فى نهاية عام 1992.. فرض الحظر الجوى على ليبيا الشقيقة وكلفنى الأستاذ صلاح منتصر رئيس التحرير أنا وزميلى محمد بدوى مصور أكتوبر بالتغطية الصحفية لمشاكل المصريين العالقين على الحدود فى منفذ السلوم وعند وصولنا المنفذ وجدنا أن الحكومة الليبية قررت فتح الحدود بين البلدين وإلغاء منفذ مساعد المقابل لمنفذ السلوم.. وقررت أنا وزميلى التوغل فى الأراضى الليبية حتى وصلنا إلى بنغازى وهى مدينة جميلة تشبه مدينتى الجميلة الإسكندرية.. ووجدت كل ترحاب ومساعدة من الإخوة الليبيين ووجدت صلة الدم والرحم بين أبناء القبائل فى مصر وليبيا وعلاقات المصاهرة والنسب بين أبناء مطروح والفيوم والمنيا وأبناء الشعب الليبى وأن قبائل على الأبيض وعلى الأحمر والجميعات لها روابط وبعضها موجود فى مصر وليبيا.. تذكرت هذا وأنا أتابع التوتر على الحدود المصرية الليبية وتأشيرات الدخول.. وغلق المنفذ فى السلوم وفى مساعد.. وتوقف الحركة بين الأشقاء فى مصر وليبيا وتصاعد الحرب الإعلامية والحديث عن معاملة سيئة للمصريين من العاملين فى ليبيا وقمت بالتواصل مع عدد من الأصدقاء من أبناء السلوم وتأكدت من هذه الأخبار.. وتمنيت أن تحل المشكلة بين البلدين ليس من خلال الدبلوماسية الرسمية أو الحكومية، ولكن من خلال الدبلوماسية الشعبية وهى أقوى أنواع الدبلوماسية ومفعولها له أكبر تأثير، خاصة أن هناك صلة رحم بين الأشقاء فى البلدين.. وبالفعل سعدت سعادة غامرة عندما علمت أن مساعى عُمد ومشايخ قبائل مطروح نجحت فى رأب الصدع الذى كان قد أصاب العلاقات المصرية الليبية فى الأيام الأخيرة.. وكان وفد ليبى من عُمد ومشايخ وأبناء عمومة وحكماء قد وصل إلى الحدود المصرية فى منفذ السلوم البرى واجتمع مع عُمد ومشايخ مطروح بصالة كبار الزوار.. وتعاتب الأحباب وعرضوا جميع المشاكل بين الطرفين.. وأعرب الوفد الليبى عن أسفه واعتذاره لأية إساءة حدثت لأى مواطن مصرى.. واتفق الطرفان على فتح الحدود وحرية التنقل والتجارة وعبور الشاحنات للجانب الليبى وكل هذا بدون تأشيرات بين البلدين لأن هذا يكون فى مصلحة البلدين الشقيقين.. على أن يتم تقنين الأوضاع وأن يرفع العُمد والمشايخ فى البلدين ما توصلوا إليه لحكومتى مصر وليبيا لأن العلاقات الأزلية والتاريخية لا يمكن تعكر صفو العلاقة بين الشعبين الشقيقين، وإن هذه الأزمة سحابة صيف لا يمكن أن تدوم.. وأنا أحيىّ جهود عُمد ومشايخ مصر وليبيا الذين نجحوا فيما فشلت فيه الحكومتان.. وهذا يؤكد أن الدبلوماسية الشعبية أقوى بكثير من الدبلوماسية الرسمية ومن وزارات الخارجية.. لأن الدبلوماسية الشعبية تعرف نبض الناس وتعيش بينهم بعيدًا عن المكاتب المكيفة والياقات البيضاء.. فأرض الواقع أهم.. والشعوب تعرف أكثر من الحكومات وعلى الحكومات أن تبنى على ما وصل إليه الجانب الشعبى.. مرة أخرى تحية خالصة لدبلوماسية العُمد والمشايخ التى رسخّت مقولة «عمر الدم ما يبقى ميه».. وأن مصر وليبيا لا يمكن أن تعكر صفو علاقتهما زوبعة فى فنجان.. عاشت الدبلوماسية الشعبية!