على مدى أكثر من قرن ظل تمثال نفرتيتي - ملكة مصر الشهيرة - محط جدل عالمي بعد اكتشافه في 1912 ونقله إلى برلين، حيث أصبح واحدا من أبرز رموز المتاحف الأوروبية، ومع افتتاح المتحف المصري الكبير في الجيزة، عادت المُطالبات المصرية لاستعادة التمثال إلى الواجهة، وسط نقاش مُحتدم حول القانون، والأخلاق، والرمزية التاريخية لإعادته.. يورجن تسيمرر، المؤرخ الألمانى البارز والمتخصص في تاريخ الاستعمار وقضايا إعادة الآثار، تحدث فى حوار حصرى ل«آخر ساعة» حول هذه القضية الشائكة، موضحًا الأبعاد الأخلاقية والسياسية لما يُعرف بواحدة من أعظم الأعمال الفنية في التاريخ. ■ المؤرخ الألماني يورجن تسيمرر ◄ منذ اكتشاف التمثال وإحضاره إلى برلين في 1924 طالبت مصر باستعادته، هل تعتقد أن الوقت قد حان لإعادته؟ - «نعم، أعتقد أن الوقت قد حان. لقد أرست المؤسسات الألمانية سابقا سابقة مهمة بعدم الاستفادة من الأعمال الفنية التى تم الحصول عليها بشكل غير عادل أو غير مشروع. هذا المبدأ مستمد من دروس المحرقة ومصادرة ممتلكات الضحايا اليهود، وقد تم تطبيقه فى السنوات الأخيرة على الأشياء ذات الطابع الاستعمارى أيضًا. ومن المؤكد أن هذا يجب أن ينطبق على تمثال نفرتيتى وهنا أشير إلى تحول تدريجى فى المؤسسات الأوروبية، التى بدأت تعيد النظر في مقتنيات تم الحصول عليها فى سياق استعمار أو استغلال غير عادل، ونفرتيتى ليست استثناءً. ◄ البعض يقول إن التمثال تم اكتشافه قانونيًا وفق اتفاقية القسمة فى ذلك الوقت، فما تعليقك؟ - الإطار القانونى فى تلك الفترة كان إطارًا استعماريا، وقد فرضته بشكل رئيسى بريطانيا وفرنسا. لا يمكننا أن نبنى سلوكنا اليوم على قوانين استعمارية، والقانون فى ذلك العصر لم يكن معبرًا عن حقوق المصريين، بل عن مصالح القوى الاستعمارية التى سيطرت على البلاد. لذلك، يعتبر أن الأساس القانونى آنذاك لا يلغى المسئولية الأخلاقية المعاصرة. ◄ هناك جدل حول طريقة تعامل لودفيج بورخارت مع التمثال، فهل تعتبر تصرفه أخلاقيًا؟ - هذا الأمر لا أعلمه بالتحديد، والجانب الأخلاقى لقضية نقل نفرتيتى يظل محور النقاش، خاصة فيما يتعلق بالشفافية والصدق فى تعامل الأجانب مع التراث المصري. ◄ اقرأ أيضًا | بعد افتتاح المتحف الكبير.. معركة مصرية لاسترداد آثارنا المنهوبة ◄ الجانب الألماني غالبًا ما يبرر احتفاظه بالتمثال بحجة أنه رمز وطني وهش جدًا للنقل، ما رأيك؟ - رمز وطنى لمن؟! فى الواقع، التمثال يمثل علم الآثار الاستعمارى والمجموعات الإمبريالية. وبما أن نفرتيتى مشهورة عالميًا، فإن إعادتها سترسل رسالة رمزية قوية للغاية عن احترام مصر لتراثها الحضارى ونفرتيتى بحكم شهرتها العالمية يمكن أن تصبح رمزًا لإصلاح العلاقات الثقافية بين أوروبا والعالم العربى، بدلًا من أن تظل أيقونة للماضى الاستعمارى. ◄ هناك مخاوف من أن إعادة نفرتيتي قد تفتح الباب لمطالبات إعادة لا تنتهي من متاحف العالم، هل تعتقد أن هذا القلق مُبرر؟ - بالعكس، إعادة نفرتيتى ستبعث رسالة قوية بأن دول الشمال العالمى مستعدة بالفعل لإزالة الاستعمار من متاحفها ومجموعاتها. هذا سيكون مثالًا يحتذى به وليس سببًا للقلق، إن إعادة نفرتيتى لن تكون بداية لسيل من المطالبات، بل ستكون خطوة رمزية مهمة تؤكد التزام أوروبا بالعدالة الثقافية والاعتراف بالحقوق التاريخية للدول الأصلية. ◄ البعض يُجادل بأن التمثال محفوظ في برلين أفضل مما سيكون عليه في مصر؟! المتحف المصري الكبير فى الجيزة من أحدث المتاحف على مستوى العالم ويطبق أعلى المعايير، والادعاء بأن الأشياء الاستعمارية محفوظة بشكل أفضل فى أوروبا يتجاهل الأضرار التى لحقت بها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. إن الحديث عن «الحفاظ الأفضل» غالبًا ما يُستخدم لتبرير استمرار الاستعمار الثقافي، بينما الواقع أن المتاحف الحديثة فى الدول الأصلية أصبحت أكثر تجهيزا لحماية التراث. ◄ أخيرًا.. إذا أعادت ألمانيا التمثال، ما الرسالة التي ستُرسلها للعالم؟ ستُرسل رسالة قوية وضرورية جدًا، مفادها أن ألمانيا مُستعدة حقًا لمواجهة ماضيها الاستعمارى وإعادة النظر فى مؤسساتها التعليمية والثقافية. سيكون ذلك مثالًا يحتذى به وشيئًا نفخر به جميعًا. هذه الخطوة لن تكون مجرد نقل تمثال، بل رسالة عالمية حول مواجهة الاستعمار، والاعتراف بحقوق الشعوب فى تراثها، وإعادة التوازن للعلاقات الثقافية بين أوروبا والدول التي تأثرت بالاستعمار. ومع افتتاح المتحف المصري الكبير يبدو أن ملف نفرتيتى سيعود إلى دائرة الضوء، وقد يمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى استعداد أوروبا للتصالح مع الماضي، ولإثبات أن الثقافة والتراث يمكن أن تصبح جسورًا للتفاهم وليس أدوات للسيطرة.