على أى أساس تم اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور؟.. الحقيقة أن الأمر كله كان شكليًا وليس موضوعيًا ونية الهيمنة والاستحواذ وانفراد فصيل بعينه على أغلب أعضاء تلك الجمعية كان واضحًا منذ البداية بعد أن أصر الأغلبية على أن يكون 50 % من الأعضاء يتم اختيارهم من البرلمان بشقيه الشعب والشورى.. بل إن رئيس المجلس رفض كل العروض التى تقدم بها عدد من النواب وبالطبع من غير الجماعة المهيمنة على المجلس وكانت معظم العروض والاقتراحات تهدف إلى تكوين جمعية توافقية تبتعد بكل أطياف الأمة عن الأزمات والتشكيكات التى من المنتظر أن تعصف بكل الانجازات الضئيلة التى أنتجتها ثورة 25 يناير. أقول إن جمعية صياغة الدستور بوضعها الحالى سوف تزيد من جروح الوطن بطعنة غائرة أحدثتها الأغلبية فى البرلمان الذى اختاره الشعب لتغليب المصلحة العامة للوطن وليس مصلحة جماعة أو حزب.. لقد أصبح الأمر باديًا وكأننا حقل للتجارب والمغامرات غير المحسوبة والتصريحات غير المسئولة والبيانات النارية وبالونات الاختبار التى يتم إلقاؤها من حين لآخر لجس نبض الشعب الذى أعطى أصواته فى الانتخابات لأحزاب وأعضاء وثق فى تعهداتهم وصدّق شعاراتهم وبعد أن تمكنوا من تحقيق أول هدف لهم فى السيطرة على البرلمان تراجعوا عن كل ما تعهدوا به استنادًا على أغلبية صنعها لهم الشعب ولم يصنعوها هم. أما الفصيل الآخر من تحالف الهيمنة والجشع السياسى فهو حديث العهد بالعمل البرلمانى ولا يدرك أعضاؤه من أمور السياسة إلا القدر اليسير .. هؤلاء الذين لا يعرفون أى شئ سوى قراءة الفاتحة فى الجنازات والدعاء لأصحاب الولائم فى الأفراح وحفلات « الطهور والعقيقة». يا سادة هل نترك مستقبل الوطن فى أيدى المستحوذين والمهيمنين من قبل من يعرف ومن لا يعرف.. لقد تأكدت بنفسى أن بعض الذين تم اختيارهم كأعضاء فى الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور لا يعرف معنى كلمة دستور وربما لم يسمعها إلا فى جملة « دستور يا اسيادنا». لقد سألت أحدهم فى محادثة هاتفية: ماذا ستقدم من اقتراحات إذا طلب منك أن تقول رأيك فى صياغة مواد الدستور؟! فرد قائلًا: سوف أقرأ القرآن وأصلى صلاة الاستخارة ثم أعرض عليهم صياغات جديدة لقانون الأحوال الشخصية؟!.. يا الله.. لقد سقط التليفون من يدى وكدت أفقد عقلى.. نائب فى البرلمان لا يعرف الفرق بين صياغة دستور يحكم أمة وبين إعداد مشروع لقانون أو تعديله.. هذه مهزلة لا يمكن السكوت عنها فى دولة هى صاحبة الريادة فى صياغة الدساتير منذ دستور 1923 وحتى دستور 1971 وتعديلاته.. دولة بها العشرات من فقهاء العمل القانونى والدستورى.. دولة بها ثالث أعرق محكمة دستورية فى العالم بعد ألمانيا وإيطاليا، مصر التى أنجبت آلاف القانونيين والسياسيين ومئات الفقهاء الدستوريين تترك هكذا فى مهب الريح ليصنع لها العاجزون والموتورون والجهلاء وأصحاب اللحى السياسية دستورها الذى انتظره الشعب بعد ثورة قدم فيها من التضحيات كل غال ونفيس.. وأقول للمستحوذين و أصحاب الجشع السياسى: لقد كنتم فى الماضى القريب جدًا قوة سياسية متشرذمة مضطهدة ومكروهة ومحظورة وحلفاؤكم من الفصيل الثانى كانوا جماعات مهجورة.. أما اختياراتكم من خارج البرلمان فأغلبهم شخصيات مغمورة أو مغرورة.. يا سادة ليس هكذا يتم اختيار أعضاء جمعية صياغة دستور مصر.. وهل تعاقبون الشعب لأنه اختاركم فى ظروف صعبة ومرحلة فارقة فى تاريخ الأمة؟!.. نعم الشعب يتحمل مسئولية اختياره بعد أن تجرأتم عليه وعلى رموزه.. بعد أن حنثتم بكل الوعود وتبرأتم من الثوابت التى أقسمتم عليها فى المجلس الذى أعطاكم القوة والجرأة.. لقد ظهرتم على حقيقتكم ولم تستطيعوا إخفاء شهوتكم الأزلية نحو الاستئثار بحكم مصر.. هكذا أنتم من بداية ظهوركم على المسرح السياسى قبل 70 عامًا وحتى الآن.. فلم تستطيعوا إخفاء عدائكم القديم للمؤسسة العسكرية الوطنية ولا إخفاء شهوتكم فى الانتقام من رموز مصر السياسية والثقافية والفكرية.. أيها السادة إن ما تفعلوه الآن يتخطى كل التوقعات فأصبحتم كقائد الطائرة الذى أطلق النار على نفسه بعد أن أقلع ومعه الركاب!!.. أو كربان السفينة الذى خرقها فى وسط المحيط!!.. لكننا لن نسمح لكم بذلك. أيها الواهمون أفيقوا من غفلتكم ونشوتكم السلطوية وحكّموا عقولكم واستعيدوا ذاكرة التاريخ وليس ذاكرة أحلامكم.. ذاكرة تاريخ مصر وكفاح أهلها على مر العصور، واعلموا أن هذه فرصتكم الأخيرة.. إما أن تجنحوا إلى صوت العقل ومصلحة الأمة وأصوات الشعب الذى أتى بكم كأغلبية فى برلمان أعرق دولة فى العالم أو انتظروا غضبة الشعب الذى لا يرحم من خدعوه أو ضللوه.. وتذكروا أن الثورة لا تزال قائمة وهناك الكثير والكثير ينتظره الشعب ولم يتم إنجازه وأغلبيتكم فى الشعب والشورى ليست نهاية المطاف. [email protected]