وسط الزحام والانفلات العام.. تضيع بعض الخيوط الذهبية.. وننسى التقاط اللآلئ المتناثرة.. هنا وهناك! وهذه محاولة متواضعة لاستكشاف واكتشاف هذه الخيوط والجواهر.. التى نراها.. وننساها أو نتناساها! وإذا أردنا أن نبتعد عن السياسة بهمومها ومشاكلها.. فإننا نلتقط الخيط الأول من فلذات الأكباد.. من محمد ومحمود.. وكلاهما طالبان مصريان نشرا أول أبحاثهما فى أعرق المجلات العلمية العالمية.. عن الخلايا الشمسية و وافقت إدارة المؤتمر الدولى للطاقة المتجددة على اشتراك الطالبين المصريين بهذا البحث رغم صغرهما، لأنه يحظى بكافة الشروط العلمية والتكنولوجية. بل إن الصغيرين العبقريين خضعا للمناقشة أمام لجنة من كبار علماء الطاقة الشمسية فى العالم الذين أكدوا: أن بحث محمد ومحمود بدران مهم ومفيد ويحمل فكرة جديدة تستحق النشر، وعندما سُئل العبقريان المصريان عن سر تفوقهما قالا: إنه الحلم.. يجب على كل إنسان أن يحلم ويعتقد أنه قادر على تحقيق أحلامه. هذا هو الخيط الذهبى الأول.. الأصغر سنا.. والأكبر قيمة وعلما ومقاما، ونحن ندعو وزيرى التعليم والبحث العلمى لرعاية هاتين الموهبتين وتشجيعهما.. بل ورعاية كل المواهب الأخرى حتى ننطلق من هذا الركام المعطل والفوضى العارمة.. والنوايا السيئة. الخيط الثانى تلتقطه أكتوبر وتشارك فى صناعته مع العقيد عبد الحميد شحاته من وزارة الداخلية.. وهو يعكس نموذجا رائعا لهذا الجهاز الذى ظل حبيسًا فى إطار نمطى سلبى على مدى عقود.. ولكن العقيد شحاته يكسر هذا الإطار، ويقدم صورة رائعة لرجل الشرطة المحب لوطنه المجتهد فى عمله.. بل والمتفوق خارج إطار العمل. فقدم أسلوبا مبتكرا لإعادة السيارات المسروقة والمساهمة فى مكافحة الجريمة. مشروع العقيد عبد الحميد شحاته يقوم على قاعدة بيانات تعتبر نواة لتطوير المنظومة الأمنية. قاعدة البيانات المركزية تضم لون وموديل ووصف ورقم كل سيارة وأى بيانات يسمح بها المشترك فى المشروع بمقابل رمزى ويتم إتاحة بيانات السيارات المسروقة للجميع من خلال أرقام خدمة عامة تسمح للمواطن أو رجل الشرطة بتمييز السيارات المسروقة من غير المسروقة فى أى مكان على مستوى الجمهورية. ويمكن لهذا المشروع أن يوفر مليونى مشترك يدعمون مؤسسة الشرطة وأجهزتها والمساهمة فى إعادة الأمن بأنحاء الوطن. هذا الابتكار الجديد والفريد والذى تم تسجيله فى الشهر العقارى وتشارك مجلة أكتوبر فى تقديمه لأجهزة الدولة بالتعاون مع العقيد عبد الحميد شحاته سوف تكون له نتائج مبهرة. أولها: إعاقة عملية تداول السيارات المسروقة فى زمن قياسى وملاحقة المتهمين الهاربين والحد من حريتهم فى التنقل بها. ثانيها: توفير مصدر جديد لتنمية موارد الدولة من خلال بيع السيارات المضبوطة التى لا يستدل على مالكها وإيداعها بخزينة الدولة، وتؤكد الدراسات أن حصيلة هذا المبلغ خلال الستة أشهر الأولى سوف تبلغ حوالى عشرة مليارات جنيه. ثالثها: انتعاش سوق السيارات وارتفاع معدلات الاستثمار مع ارتقاء مستوى الأداء الأمنى وانخفاض معدلات الجريمة فى مصر. هذه بعض التفاصيل لهذا المشروع الرائع الذى قدمه لنا العقيد عبد الحميد شحاتة ونحن نعتبر أنفسنا شركاء له وداعمين لهذا الرجل المخلص، ومن هذا المنطق ندعو وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم لعقد لقاء ثلاثى لمناقشة هذا المشروع الذى أبدعه شحاتة بمشاركة مؤسسة دار المعارف ومجلة أكتوبر. ونحن إذ نلتقط هذا الخيط الذهبى الذى يمكن أن يساهم فى إعادة الأمن إلى ربوع المحروسة.. نؤكد أن هذا هو دور الإعلام الواعى المستنير الذى يشارك فى البناء... وليس التدمير والتخريب ونشر الشائعات.. كما أننا نؤكد تقديرنا لرجل الأمن العبقرى المبدع (العقيد شحاته) وربما ينافس حسن شحاته المدرب القدير والكفء أيضا!. *** ووسط الزحام تاهت عنَّا قمة مهمة شاركت فيها مصر لأول مرة.. ألا وهى قمة البريكس التى بدأت نشأتها عام 2006 وعقدت اجتماعها الرسمى الأول عام 2009 وتضم الهند والصين والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا. ويعيش فى هذه الدول نحو نصف سكان العالم والناتج الإجمالى لها يقترب من 14 تريليون دولار.. كما أنها تحظى باحتياطى نقدى أجنبى يقترب من 4 تريليونات دولار.. أكثر من نصفها لدى التنين الأصفر. وبعد مشاركته فى قمة الدوحة.. طار الرئيس مرسى إلى جنوب أفريقيا للمشاركة فى قمة «بريكس» وقابل زعماءها.. وفتح بابا جديدا لدعم الاقتصاد المصرى.. والأهم من ذلك البدء فى تشكيل تكتل عالمى قوى.. ربما يكون الأقوى خلال السنوات القادمة إذا تمت رعايته وتطوير أدائه على النحو المرغوب والمطلوب. ومجرد مشاركة مصر فى هذه القمة يؤكد اعتراف العالم بثقلها ومكانتها رغم الأزمة الطارئة التى تعيشها نتيجة آثار الثورة وارهاصاتها والحرب الضروس التى تواجهها من الأشقاء قبل الأصدقاء.. ونحن على ثقة أن مصر سوف تتعافى وتنطلق على محاور عديدة.. ومنها البريكس التى تقدمت لنيل عضويتها ونحن على ثقة من قبولها.. لأن مصر إضافة مهمة للمجموعة.. كما أن هذه المجموعة إضافة كبرى لمصر. *** وهناك تجربة رائدة قام بها حزب مصر القوية فى محافظة الجيزة حيث تم عمل جدول لمواعيد انقطاع التيار بالتعاون مع وزارة الكهرباء بما يمكن المواطنين من تنظيم مواعيدهم وفقا لهذا البرنامج بدلاً من أن يفاجأوا بانقطاع التيار! نعم نحن نعلم أننا فى أزمة وقود وطاقة بكل أشكالها (غاز وسولار وبنزين) وهى أزمة مفتعلة فى كثير من الأحيان.. ولكنها تؤثر فى حياتنا بشكل واضح. ولكن بحسن التنظيم والعمل الإيجابى قدم أعضاء حزب مصر القوية تجربة رائدة وبناءة.. كى نتقاسم جميعا أعباء هذه المرحلة، والدلالة الأهم لهذه التجربة هى أنها نموذج وقدوة للأحزاب الأخرى ولمنظمات المجتمع المدنى.. بل وللأفراد والأسر أيضا. نريد أن نهدأ قليلاً ونفكر فى بناء الوطن، وقد أحسنت جبهة الإنقاذ عندما أعلنت أنها بصدد إعداد خطة اقتصادية متكاملة لمواجهة الأوضاع الحالية التى نعانى منها جميعا وهذه خطوة ممتازة نثنى عليها وندعو للاستمرار فى هذا الاتجاه بالتعاون مع جميع الأحزاب، ولا مانع من الجلوس مع كل الأطراف.. وإذا كنا قد تفاوضنا وتحاورنا واتفقنا مع الأعداء.. فمن باب أولى أن نجلس ونتحاور ونتشاور مع الأهل والأقارب وأبناء الوطن الواحد. *** وهناك نموذج رائع أيضا لم يختف وسط الزحام، ولكنه مسموع لكل الآذان.. إنه وزير التموين د. باسم عودة.. الذى يقوم بجهد جبار لحل مشاكل هذا القطاع الأهم فى حياة المصريين بدءاً من رغيف الخبز وأنبوبة البوتاجاز وحتى توزيع السولار. ولعل أهم ما يميز الوزير هو نشاطه واجتهاده وجولاته الميدانية المتواصلة والمكثفة. فهو يعيش وسط الناس ويعطيهم رقم تليفونه ويقدم حلولا مبتكرة ومنها إضافة مادة جديدة للسولار تجعله غير صالح للتخزين! حتى يشربه المهربون والمخربون لاقتصاد الوطن. وأعتقد أن أزمة رغيف الخبز قد تم حلها كميا، ولكنها فى الطريق للحل النوعى من خلال منظومة جديدة ومتكاملة، كما أن تشجيع الفلاحين على توريد القمح سوف يوفر الكثير من العملات الصعبة فى هذا الزمن الصعب. اللمحات الإعلامية من سمات وزير التموين.. فعندما كان يحاور إحدى المذيعات عن أزمة أنابيب البوتاجاز عرضت الفضائية الشهيرة فيلم فيديو «قديم» .. فكشفه الوزير اللماح.. بل إنه فاجأ المذيعة بأنه زار ذات المستودع قبل أيام.. وكان هناك فائض كبير من الأنابيب!! الوزير لم يكشف كذب وتزوير إحدى الوسائل الإعلامية المعروفة..بل كشف أيضا من يتاجرون بهموم وأزمات المصريين!. *** هذه بعض الخيوط الذهبية التى نلتقطها من الركام والزحام وتلال الكلام!! ونخلص منها إلى عدة حقائق مهمة: أولها.. أن مصر حافلة بالخيرات وبأبنائها المبدعين.. وأن الصورة القاتمة التى تعرضها وسائل الإعلام لا تعكس سوى سواد القلوب.. وأحقاد المتآمرين.. ثانيها.. أن الأمل كبير فى المستقبل، لأننا لو فتشنا فى ربوع مصر عن هذه النماذج الطيبة فسوف نكتشف الآلاف وملايين المواطنين القادرين على تحويل مصر إلى جنة خضراء.. ثالثها.. أن القيادة السياسية مطالبة بالدفع بهذه النماذج الطيبة إلى الصفوف الأولى، كى تقوم بدور قيادى بارز وتحقيق النهضة المأمولة التى يجب أن نشارك فيها جميعا. رابعها.. أن نثق فى «أن نصر الله قريب».. هذه حقيقة قرآنية مؤكدة يجب ألا تغيب عن نصب أعيننا، ولكن حتى يتحقق نصر الله يجب أن ننصره.. والبداية بأن ننتصر على أنفسنا وعلى نوازع الشر بداخلنا. فهل نبدأ بتغيير الذات حتى ينتصر الوطن بأسره؟