لعبت الترجمة دور همزة الوصل الحضارى بين الشرق والغرب بدءاً من العصر العباسى الذى نشأ فيه «مركز للترجمة، بهدف نقل كل التراثات السابقة وعلى رأسها اليونانية والفارسية للعربية التى أخذ اتباعها ينهلون من تراث بدأ يشيخ ويتوارى ليضيفوا إليه الجديد بل يتجاوزه لتنقذ بذلك.. الترجمة العربية التراثات السابقة من الاندثار. وكيف تستعيد «الترجمة إلى العربية أهميتها؟ كان هذا هو السؤال المحورى فى المؤتمر الذى عقدته الجمعية المصرية للدراسات اليونانية والرومانية بالتعاون مع جامعتى القاهرة وما نشستر «المملكة المتحدة» تحت عنوان الترجمة بين العربية واليونانية واللاتينية. فأشار «حسن حنفى» إلى أن الترجمة ليست مجرد نقل لغوى يقوم على مفهوم المطابقة بل هى إبداع حضارى يقوم على مفهوم التفاعل الحضارى وهو ما يظهر على عدة مستويات منها استحالة المطابقة الحرفية نظراً لأن النص المدون لم يعد النص الحى فى وعى مؤلفه الذى ينتقل من اللفظ إلى المعنى للفهم أو من المعنى إلى اللفظ للتعبير كما أن لكل لغة «يونانية أو عربية» بنيتها وتركيبتها وقواعدها الخاصة التى لا يمكن النقل منها أو إليها إلا بعد فهم طبيعة اللغتين، أما «زنيب محمود الخضيرى» فأشارت للدور الذى لعبته الترجمات العربية كهمزة الوصل الحضارى فى العصور الوسطى بين الشرق والغرب، وكيف انقذت الترجمة إلى العربية التراثات السابقة من الاندثار وعلى رأسها التراث الغربى القديم المتمثل فى التراث اليونانى بل استكملته وأضافت إليه فكانت الترجمة حركة إنسانية تنويرية هدفها الحوار بين حضارتين أولهما «الغربية» صاحبة تراث عظيم وإن بدأت تشيخ والأخرى «العربية» تهدف للنهوض وإن كانت لا تملك الوسيلة لذلك فنهلت من أختها الأكبر قبل أن تتوارى لتتمثلها ولتضيف إليها جديداً بل لتتجاوزها بالرغم من أنها ما كانت لتوجد لولاها. كما حدث مع تلخيص «ابن رشد» لدرة أعمال أفلاطون «أى الجمهورية» الذى ترجم للعربية ومنها للعبرية لأهميته كما ترجم العالم المغربى الكبير الدكتور.. أحمد شملان هذا النص إلى العربية من العبرية تحت عنوان « الضرورى فى السياسة، وأنه لولا هذه الترجمات المتعاقبة من اليونانية إلى العربية ومن العربية للعبرية والعكس ما استعدنا هذا النص الثمين. فى حين استعرض.. صلاح سرور أحد أهم رموز الترجمة العظام وهو «حنين ابن إسحاق العبادى» أعظم مترجم فى التاريخ العربى الذى قدم العديد من الترجمات للكتب العلمية والفلسفية فكان أعظم المترجمين وأكثرهم شهرة وشيخ تراجمة العصر العباسى، حيث كان يجيد العديد من اللغات مثل السريانية والعبرية واليونانية والإغريقية، وقد بلغ اهتمامه بترجمة الآثار اليونانية اهتماماً كبيراً فترجم كتاب «البرهان لجالينوس» حيث كان هذا الكتاب نادر الوجود فطاف حنين فى طلبه أرجاء العراق والشام ومصر باحثاً عنه ولم يجد أخيراً إلا ما يقرب من نصفه بدمشق، وقد بلغ من تقدير المأمون لجهوده فى الترجمة أنه كان يعطية من الذهب وزن ما كان ينقله من الكتب، لذلك كان حنين يكتب الترجمة بحروف كبيرة وأسطر متفرقة على ورق غليظ جداً لتعظيم حجم الكتاب وزنه فترجم للعربية سبعة من كتب «بقراط?»، كما نسب إليه أنه ترجم جميع مصنفات «جالينوس» الطبية وبفضله تمتع جالينوس بتلك الشهرة العظيمة عند مفكرى القرون الوسطى كما شمل انتاجه الضخم ترجمات لأبقراط وأطباء آخرين، أما أشهر مؤلفاته فهو كتاب «عشر مقالات فى العين» وهو أقدم ما كتب فى أمراض العين، ومن أهم إبداعاته وضعه لكثير من المصطلحات الفنية الطبية الخاصة بالعين باللغة العربية مثل الشبكية والقرنية والملتحمة والصلبة، معطياً لها المعنى الوارد فى اللغة اليونانية بشكل دقيق وبعربية واضحة بعد أن كانت متبانية بين المترجمين والمؤلفين فى زمانه وهذه المصطلحات لاتزال تستعمل للآن. أما خالد حربى فقد ركزت دراسته على الصفحات المجهولة من الترجمات العربية للطب اليونانى ومعرفة الحجم الحقيقى لإسهام علماء الحضارة اليونانية فى النهضة الطبية التى شهدتها الحضارة الإسلامية خاصة فى العصر العباسى الذى شهد نهضة علمية غير مسبوقة حيث كان الطب من العلوم التى شغلت حيزاً كبيراً فى الترجمة من اليونانية إلى العربية.