هذه إحدى الوثائق المرجعية لوضع الدستور الجديد الذى يبدو أن ولادته ستكون عسيرة.. وربما مريرة! ويسعدنا أن تكون هذه الدراسة من بنات أفكار أخى العزيز الباحث محمود عبد الحكيم.. ويبدو أن هذه الدراسة أسهمت فى إعادة اكتشاف زميلنا القديم المتجدد.. فكراً.. وعلما. كما أن صاحب هذه الدراسة يؤكد أن مصر ولاّدة وحافلة بالمواهب المبدعة، ولكنها تتوارى وراء ظلال كثيفة من الإهمال واللامبالاة وعدم التقدير، فمثل «ابن الحكيم» كثيرون، ولكننا بحاجة إلى التنقيب عنهم ومنحهم الفرصة الكافية لصقل مواهبهم وتطوير قدراتهم وتوفير المناخ الصحى لتحقيق الانطلاقة الفكرية لمصر.. قبل أنفسهم. أخى الباحث «الحكيم» عرض هذه الدراسة على مكتب فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر د. أحمد الطيب.. وبعد مناقشتها ودراستها.. قال فضيلة الإمام الأكبر - من خلال نائبه د. محمد جميعه - إنها وثيقة دستورية رائعة تصلح كمبادئ للدولة المصرية. وكان هذا الرد ودياً وليس رسمياً.. نظراً لوضع ومكانة الأزهر الشريف كمؤسسة دينية وطنية جامعة. كما شكّل د. على عبد الباقى أمين عام مجمع البحوث الإسلامية لجنة فقهية لدراسة المواد التشريعية فى هذه الوثيقة (وثيقة المرجعيات) وجاء الرد غريبا من هذه اللجنة:(نحن لا ننظر الطلبات الشخصية)! مع أن هذه الوثيقة الدستورية ليست مطلباً شخصيا، ولكنها دراسة تقدم رؤية فكرية لوضع الشريعة فى الدولة المصرية. إذاً فهذه الدراسة المبدعة حظيت باهتمام مؤسسات رئيسية فى الدولة.. بما فيها مجلس الشعب الذى تلقى نسخة منها.. واطلعت عليها أحزاب رئيسية على الساحة السياسية، ولكن يجب أن نعرض - بإيجاز شديد - لمحاور هذه الدراسة. لعل الفكرة المحورية التى يعرضها باحثنا تقوم على «إحداث نوع من التناغم والتكامل بين الإرادة الإلهية والإرادة البشرية»، كما أن الإرادة الإلهية لا تلغى الإرادة البشرية، ولكنها مكملة لها.. وتصبح هى عامل تطوير الإرادة البشرية. ويقول عبد الحكيم: إن هذه الوثيقة تهدف إلى توحيد إرادة الأمة والمكوّن الطائفى بالتأكيد على أن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة.. والمسيحية هى الدين الثانى.. حيث تتحول المسيحية من أقلية إلى جزء أصيل من نسيج المجتمع المصرى، وهنا تشكلت الإرادة الكلية للمجتمع والتى اعترفت بوجود الديانتين الإسلامية والمسيحية فقط فى مصر. وهذا يعنى تشريعياً خروج الأديان غير السماوية. ويؤدى هذا إلى تأكيد المواطنة.. حيث تصبح مؤهلات الكفاءة والخبرة هى أبرز معايير ارتقاء المناصب العامة.. ومن ثم إغلاق الباب أمام التدخلات الخارجية ووأد الفتنة الطائفية.. فلا توجد أغلبية تفرض إرادتها على الأقلية. وبعد ذلك تنشأ الإرادة العامة الكلية للأمة التى تشمل الإرادة الفردية والإرادة الكلية والإرادة الإلهية العليا. ونتيجة لذلك تصبح الشريعة الإسلامية هى المصدر الأول للتشريع (الإرادة الإلهية) والقانون الوضعى هو المصدر الثانى.. بما لا يخالف المصدر الأول. وهنا يحدث التناغم والتكامل بين الإرادتين الإلهية والبشرية. ووفق هذه الفكرة فإن الإرادة الإلهية تقوم بدور محور التوازن بين الإرادة البشرية بتنويعاتها كما تفتح السبيل للانفتاح على التشريعات العالمية والتفاعل معها وتؤكد الوحدة التشريعية بين الدين الإسلامى والفكر البشرى، ويؤدى هذا أيضاً إلى حل الإشكالية المستمرة والمزمنة بين التيار الدينى والليبرالى. ويعرج باحثنا «الحكيم» إلى مصادر الحريات فى وثيقة المرجعيات قائلاً إنها تنبع من إرادات أربع: الإرادة الإلهية العليا، الإرادة الفردية، والإرادة الكلية (الثقافة الاجتماعية)، والإرادة القانونية، وهى التى تؤدى إلى ربط حريات الفرد بحالته الجنائية.. وهذا يعنى ضمنا إلغاء قوانين الطوارئ. وهنا تخرج الحريات الفردية من المطلق إلى الخاص ويصبح لها شكل ومضمون نابع من هوية الأمة.. كما يمكن للدولة صناعة وصياغة نموذج لحقوق الإنسان خاص بها ويمكن تسويقه على نطاق أوسع. وهذا يضمن خروج الثقافات الشاذة أولاً بأول من المجتمع خلال العملية التشريعية. ??? وبعد أن عرضنا للفكرة الجوهرية لهذه الدراسة بإيجاز شديد.. فإن قارئنا العزيز يمكن أن يناقش نصها من خلال موقعنا على شبكة الإنترنت www.octobermag.com العدد رقم 1849 وهنا يمكن لمزيد من الباحثين والمتخصصين وأيضاً المسئولين عن صياغة الدستور الجديد الاستعانة بهذه الدراسة وعدم الاستهانة بها وإعطائها حقها من الاهتمام والتقدير. وهذا التعامل مطلوب مع كل أبناء الوطن، وليس مع زميلنا «الحكيم» وحده. كما يمكن للجنة التشريعية بمجلس الشعب والمجلس الاستشارى مناقشة هذه الدراسة مع مبدعها وواضعها.. ومناقشته فيها بالتفصيل، وهى نموذج قابل للتعديل والتطوير والإضافة والحذف. والباحث - كما أعرفه عن قرب - لديه مرونة عالية وفكر مستنير وعميق.. رغم هدوئه الطاغى وبساطته المفرطة! أما عملية صناعة الدستور نفسها فمازالت حبيسة اللعبة السياسية.. حيث الضغوط والمناورات والمساومات مستمرة.. كى يحصل كل تيار أو طرف أو حزب على نصيب يعكس نفوذه ومكانته.. وقوته على الأرض! هذه حقيقة لا ينكرها أحد، فبعد الاتفاق بين المجلس العسكرى والأحزاب على معايير تشكيل الجمعية التأسيسية.. رفضت اللجنة التشريعية بمجلس الشعب هذا الاتفاق وقالت إنه مجرد مشاورات لا علاقة لها به! والحقيقة أن هذا الموضوع هو فى صلب اختصاصاتها ولا يجب إنكار الجهد الذى تم من أجل تحقيقه. وإذا كانت هناك مآخذ أو تحفظات على الاتفاق. فتمكن دراسة البدائل وتطوير ما حصل من إنجاز.. لا ينكره أحد. ومثلما ذكرنا سابقا.. فإن عملية صناعة الدستور يجب أن تأخذ وقتا كافيا وجهدا كبيرا ودراسات متعمقة.. حتى لا نعيد سوابق ترزية الدساتير والقوانين فى العهد البائد.. وحتى لا تنكشف الثقوب والعيوب فى ثوب يجب أن نتباهى به أمام الأمم.. كدرة تاج ثورة يناير. وهذه الدراسة تدعونا لإنشاء مراكز قومية وبحثية للشباب فى كل المجالات.. حتى نكتشف مواهبهم مبكراً ونسعى لتنميتها وأن تتعاون هذه المراكز البحثية والفكرية مع نظيراتها فى دول العالم كافة. وكما سعدت وتشرفت بتقديم «الحكيم».. فسوف أسعد بتقديم مزيد من النماذج والمواهب المصرية المشرفة.