لا أعرف كيف أتحدث عن «الموسوعة» الفكرية.. والأدبية.. والفنيّة.. والثقافية.. العلمية.. والحضارية.. والصحافية.. والفلسفية....وما وراء البحار...!!إنه: أنيس منصور: ذلك الإنسان الغريب قرأ وعرف كل شىء.. إلا شيئا واحدا كان يريد أن يعرفه.. وهو «عالم الغيبيات»! بدأت صداقتى بالاستاذ أنيس منصور عندما كنت أعمل «محررا» بدار أخبار اليوم»... وكان هو يكتب الصفحة الأخيرة وعلم أننى «بلدياته» من أبناء مدينة السنبلاوين محافظة الدقهلية.. فبدأ يصحبنى معه إلى منزله كثيرا لتناول الطعام وحضور الحفلات خاصة حفلات.. «عيد ميلاده»..كان انيس منصور: عالما فى الكثير من المجالات إلا هذا العالم الذى طلب منى ان أصطحبه فيه بحكم اهتمامى وقراءاتى المتعددة فيه ولآن عالم الغيبيات يعيش بيننا حتى الأن خاصة فى «صعيد مصر» وبعض القرى الريفية، ويتمثل فى «قراءة الفنجان» و«الكف» و «السحر السفلى والعلوى» فقد كان الكاتب الراحل يرفض الذهاب إلى بيوت محترفى هذا النشاط.. وكان يطلب منى أن أحضر كل من أعرفه إلى «مكتبه» .. خشية أن يتحدث عنه الناس عندما يرونه يتردد على مثل هذه الفئات. وفى ذات يوم من ستينات القرن الماضى تحدثت مع أنيس منصور عن أحد مشاهير قراءة الكف ويدعى جعفرفطلب منى أن أحضره إلى مكتبه.. لكن الرجل رفض وقال لى: لا أذهب إلى أحد... ومن يريدنى عليه الحضور عندى، فوافق الأستاذ على الذهاب إلى منزل جعفر، ولما ذهبنا.. جلست أنا فى غرفة الصالون. وجلس هو فى مكان آخر ليقرأ له كف يده. بعد حوالى نصف ساعة خرج أنيس منصور وعلى وجهة علامات الدهشة والانبهار. وفى طريق العودة إلى «أخبار اليوم»سألت الاستاذ عن رأيه فى الرجل..؟ فقال: إنه رجل غريب. وعجيب ولا مثيل له أبدا..!! ونقل ما حدث له مع قارئ الكف..إلى: مصطفى وعلى أمين... ثم إلى «أم كلثوم»..!! الذين طلبوا جميعا لقاء «جعفر»، ووافق الأخير على أن يذهب إلى «فيلا» أم كلثوم... وكان موجودا فى الفيلا.. بخلاف صاحبتها على ومصطفى أمين..وأنيس منصور.. وكامل الشناوى. قرأ جعفر لهم جميعا الكف... وأصيبوا بذهول شديد لما سمعوه من حقائق.. خاتم أم كلثوم وبعد أن أنتهى قارئ الكف من مهمته طلب من «أم كلثوم» أن تنزع «الخاتم السوليتير» من أصبع يدها ليراه، ولما فعلت، نظر إلى الجميع الموجودين وقال لهم: وهذا هو «خاتم السوليتير» ورفع يده وبكل قوة ألقى «الخاتم» من النافذة فى الشارع.!! صرخ كل الموجودين... لما حدث ..!! فنظر إليهم «جعفر» قائلا:لا تصرخوا.. أنه داخل جيب الاستاذ مصطفى أمين ، الذى أسرع بوضع يده داخل جيب «جاكتته» .. وإذا به يخرج «خاتم السوليتير» ...!! توطدت العلاقة بعد تلك الواقعة بين أنيس منصور.. وجعفر.. وفى يوم حضر الأخير لزيارة الاستاذ فى مكتبه «بدار أخبار اليوم» وكان موجودا الزميل مصطفى سنان المحرر بجريدة الأخباروطلب من «جعفر» أن يقرأ له «كف يده»... أمسك جعفر.. بكف يد مصطفى سنان..وإذ به يقول له: ياراجل.. أنت عمرك انتهى.. كان المفروض أنك تموت..!!! فى اليوم التالى: أتصل «بجريدة الأخبار» واحد من أسرة مصطفى سنان ليقول:البقية فى حياتكم..مصفى «مات»!! ومرة أخرى زاد اهتمام أنيس منصور بعالم الغيبيات.وذات مرة: ذهبت إلى «مجلة أكتوبر» كالعادة فى المساء.. فشاهدت: لسيدة.. معها فتاة جميلة جدا.. يجلسان فى مدخل المجلة..وعلمت أنهما تنتظران أن الاستاذ أنيس الذى حضر بعد قليل وبعد فترة طلب استدعائى، وكتابة موضوع عن تلك السيدة، فقد كانت قارئة جيدة للكوتشينة،. أعجبته قراءتها للطالع فقلت له: سأحضر لك من هو افضل منها، وفى اليوم التالى أحضرت له الشيخ سالم غنام من إحدى قرى مركز دكرنس. طلب الرجل من أنيس : أن يقرأ «الفاتحة».. ثم أخذ الرجل «يتمتم» بشفتيه بعض الكلمت.. ثم قال: أسمع يا أستاذ: أنت اتسرق من مكتبك «كذا.. وكذا..وكذا..؟!! ظهرت علامات الدهشة والاستغراب على وجه الأستاذ.. ونهض من مكانه ليبحث عن هذه الأشياء.. فلم يجدها..!!! ثم قال الرجل أيضا: الأعمار بيد «الله سبحانه وتعالى أنت سوف تعيش لما بعد الثمانين عاما..!!! قال أنيس «يااااه إحنا فين.. والثمانين سنه فين...؟!!! ثم قال له الرجل: ستسافر لتؤدى فريضة الحج.. ولكنك بعد وصولك إلى الأراضى السعودية.. سوف تعود إلى مصر لأنك سوف تسافر إسرائيل مع السادات..!! ابتسم أنيس منصور.. وكأنه لا يصدق.. وقال له: وبعدين؟ فقال الشيخ: طبعا أنت لا تصدقنى.. ولكن هذا سوف يحدث..!! أخذ أنيس منصور يتحدث مع الرجل فى أشياء كثيرة جدا... فوافق الرجل، وصارت بعد ذلك صداقة وطيدة بين أنيس منصور.. والشيخ سالم غنّام..!!! كان أنيس منصور مغرما بمن يكشفون «الغيب»... وكان يطلب منى أن أكتب عن كل من أتعرف عليه يعرف جيدا مثل هذه الأمور. ومن هنا أيضا بدأ يهتم بالكتابة عن «السحر».. رجل سورى خطير..! وذات يوم حضر إلى مكتبى «بمجلة أكتوبر» رجل قدم لى نفسه أنه سورى الجنسية.. ولكنه مقيم فى دولة الإمارات العربية.. لأنه مطلوب «القبض عليه» فى بلده، لأنه تنبأ بأمور غير سارة للرئيس حافظ الاسد. وقال لى الرجل:انه يعرف جيدا كل شىء عن حياة أى إنسان عن طريق كتابة الشخص للأسئلة التى يرغب معرفة إجاباتها فى ورقة... ويترك تحت كل سؤال مسافة خالية.. ويمسك الرجل بالورقة فى قبضة يده.. ثم يرفعها إلى أعلى... وهو يقرأ «وردا».. بعد ذلك يفتح الرجل يده.. ليجد الاجابة تحت كل سؤال..!!! تركت الرجل فى مكتبى وذهبت إلى الاستاذ أنيس منصور فى مكتبه. وأبلغته بالأمر..فطلب منى إحضاره فورا اصطحبت الرجل، الذى كتب بضعة أسئلة لعبد القادر، وهو إسم الرجل السورى، وطلب اجاباتها . أخذ «السورى» «يتمتم» بكلمات، ثم قال لأنيس منصور.. أنت كتبت خمسة أسئلة وكلها سرية. نهضت من مكانى وغادرت المكتب.. وبعد نصف ساعة إستعدعانى الأستاذ إلى مكتبهمرة أخرى.. وقال لى: الراجل ده خطير جدا. واليوم الساعة السادسة مساء.. سوف أرسل له سيارتى إلى «الفندق» الذى يقيم فيه.. ليحضر عندى فى الفيلا.. ثم قال لى الفيلا أنيس: لا تحضر معه..!! وسألته فى استغراب.. لماذا..؟ قال: حتى لا تقول له شيئا عن الشخصيات التى سوف تكون موجودة..!! فى اليوم التالى:دخلت إلى مكتب الأستاذ.. وسألته عن رأيه فى الرجل فى الرجل فى جلسته أمس التى جرت فى الفيلا..؟!! فقال لى: تصور أنه قال: أنه يوجد من بين الموجودين من يكرهك. ولكنه يبدى لك الصداقة، والمحبة الكاذبة..!! ولما سألته عن أسمه: قال أمام جميع الموجودين إن أول حرف من اسمه «كذا».. وهو يعمل معك فى «المجلة»!!!! وسألت: أنيس منصور.. هل صدّقت الرجل فيما قال..؟ قال: نعم.. فقد كنت أعرف ذلك..!! بعد ذلك: كنت كلما أكتشفت متمكنا فى أعمال السحر.. اصطحبته إلى أنيس منصور.. وقد تعرف الرجل من خلالى على عدد كبير جدا من الرجال الذين يعملون السحر.. وكذلك قارئات الفنجان.. وأخيرا.. أصدر كتابا ضخما بعنوان «أرواح وأشباح»... أعياد ميلاده كان أنيس منصور: يهتم جدا بالاحتفال بعيد ميلاده.. فى الثامن عشر من أغسطس كل عام.عندما صدرت مجلة أكتوبر.. احتفل أنيس منصور بعيد ميلاده فى منزله بالجيزة.. وحضر عدد كبير من المحررين.. بعد ذلك: إقتصر الاحتفال بعيد ميلاده.. عليه والسيدة قرينته.. وأنا.. وكان يطلب منى :أن أتصل بسامى الزغبى.. مدير عام فندق شيراتون.. ليحجز مائدة للأحتفال، وكان سامى الزغبى.. يرفض أن يدفع الأستاذ «الحساب»... غير أن أنيس منصور كان يترك على المائدة مبلغ ثلاثين جنيها..!! وكان هذا المبلغ فى ذلك الوقت يعتبر ضعف المطلوب للحساب..!! وربما كان هذا ما دفع أنيس منصور إلى أن يغيّر مكان الاحتفال بعيد ميلاده إلى أماكن أخرى فيما بعد. والغريب: أن أى مسئول فى تلك الفنادق فيما بعد يرفض أن يدفع الأستاذ الحساب، الأخير يصر على دفع ضعف المطلوب. كان أنيس منصور يحفظ «القرآن الكريم» وهو طفل صغير لأن والده كان ينوى إلحاقه بالمعهد الدينى.. ولكن بعد وفاة والده.. استمر الأستاذ فى دراسته بالمدرسة الثانوية.. وكثيرا ما كان أنيس يستدعينى إلى مكبه ويسألنى عن بعض الأيات القرآنية. غاوى مقالب وكان أنيس منصور «يهوى» فى حياته «المقالب» وبهذه المناسبة أذكر «مقلبا» له مع زميله محرر بمجلة أكتوبر فى «قسم الترجمة».. كانت هذه الزميلة كثيرا ما كانت تعارضه فى الاجتماعيات التى كان يعقدها مع المحررين.. وأراد أنيس منصور مضايقاتها.. فاستدعاها إلى مكتبه. وأعطاها ورقة فيها عنوان بآخر شارع الهرم.. وقال لها: إذهبى إلى هذا العنوان.. وقابلى رجلا «مستشرقا» انجليزيا.. جاء لزيارة القاهرة. وأجرى معه حديثا صحفيا.. ذهبت الزميلة» نجوى إلى العنوان وكان عبارة عن «فيلا».. وطرقت الباب.. وفتحت لها سيدة مصرية.. فسألتها عن الرجل المستشرق. هنا.. كانت المفاجأة.. قالت لها السيدة.. يابنتى هذه الفيلا يقيم فيها زميلك حاتم نصر فريد.. وأنا والدته.. وليس هناك مستشرق ولا يحزنون..