ينتمى السيد حسن القاياتى إلى بيت القاياتى الشهير فى صعيد مصر،? ?وهو من بيوت الصوفية الكبيرة التى حفلت بأقطابها المعروفين بالفضل والكرم،? ?وقد أشار الدكتور أحمد بدوى إلى أن بيت القاياتى كان ولم يزل أرستقراطيا بين بيوت المتصوفين? ?فى أقاليم الصعيد،? ?فالصوفيون من? ?غير القاياتيين كانوا يسعون? ?غالبا إلى الناس،? ?على حين كان الناس يسعون إلى القاياتيين،? ?فيتعلمون،? ?ويتأدبون،? ?ويتربون،? ?ويطعمون،? ?وينالون من عطائهم ما يشتهون?.? وينتهى بيت القاياتى إلى الصحابى الجليل أبى هريرة،? ?وفى كتاب? «?تاريخ المائة الثامنة الهجرية» ?أن شمس الدين القاياتى كان قاضى قضاة مصر،? ?كذلك يذكر صاحب الخطط على مبارك نخبة من القاياتيين لهم فضل كبير فى العلم،? ?والأدب?.? وقد شارك اثنان من بيت القاياتى فى الثورة العرابية أحدهما هو والد حسن القاياتي،? ?والآخر عمه،? ?وقد اضطرتهما الظروف السياسية إلى أن يستقرا فى الشام فترة من الزمن ينشران العلم الدينى،? ?ويلقيان من حفاوة العلماء ما يجدر بمقامهما الممتاز،? ?وقد ألف والد حسن القاياتى فى هذه الرحلة كتابه «?نفحة البشام فى رحلة الشام?» ?،? ?كما ألف رسالة فى الرد على مناظرة المأمون للفقهاء فى تفضيل ? «على» ?كرم الله وجهه،? ?علي? «?أبى بكر?» ?رضى الله عنه?. وفى ثورة? ?1919كان? ?بيت? ?الشيخ القاياتي? ?فى عطفة السكرية،? ?بجوار باب زويلة،? ?مركزًا للنشاط الثوري?. ?وكان الأستاذ الشيخ مصطفى القاياتي? ?ابن عم السيد حسن القاياتى? ?فى الصف الأول من زعماء? جيله ?عالما وخطيبا مفوها،? ?وكان له دور بالغ? ?الأهمية فى هذه الثورة الوطنية،? ?وقد كانت له الكثير من الوقفات مع القسيسين فى رحاب الأزهر،? ?والكنائس والمساجد والأندية،? ?يؤكد معهم ذلك الترابط بين أبناء مصر والعرب،? ?وإن اختلفت العقائد والأديان وقد تعرض مصطفى القاياتى لتلك المكاره التى تعرض لها زعماء الوطنية ودعاتها،? ?وفى إحدى الصور الشهيرة لسعد زغلول وأصحابه يظهر وجه من وجوه المصريين ذو عمامة،? ?على حين لم يكن أصحاب العمائم قد وصلوا إلى مناصب الوزارة،? ?لكن هذا الرجل العظيم هو الشيخ مصطفى القاياتي?.??.? تفرغ? ?السيد حسن القاياتى للقراءة منذ بداية عهده بالحياة،? ?واطَّلع على أمهات الكتب،? ?وقد التحق بالأزهر،? ?وتزود من علمه،? ?ولكنه سرعان ما ترك الدراسة المنتظمة ونذر حياته لاكتساب المعرفة بنفسه إذ إن المناهج المتبعة فى ذلك الوقت لم تكن كافية لإرضاء نزعاته النفسية،? ?وتطلعاته المعرفية،? ?وهكذا كان القاياتى من الذى آثروا المعرفة بحدودها المترامية على التعليم بقيوده،? ?والمناهج الدراسية المحددة،? ?وهكذا كان امتدادا للمويلحي،? ?والمنفلوطى،? ?والرافعى،? ?ومحمد صادق عنبر،? ?والهلباوى،? ?وأحمد محرم،? ?وأحمد الكاشف،? ?وأحمد نسيم،? ?وعبد الحليم المصرى،? ?كما كان فى ذلك نظيرا للعقاد الذى ولد بعده بست سنوات?.??.? علق القاياتى على كتاب? «?عيون الأخبار?» ?وكتب فى تصحيح نصوصه عشرة مقالات طوال يتناول فيها تصويب ما جناه التحريف والتصحيف على الكلمات والجمل?.??.? عنى القاياتى بأساليب الكتابة العصرية،? ?وتحقيقها ونقدها وله مقالات? ?سماها? «?العثرات فى اللغة والأدب»?،? ?ولم يشأ أدبه ونبل شمائله أن يتتبع هذه العثرات بأسماء أصحابها،? ?إنما كان يكتفى بإيراد التعبير أو الأسلوب أو الكلمة فينقد ويصحح وكأنه يقيل الكتاب من هذه العثرات?.? وكان القاياتى يحب صياغة فقرات قصيرة يسميها? »?خطرات فى أدب وخلق واجتماع،? ?وشادها الخيال وأملاه الحق،? ?إن فاتك منها سحر البيان لم تفتك الحكمة».? ومن هذه المأثورات قوله?: «آفة الشريعة التأويل،? ?وآفة القانون التعطيل».? ومن قوله?: «?الباطل المتقبل أنفذ من الحق المعطل?».? «?وكم حرمة كانت للأوثان فى حجر البيت لم تكن للقرآن فى حجر عثمان?».? وقد نشرت الصحف كثيرا من مقالاته،? ?واتسم نثره بالبيان الرائع،? ?والوصف الشائق،? ?والحكمة البالغة?.??.? اختير الشيخ القاياتى عضوًا بمجمع اللغة العربية سنة??1942،? ?فى المكان الذى خلا بوفاة المستشرق الإيطالى نلِّينو?. ?فساهم فى كثير من أعماله،? ?باشتراكه فى كثير من لجانه كلجنة الأصول،? ?ولجنة الأدب،? ?ولجنة الهندسة الميكانيكية،? ?ولجنة اللهجات ونشر النصوص القديمة،? ?ولجنة اختيار النشيد الوطنى الليبي?..? نظم القاياتى الشعر فى بواكير عمره،? ?وأصدر ديوانه سنة? ?1911? ?وقد قال فى مقدمته?: «?حسبه معذرة أنه شعر ناشئ لم يستقل،? ?وتلميذ لم يتخرج».? وعبر عن هذا المعنى نفسه فى وصف شاعر شاب بأن مخايله فى شعره تعد بالفراهة والقوة،? ?كما يعدك عنقود العنب بأن يكون الرحيق المصفى فقال?:? ??مخايل شاعر ملئت بيانا? ?كما تعد العناقيد الحميا? حفل شعر القاياتى? ?بالانفعال الصادق بعصره وما أصابه عصره من تقدم ورقى،? ?كما حفل شعره بتعبير صادق عن حيرة فلسفية،? ?وعن صراع دائم بين القديم والجديد،? ?ومع أنه ظل ينظم على نهج الأقدمين،? ?وأساليبهم ومفرداتهم?،? ?فإنه كان فى تجديده حريصا على الموضوعات السامية بعيدا عن المديح والهجاء والرثاء?. ?وفى ديوان القاياتى يعلو شعر الوصف على سائر فنون الشعر،? ?وهو? ?ينطلق بالوصف إلى وصف المستحدثات فى الحضارة مثل الهاتف،? ?وآلة التصوير،? ?وساعة الحائط،? ?ومسمعة الغناء،? ?وحوامة الطيران،? ?وكذلك يصف الربيع والأزهار والأنهار والنزهة فى مركبات الخيل?:? ?يطأن الثرى لينا فلو كان وقعها? ?على زئبق? ?غض لما ارتج ذائبه ??ويلمسنه بالرفق حتى كأنما? ?يقبل محبوبا على الذعر صاحبه وقد عبر القاياتى فى بعض شعره عن إحساسه بظلم الزمن للجمال،? ?وكأنه كان يريد للجمال أن يبقى بمنأى عن أثر الزمن فيه?:? ??وما أنس من شىء فلا أنس كيده? ?لحسناء ملء العين والقلب تجتدى ??تروح سليبا مَنْ? ?حلى وإنما? ?تؤزر بالحسن البديع وترتدى ??وتغدو على جوع وإن? ?غرامها? ?ليأكل من شتى قلوب وأكبد كان القاياتى رجلا أبيا يعرف كيف يصون كرامة إنسانيته،? ?فهو حين يشكو الدهر يختم شكواه بقوله?:? ??بعض ما أشكو وما أكثره? ?إن مثلى ليس يشكو ما وجد وهو يقول فى شكوى الدهر وما يقابله هو من رفعة نفسه،? ?وأصالة منبته وإبائه حتى إنه يؤثر الموت على الحياة? ?غير الضية?:? ??طالما عاتبت دهرى ولشد? ?أترى ينصفنى منه أحد ??إن فى صدرى منه لأسى ?لو عداه ماء حلمى لوقد ويضيق بالحياة فيقول?:? ??ما فى الحياة جديد? ?سوى القديم المعاد ??سئمت كل قديم? ?حتى خفوق فوادى وكان? ?يعبر عن معاناة قلبه من? ?الحب?:? ??أحس فى القلب وقدا? ?يارب لا كان حبا? وقد كان القاياتى يعرف أنه أهل للتقدير حتى إن لم ينله،? ?وهو فى إحدى قصائده يشير إلى هذا المعنى معبرا عن تفهمه لطبيعة مثل هذه الأمور حين يفوت التكريم أهله?:? ??لو أن المساعى تكسب المجد لم يلح? ?بأفق العلا إلا أنا وأخى البدر ??فلكم ليلة أسهدت للمجد وحده? ?عيونى وقد أغفت كواكبها الزهر ومن قوله فى تصوير حاله بين أفراد المجتمع?:? ??أنا فى عهد خداع أهله? ?نفخوا الزق وسموه السمن ??كم عظيم الكبر باد جهله? ?ظنه الناس على شىء فظن وقد حفل شعر القاياتى بكثير من الموضوعات السياسية والقومية،? ?وبخاصة أنه كان من وجوه الحياة العامة فى مصر،? ?وكان رأيه مسموعا ومطلوبا أيضا،? ?وللقاياتى قصائد فى حرب طرابلس،? ?وفى النزاع الطائفى الذى ظهر على السطح فى? ?1910،? ?ولم يلبث أن اختفى بفضل حكمة أفعاله?.??.? وللقاياتى شعر فى الحماسة والفدائية والوطنية المتقد،? ?والقومية والعروبة،? ?فمن قوله يصور عزة الشرق والعرب?:? ??غن للدنيا بمجد العرب? ?ترم عطفيها بزهور الطرب ??أمة العرب أتاحت للهدي? ?وثبة البيض وهدى الكتب ويستنهض القاياتى همة أمم الشرق فيقول?:? ??نجاحك رهن بأن تقدمى? ?فيا أمم الشرق لا تحجمى ويصف القاياتى الخلاف بين سعد زغلول وأقرانه فى أعقاب ثورة? ?1919? ?فيقول?:? ??شب الخلافة لظى فيا نار اخمدى? ?وتقسمى يانار وجه الموقد ??سعد وعدلى قد أعدنا فيهما? ?عهد القطيعة فى المسيح وأحمد تحدث حسن القاياتى عن نفسه فقال?:? «كنت لأول عهدى بالحياة،? ?ثم لأول عهدى بالتعليم والثقافة،? ?مفرط الانزواء والامتناع عن المجتمعات،? ?حتى المنزلية منها،? ?منعكفا على القراءة،? ?حتى لا أكاد أغادر المنزل بل الحجرة مرة فى كل ثلاثة أيام،? ?وأننى تلوت أكثر ما يعرفه الأدباء من أمهات الكتب،? ?إذ أنا وليد فى المكتب،? ?فما أكاد اقرأ اليوم كتاب أدب إلا معادا مكرورا».? وتحدث? ?أيضا عن نفسه فقال?:? «بنيت على خلق محض من الحرية وكراهية للتقيد،? ?يتمرد إلى الأنظمة اليومية،? ?واحتمال القاعدة المرددة،? ?والأسلوب المتحد إلا ما كان من ناحية الاتفاق والفطرية،? ?وربما كان لإفراط الملالة عندى والسأم،? ?عمل فى هذه الفوضى والاسترسال?».??.? يرى المجمعيون الذين عاصروا القاياتى أنه كان كاتبا حساس النفس،? ?مرهف الذوق،? ?يتلمح الجمال فى كل سانحة من المانى،? ?وفى كل مشهد من الصور،? ?فيعبر عنه تعبيرا يتمثل فيه ذلك الذوق المترف،? ?وذلك الحس المرهف،? ?وذلك الطابع الذى تمده العراقة بخصائص البيت العريق?.? قال عنه الدكتور منصور فهمى فى رثائه فى مجمع اللغة العربية?: «?إنه كان يرسل الشعر والبيان عاطفة مشبوبة،? ?ونزعة وثابة،? ?أو يبعثه اجتماعيات فاضلة،? ?وخلقيات مصلحة».? وقال عنه خلفه الدكتور أحمد بدوى?:? «?إن سيرة القاياتى فى حياته الخاصة والعامة،? ?فى شعره وفى نثره لصور صادقة لصفاء نفسه وسلامة طبعه،? ?وجمال خلقه،? ?وكمال مروءته،? ?وروعة حياته،? ?ومن عناصر هذه الصورة وأمثالها تنحت الحياة تمثال الإنسان?»???.? ووصفه الشيخ عبد العزيز البشرى فقال?:? «?كان القاياتى يأنف من أن يرائى الناس ويباديهم بما لا يراه حقا،? ?وهو? ?غنى عن رضى الناس بالحق والباطل،? ?هذا إلى أنه رجل رقيق الحس،? ?مهذب العاطفة،? ?جميل منزع النفس،? ?فهو أجل محل من أن يكذب على عواطفه،? ?ويفترى على ما يجول فى صدره من نوازع الوجدان?».??.? توفى القاياتي? ?بمرض القلب فى ليلة الثلاثاء الثانى والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1957 .