الأرجنتين أو نهر الفضة كما كان يتوهم الغازى الإسبانى حين غزا هذه الدولة، هى إحدى دول القارة العجائبية (أمريكا اللاتينية)، تلك القارة التى تتقاسم مع قارتنا السوداء (إفريقيا) أطماع المستعمرين البيض فى أصالة الحضارات التليدة وفقر الحاضر وغموض المستقبل! بينما يرقص الفقراء من شبابها فى كل ساحة ممكنة مع كرة القدم على أنغام وإيقاعات (التانجو) الشجى مزينة بالمهارات الموروثة التى تدير رءوس جمهور أوروبا فى الملاعب الخضراء، وتدفع بعض ما قد اقتنص الأجداد فى الماضى من ثروات البلاد مقابل شراء لاعب أو أكثر من أصحاب المواهب الفطرية أمثال مارادونا فى السابق وميسى لاعب برشلونة الإسبانى الذى يحتكر منذ عدة سنوات كل الألقاب والميداليات العالمية. وعندما ننعطف نحو التاريخ السياسى للأرجنتين نجدها فريسة للاضطرابات والقلاقل التى جعلتها وهى «إحدى جمهوريات الموز» صريعة الثورات والانقلابات الدائمة التى تجعل عدد القادة والجنرالات وقادة الثورات، ربما ينافسون تعداد السكان فى كثرتهم. فمنذ استقلال الأرجنتين، هناك 52 اسما لمنصب رئيس الجمهورية آخرهم (السيدة كريستينا كيرشنر) التى تتولى الرئاسة حالياً.. لتكون أول سيدة تشغل هذا المنصب بعد انتخابات حرة ولدورتين متتاليتين، وهى زوجة الرئيس السابق نستور كيرشنر الذى يرجع إليه الفضل فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى ونجح فى تسديد ديون بلاده لدى صندوق النقد الدولى، ورفض أن يرشح نفسه لفترة رئاسية ثانية حتى يترك الفرصة لزوجته كريستينا لتقود البلاد ونجحت كريستينا فى الفوز بالمنصب الرئاسى لدورتين متتاليتين فى 2007 و2011. المعارضون لكريستينا يرون أنها ليس لديها برنامج انتخابى واضح، وأنها استفادت كثيراً من الإصلاحات التى حققها زوجها والتى مهدت الطريق أمامها، ولذلك فهى تواجه الآن مشاكل عدة منها تنامى معدلات البطالة وارتفاع الأسعار وإنذار باندلاع الثورات الغاضبة من جديد لاسيما عقب ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتى أشارت لفقدانها أغلبية المقاعد التى كانت تتمتع بها فى مجلس الكونجرس والذى يفسره البعض بأنه يشير لانخفاض شعبيتها فى الشارع الأرجنتينى لتصل إلى40% وفقا لإحصاءات رسمية. وتحاول كريستينا تحسين صورتها أمام الناخب الأرجنتينى مستغلة الذكرى الثلاثين لحرب جزر فوكلاند، والتى خاضتها إنجلترا ضد الأرجنتين لتأكيد ملكيتها لهذه الجزر التى تدعى كل منهما تبعيتها لها نظراً لما تتمتع به هذه الجزر من ثروة سمكية ومخزون وافر من البترول، وتدعو رئيسة الأرجنتين إنجلترا لجولة جديدة من المفاوضات. وكريستينا البالغة من العمر (60 عاما) بدأت حياتها السياسية كعضو فى حركة الشبيبة البيرونيين عام 1970، وتدرجت فى المناصب الحزبية حتى أصبحت عضواً فى مجلس الشيوخ لدورتين وبعد انتهاء المدة الرئاسية الأولى للرئيس كيرشنر رفض الترشح لمدة ثانية ليترك الفرصة لزوجته لتترشح لشغل هذا المنصب وظل يقدم لها دعمه المباشر وغير المباشر حتى وفاته عام2010. ولابتسامة كريستينا الدائمة تأثير بالغ على جميلة السياسة الأمريكية ووزيرة خارجيتها السابقة هيلارى كلينتون، وبغيرة نسائية لم تستطع كتمانها وصاغتها على شكل سؤال محير قالت هيلارى لطاقم السى آى إيه: «ترى ما نوع المهدئ الذى تتناوله سيدة الأرجنتين ليبعث فيها مظاهر الحيوية والتألق والابتسام الدائم».. إنها الغيرة النسائية وكفى..!