هل يمكن أن يلعب العرب والمسلمون فى أمريكا دورا مؤثرا فى نتائج سباق الانتخابات الأمريكية، وخاصة مع تمتعهم بثقل تصويتى فى ولايات مازالت متأرجحة بين المرشحين الديمقراطى والجمهورى؟ هذه التساؤلات طرحتها دراسة أعدها المركز العربى للدراسات والتوثيق المعلوماتى والأبحاث ومقره بواشنطن خاصة أنه لا يمكن تجاهل أن منطقة الشرق الأوسط ستكون أكثر مناطق العالم تأثرا بل وأكثر من أى وقت مضى بعودة اليمين المحافظ إلى الحكم. ويقف الناخبون من المسلمين الأمريكيين حائرين بين التصويت لمرشح ديمقراطى أفرط فى وعوده البراقة للمسلمين، ولعلاقة جديدة مع العالم الإسلامى ولم ينفِّذ تلك الوعود، وبين مرشح جمهورى يغالى فى التقرب لإسرائيل، ويناصب برنامجه الحزبى المسلمين العداء. فكيف سيخرج المسلمون الأمريكيون من خيار «أهْوَن الشرّين»؟ وقد استطلعت الدراسة آراء عدد من الخبراء العرب الأمريكيين للتعرّف على الأجواء السائدة بين الناخبين من المسلمين الأمريكيين، الذين يشعر الكثير منهم بالإحباط من الرئيس أوباما ويعدد السيد سابا شامى، مؤسس التجمع الديمقراطى للعرب الأمريكيين، الوعود التى لم يفِ بها أوباما للمسلمين فيقول: «عندما بدأ أوباما فترته الرئاسية، ارتفع سقف التوقعات من المسلمين الأمريكيين، بسبب ما أبداه من تفهّم لقضايا المسلمين والمضايقات التى يتعرضون لها فى المجتمع الأمريكى منذ هجمات سبتمبر الإرهابية، ووعدهم بالوقوف ضدّ حملات التخويف من الإسلام والمسلمين فى أمريكا وحماية حقوقهم المدنية فى مواجهة التصنيف العِرقى، الذى سمح به قانون باتريوت، الذى استخدمه الرئيس السابق جورج بوش فى استهداف مواطنين، معظمهم من المسلمين، استنادا إلى ما يُعرف بالأدلة السرية، وتعهَّد بإغلاق معتقل جوانتانامو، سيِّئ السُّمعة، كما أسرف أوباما فى وعوده بعلاقة جديدة مع العالم الإسلامى، تستند إلى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ولم يتم الوفاء بتلك الوعود، بل تجدد العمل بقانون باتريوت ثلاث مرات فى عهد أوباما». وفى رده على نفس السؤال، أعرب السيد نهاد عوض، المدير التنفيذى لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكى، عن شعور المسلمين الأمريكيين، بخيبة الأمل إزاء عدم وفاء أوباما بوعوده، رغم اتسام خطابه السياسى باللُّطف والتفهُّم لاهتمامات وقضايا المسلمين، وقدم تقييمه لما تحسن وما ساء خلال الفترة الرئاسية الأولى للرئيس أوباما، بالمقارنة مع فترتى رئاسة جورج بوش الابن: «الذى تحسن فى مجال السياسة الخارجية التى تهم المسلمين الأمريكيين، كان التزام أوباما بوعده إنهاء الحرب فى العراق وسحب القوات الأمريكية من الأراضى العراقية، ولكنه لجأ إلى التصعيد فى أفغانستان، ومع أنه أبدى اهتماما مبكّرا بملف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإنه سرعان ما تراجع أمام ضغوط أنصار إسرائيل فى الكونجرس، خِشية من فقد أصوات اليهود الأمريكيين. وعلى المستوى المحلى، زاد عدد المدرجين على قائمة المشتبه بهم من 700 ألف، معظمهم من المسلمين، فى عهد الرئيس بوش الابن، إلى أكثر من مليون ومائتى ألف، معظمهم من المسلمين، خلال السنوات الأربع الماضية، مما يعنى استمرار السياسات الأمنية التى تستهدف المسلمين، بل واتساع نطاقها فى عهد أوباما، حيث قامت إدارة الشرطة فى نيويورك بعملية تجسّس واسعة النطاق على المسلمين الأمريكيين، ولم يحرِّك أوباما ساكِنا، ولجأ المسلمون الأمريكيون إلى القضاء لوقْف تلك الممارسات التى تشكك فى وطنيتهم». وعما إذا كان المسلمون الأمريكيون سيصوتون لأوباما، أجاب السيد سابا شامى قائلا إنه رغم الإحباط الذى يشعر به معظم الناخبين من المسلمين الأمريكيين إزاء عدم وفاء أوباما بوعوده للمسلمين، فإن الغالبية العظمى منهم ترى أن أوباما، رغم مساوئه، سيكون أصلح من منافسه الجمهورى ميت رومنى الذى لا يبشر المسلمين الأمريكيين بأى خير ولا ينبِّئ برنامج الحزب الجمهورى بالتخلّى عن سياسات التشكك فى المسلمين ورفع شعارات ضد الشريعة الإسلامية مع استمرار حملات الإسلاموفوبيا. ويتفق السيد نهاد عوض مع هذا التحليل ويقول: «مع أن 90% من الناخبين المسلمين الأمريكيين أعطوا أصواتهم فى انتخابات عام 2008 لباراك أوباما، فإن هؤلاء الناخبين يدخلون انتخابات الرئاسة عام 2012 على طريقة «أمران أحلاهما مُر» فهم محبطون من عدم التزام أوباما بوعوده، ولكنهم متخوِّفون من منافسه الجمهورى الذى يسعى حزبه إلى تبنى سياسات واضحة ضد المسلمين ومواصلة التخويف منهم. ويعتقد سابا شامى، أنه مع التقارب المتزايد بين شعبية أوباما وشعبية منافسه الجمهورى ميت رومنى، يمكن للمسلمين الأمريكيين اكتساب وزن سياسى أكبر على المسرح السياسى الأمريكى، إذا أدّى تصويتهم فى الولايات المتأرجحة بين أوباما ورومنى، إلى ترجيح كفة أوباما، خاصة وأن الناخبين المسلمين الأمريكيين يتركزون بأعداد مؤثرة فى عدد من تلك الولايات المتأرجحة، خاصة ميشيغان وأوهايو وإيلينوى وكاليفورنيا وبنسلفانيا وفلوريدا. ويرى سابا شامى، أنه لو نجح أوباما فى الفوز بفترة رئاسية ثانية، فيمكن التكهُّن بأنه سيكون أكثر قدرة على الوفاء بالوعود التى لم يلتزم بها فى فترته الرئاسية الأولى. من جهته، يقول نهاد عوض إنه مع استرجاع ما حدث فى الماضى، نجد أنه عندما يعاد انتخاب الرئيس الأمريكى، فإنه يتخلص من تهديدات جماعات الضغط السياسى ولا يخشى المعارضة الحزبية من الحزب المعارض، فيصبح أكثر استقلالا فى قراراته ويتخذ من الخطوات ما لم يكن قادرا على اتخاذها فى فترته الأولى، لذلك يمكن للمسلمين الأمريكيين الشعور بالأمل فى أنه لو نجح أوباما فسيكون أكثر التزاما بالوعود التى قطعها فى خطابه البليغ بالقاهرة، سواء فى السعى لتسوية عادلة للصراع الفلسطينى الإسرائيلى أو فتح صفحة جديدة فى العلاقات مع العالم الإسلامى أو ضمان الحقوق المدنية للمسلمين الأمريكيين.