع هذا الحراك المتزايد، داعية بدورها إلى نفس المطالب التى نادت بها حركة «تمرد» التونسية، واعتبرت أن البلاد فى حاجة إلى تغيير سريع.. والعديد من السياسيين المعارضين للحكومة يعتقدون أن نتيجة الانتخابات المقبلة قد لا تكون مضمونة النتائج لمصلحة المعارضة، وعلى هذا الأساس يعملون فى اتجاه الدفع بالرأى العام نحو التمرد على الوضع القائم من أجل تغييره بعيدًا عن صناديق الانتخاب.. إن ما حدث فى مصر كان بمثابة البطاقة الحمراء التى رفعت فى وجه حركة النهضة، التى استشعرت الخطر الذى يمكن أن يهددها. ومن المؤكد أن المخاوف التى زادت فى صفوف النهضويين ستدفع بهم إلى مزيد من التنازل خلال المستقبل القريب حتى تؤكد أنها حريصة على التوافق الوطنى، وبخاصة مع ارتفاع مطلب الشارع التونسى بإسقاط الحكومة، وحل المجلس التأسيسى واستقالة رئيس الجمهورية.. طبعًا ستتمسك «النهضة» بالسلطة وستتحصن بالشرعية.. لكن إلى متى؟