لا تأسفن على غدر الزمان لطالما.. رقصت على جثث الأسود كلاب.. لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها.. تبقى الأسود أسودًا والكلاب كلاب.. تموت الأسود فى الغابات جوعًا.. ولحم الضأن تأكله الكلاب.. وذو جهل ينام على الحرير.. وذو علم مفارشه التراب.. أتذكر هذه الأبيات دائمًا التى نظمها الإمام الشافعى - رضى الله عنه - وأنا أتأمل ما يحدث فى بر مصر هذه الأيام.. فالفوضى والانفلات وغياب القيم وغياب الضمائر وأسوأ ما فى الإنسان المصرى ظهر بعد ثورة يناير.. فنحن لا نعرف ولا نعى معنى الحرية فالحرية مسئولية وحريتى تبدأ بعد مراعاة حرية الآخر.. والحرية أدب وأخلاق.. أما ما يحدث الآن من اضرابات واحتجاجات.. ومحاصرة الطلاب فى الجامعات لمكاتب رئيس الجامعة والاساتذة والعمداء.. فهو بصراحة.. قلة أدب وقلة تربية.. عميد إحدى الكليات ذات الكثافة الطلابية العالية قال لى.. أننا نحتاج لأوسمة لنجاحنا فى إدارة كلياتنا الآن.. فالطالب الراسب والفاشل وصاحب الصوت العالى والذى لا يستحق النجاح ولا يستحق التعليم الجامعى يستطيع الآن ان يحشد زملاءه ويعتدى على الأستاذة ليغير نتيجته وهو لا يستحق. واللغة أصبحت متدنية بين الطالب والاستاذ ولهذا فنحن نتعامل بحرص وذكاء وكل من يرأس موقعا الآن هو فى ابتلاء بعد أن أصبحت الفوضى وانهيار الأخلاق هو سيد الموقف.. رجل صناعة آخر يعمل فى مصانعه أكثر من خمسة عشر ألف عامل يعانى من العمال الآن وحكى لى أنه أحيانا كثيرة يفكر فى غلق مصانعه والاستمتاع بما تبقى له من أيام فى الدنيا بعيدًا عن وجع الدماغ ومطالب العمال وبلطجة قلة منحرفة تقودهم لتعطيل الانتاج.. ولو فكر هؤلاء العمال فى مصلحتهم ولو لثانية لعرفوا أن إغلاق المصانع هو أكبر ضرر لهم.. وأنهم سيصبحون عاطلين لا مورد لهم.. هذه الاضرابات التى يقودها البعض بمفهوم الثورة هى الانفلات والفوضى.. لا يعرفون قيمة الثورة وأهدافها التى لن تتحقق إذا استمر الجميع فى هذا الانفلات الاخلاقى.. إن مبدأ الأخذ فقط دون العطاء لن يحقق العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.. بصراحة وبكل صراحة هل التطاول على الناس وعلى من هم قامات فى مراتب علمية وقيمة أدبية يرضى أحدا. أم أننا فى زمن «عاليه واطيه».. نحن قمنا بثورة لنغير الأوضاع والفساد والظلم.. ولن تتحقق أهداف الثورة إذا لم نغير من أنفسنا.. وتعود القيم والأخلاق للمجتمع.. ويتحقق العدل الذى ننشده جميعًا.. وتبقى الأسود أسودا والكلاب كلابا.. ولندرك جيدًا أننا نعيش فى زمن سريع الطلقات.. زمن ننشد فيه التحول الديمقراطى والاجتماعى والاقتصادى والسياسى لمصر العظيمة!!