جاء الرحيل المفاجئ لنتسور كيرشنر رئيس الأرجنتين السابق وزوج الرئيسة الحالية كريستينا كيرشنر ليثير تساؤلات عديدة حول مستقبل الوضع السياسى فى الأرجنتين خاصة أن كل المؤشرات كانت تؤكد أن نستور سيرشح مجددا فى انتخابات 2011. وكان كيرشنر قد توفى الأسبوع الماضى عن عمر يناهز ستين عاما إثر إصابته بأزمة قلبية حادة بعد أن خضع فى سبتمبر الماضى لعملية قسطرة لفتح شريان مسدود وكانت هذه الجراحة الثانية من نوعها التى تجرى له فى سبعة شهور. وقد أثار رحيله حزن الشعب الأرجنتينى، وخرج عشرات الآلاف لإلقاء نظرة الوداع عليه حيث كان يحظى بشعبية كبيرة بعد أن استطاع إنقاذ البلاد من حافة الانهيار المالى فى فترة توليه الرئاسة من 2003 - 2007. وعلى الرغم من أن نستور تولى الرئاسة فى 2003 فى ظل ظروف بالغة الصعوبة، إلا أنه استطاع تحقيق نهضة اقتصادية كبيرة، وكانت الأرجنتين قد غرقت فى أواخر 2001 فى أزمة اقتصادية خطيرة، مما أدى لتجميد الأرصدة البنكية وتراجع قيمة العملة المحلية بنسبة الثلثين وارتفعت نسبة البطالة بنسبة 20% ونجم عن ذلك الوضع مصادمات عنيفة بين الشرطة والجماهير المتظاهرة المعترضة على هذه الأوضاع، مما أجبر الرئيس «دى لاروا» على ترك الرئاسة بعدما سالت الدماء فى الشارع، وتداول فى السلطة مؤقتا 3 رؤساء قبل أن يسلم البرلمان الأرجنتينى الرئيس «إدوارد دوهالدى» مهمة إنهاء ولاية «دى لاروا» وبعدها جمد موهالدى حسابات المواطنين لتحاشى إفلاس المصارف ثم دعا إلى انتخابات مبكرة عام 2003 واختار نستوركيرشنر المجهول لدى الرأى العام لمنافسة الرئيس السابق كارلوس منعم، وصار كيرشنر رئيسا بعدما انسحب منعم فى الجولة الثانية بعد أن تأكد من هزيمته واستطاع كيرشنر بعدما تولى الرئاسة مواجهة المشاكل الاقتصادية بإعادة جدولة ديون بلاده، وحافظ على خطط إنفاق تقشفية كما عزز سلطته المعنوية جاعلا من حقوق الإنسان هدف معركته فأعاد فتح قضايا العسكريين المتهمين بجرائم حرب فى عهد الديكتاتورية «1976 - 1983» وقام كيرشنر أيضا بدعم تكتلا إقليميا للتجارة اشتركت فيه الأرجنتين مع البرازيل والأورجواى وباراجوى، ودعم روابط بلاده مع حكومات أقصى اليسار لكل من فنزويلا وبوليفيا. النجاحات المتتالية التى حققها كيرشنر فى فترة رئاسته التى امتدت 4 سنوات أكسبته دعما قويا من شعب الأرجنتين، وكان فى حكم المؤكد فوزه بفترة رئاسية ثانية عام 2007 إلا أنه بدلا من ذلك اختار أن يفسح المجال أمام زوجته، وبالفعل استطاعت كريستينا الفوز فى الانتخابات الرئاسية بفضل دعم وتشجيع المواطنين لسياسات نستور آملين أن تسير زوجته على نفس الطريقة. وعلى الرغم من مغادرة نستور للحكم، إلا أنه لم يغادر المجال السياسى إذ كان أحد أهم مستشارى زوجته، بل إن بعض المحللين أكدوا أنه يشترك مع زوجته فى حكم البلاد، كما رأس الحزب البيرونى، وكانت له أدوار فى السياسة الخارجية فترأس اتحاد دول أمريكا الجنوبية، ويعتقد أنه لعب دورا كبيرا فى إبقاء رئيس الإكوادور رفائيل كوريا فى منصبه بعد أن واجه تمردا فى صفوف الشرطة كما أدى دورا فاعلا فى مصالحه تشافيز والرئيس الكولومبى الجديد خوان مانويل سانتوس ولكن أتت الوفاة المفاجئة لكيرشنر لتثير العديد من التساؤلات منها من يخلف كيرشنر على رأس الحزب البيرونى؟ وهل تترشح كريستينا لفترة رئاسية ثانية؟ تتعدد التكهنات بشأن هذه القضية فالبعض يؤكد تزايد احتمالات خوض كريستينا للانتخابات الرئاسية القادمة خاصة أن وفاة نستور قد تؤدى لزيادة التأييد الشعبى لكريستينا التى لا تتجاوز اليوم شعبيتها 35% فى استطلاعات الرأى خاصة حين يتذكر الناخبون سنوات الازدهار فى فترة رئاسته حين حقق ثانى أكبر اقتصاد فى أمريكا الجنوبية قفزات سريعة. من جانبها تقول وكالة رويترز للأنباء أن كريستينا التى تشتهر مثل زوجها بعدم دعم قيادات الأعمال وانتهاج سياسات تثير حفيظة المستثمرين ربما تتبنى نهجا أكثر ميلا للمصالحة فى محاولة لكسب مزيد من الدعم. وفاة نستور أيضا قد تؤدى لوجود فراغ كبير فى بلد يعتمد كل شىء فيه تقريبا على الأشخاص الذين يتولون السلطة وليس على المؤسسات التى تتسم بالضعف بشكل عام.