شجرة الفساد مورقة ومخضرة .. خبطة أو خبطتان بفأس 25 يناير لم تؤثر فيها حتى ولو قطعت بعض جذورها المغروسة فى لحم وعظم المصريين، فهناك المئات والآلاف يثبتون الجذع الذى تتفرع منه فروع تحمل أوراقا ..تلك التى أقصدها الفروع أو الفاسدين الصغار أو الذين نظن أنهم كذلك أو نظن أن أفعالهم التى ترسم خريطة الفساد اليومية فى حياتنا ليست ذنوبا أو كبائر ولكنها من اللمم الذى يتجاوز الله عنه، ولهذا فنحن لانشتكى حتى ولو أزكمت أنوفنا رائحة فساد هذه الثعالب الصغيرة ، وربما نقبل أن نلعب معها دور الضحية .. وأحيانا ما نشاركها ونشجعها مرة بالسكوت وإغماض العين ومرة مقابل قضاء حاجة أو الحصول على حق من حقوقنا دون أن تنازعنا فيه ، وحين نفعل ذلك عامدين أو ساهين فنحن نضيف إلى أحاسيسنا المخزونة - دون أن ندرى - ما يرسخ بداخلنا الإحساس بالظلم والأفكار السوداء عن منظومة الإدارة البيروقراطية الفاسدة فى مصر . والسطور التالية تحمل وقائع فساد أهديها إلى المسئولين عنها وهم بدرجة الوزير، وأناشدهم مقدما أن يتحملوا مسئوليتهم تجاهها ويسعوا إلى القضاء عليها وعلى أشباهها من الوقائع حتى لا يستقر فى ضمير المصريين الجمعى أنه لا أمل فى إصلاح القادم وأن الثورة التى أنجزتها تضحيات 25 يناير لم تخلخل شجرة الفساد المسمومة حتى فى مكانها . (1) محافظ الجيزة بتاريخ 8/9/2011 ، أعلنت مديرية التربية والتعليم بمحافظة الجيزة عن تعاقدات لوظائف خالية (مدرسين) بالمديرية، وحسبما هو معلن كان المفترض أن يتم تلقى الطلبات خلال 15 يوما من تاريخ الإعلان ثم يتم فرز الطلبات خلال شهر يبدأ من انتهاء مدة تلقى طلبات التقديم ، على أن تكون الأولوية فى التوظيف للعمالة المؤقتة التى تنطبق عليها الشروط المحددة بالإعلان، لكن الذى حدث أن بعض المتقدمين تسرب إليهم أن هناك من تم التعاقد معهم حتى قبل انتهاء المدة المحددة لتقديم طلبات التوظيف، حدث هذا على سبيل المثال فى إدارة شمال الجيزة التعليمية، ومن وراء ظهر مديرية التعليم بمحافظة الجيزة، هذا ما كشفه لى بالوثائق عدد من المتضررين، ومنهم أحمد محمد أحمد، وأحمد القاضى اللذان تقدما وآخرون ببلاغ للنائب العام بتاريخ 22/9/2011 حمل رقم (10100) . وأضاف أصحاب البلاغ فى شكايتهم بعض تفاصيل التعاقدات التى تمت من خلال الوساطة والمحسوبية والرشاوى مع أشخاص حديثى التخرج أو غير متخصصين فى الوظائف التى تم تعيينهم فيها، حيث تم تعيين من يحملون مؤهلات (حقوق وصحافة وإعلام) فى وظيفة مدرس مساعد لغة إنجليزية رغم وجود متقدمين آخرين متخصصين وذوى خبرة . يرصد أيضا البلاغ تعيين إدارة شمال الجيزة أحد الأشخاص (م.ج.م) لتدريس المواد التجارية بدعوى وجود عجز فى هذا التخصص وهو ما يخالف الحقيقة، حيث يوجد عدد زائد من المدرسين فى هذا التخصص، ناهيك عن أن الشخص المذكور تعدى السن الوظيفية للتعيين (40عاما) وحاصل على بكالوريوس تجارة، وهناك غيره ممن يحملون شهادات متخصصة هم أولى منه بالتعيين. تعاقدت الإدارة المذكورة أيضا مع (ص.م) و(ف.م) لشغل وظيفة مدرس قانون فى المدارس التجارية ومؤهلاتهما أن الأول شقيق أحد الموظفين فى الشئون القانونية بالإدارة والثانية هى خالة زوجة الموظف نفسه. البلاغ المقدم للنائب العام يحمل اتهاما بأسماء المسئولين عن هذا الفساد الفاجر ويحدد ثلاثة منهم بالاسم والصفة الوظيفية (م.خ)،(ع.أ)،(م.ع) يعاونهم سائق(م.خ)، وهؤلاء الذين تلقوا الرشاوى بعضهم كان قد سبق اتهامه فى وقائع فساد مماثلة وتم التحقيق معهم ، وفى الواقعة الأخيرة تحديدا فقد قاموا بإخطار مديرية التعليم بالمحافظة بأن التعاقدات التى أبرموها بالمخالفة للقانون تمت فى تاريخ سابق على إعلان التوظيف وأرّخوا العقود بتاريخ 1/8/2011. ولك أن تعرف أن إعلان التوظيف هذا قد تقدم له 55 ألف شخص (شاب وفتاة) يأملون بالفعل فى الحصول على وظيفة بجنيهات حتى ولو كانت قليلة ليفتحوا بها بيوتا جديدة أو يعولوا بها أبناء لهم أو ينفقوا منها على أنفسهم ، (55)ألف متقدم إلى (4) آلاف وظيفة تم توزيع (2700) منها بالوساطة والمحسوبية (!!). يا محافظ الجيزة، لا أحسب أنك تسكت عن مثل هذا الفساد إذا تحققت من وقوعه ومثلك وزير التربية والتعليم حتى ولو كانت هذه الواقعة تحديدا تخرج عن نطاق مسئولية وزارته وتدخل تحت مسئولية المحليات. (2) وزير التضامن كان اسمها فيما قبل وزارة التموين فصارت وزارة التضامن والعدالة الاجتماعية .. لتكن كذلك.. وتعاونها مديريات فى المحافظات، تختص بشئون التموين، ومديرية التموين فى محافظة الجيزة لا شك تقوم بمجهود مشكور فى مطاردة لصوص الدعم وسارقى قمح الغلابة وخبزهم، وأكثر هذه الجهود ينصرف إلى المخابز الخاصة، تلك التى تمثل صداعا فى رأس المديرية حتى أنها خصصت لكل مخبز يتعامل فى الخبز المدعم مفتش تموين، عمله الوحيد أن يجلس فى المخبز منذ أن يبدأ العمل مع تباشير الفجر وحتى الانتهاء من توزيع حصة الدقيق المدعم، ولا تتهاون المديريات ومسئولوها فى إغلاق أى مخبز يثبت تورط أصحابه فى تهريب الدقيق المدعم أو مخالفتهم لبنود العقد المبرم بينهم ووزارة التضامن، لكن يبدو أن هذا الجهد الكبير قد صرف اهتمام الوزارة ومديريها عن المخابز العامة ومراقبة أدائها وإنتاجها من الخبز، وهناك مثال صارخ فى هذا الشأن محله مجمع المخابز الكائن بمنطقة ميت عقبة أعلى نفق وادى النيل. خذ سيارتك يا وزير التضامن واذهب إلى العنوان السابق وترجل متوجها إلى كشك توزيع الخبز، واطلب بجنيه أو جنيهين، وسوف تفاجأ بمن يبيع لك يخرج الخبز من سلة أمامه أو جواره، فيلقى إليك برغيفين ويلقى بالثالث فى سلة أخرى قريبة لأن الرغيف غير صالح لطعام البشر.. كم نسبة الخبز غير الصالح ؟! ولماذا خرج الخبز على هذه الصورة؟ وكيف يتم التصرف فى هذه الكميات المهدرة من الدقيق المدعم الذى استهلك وقودا مدعما لإنضاجه لكى يلقى به فى النهاية فى أجولة يتم تشوينها وبيعها كخبز مرتجع (يطلق عليه فى المخابز عيش رجوع) ويتم بيعه بالكيلو طعاما للحيوانات بدلا من بنى آدم. أنا واحد من الذين يحبون أن يأكلوا من قمح الحكومة أستحسن مذاقه، فوق أننى أستحق أن أحصل على هذا الخبز مثل غيرى من ملايين المصريين، وتسنى لى كثيرا أن أدخل لأشترى ما أحتاجه – فى حدود جنيهين – من داخل هذا المجمّع حين يغلق كشك التوزيع شباكه ، أكثر من هذا كنت أٌدعى داخل صالة الخبيز الكبيرة لأنتقى الخبز من على «السير» الطويل الساخن الذى يوضع العجين عليه ليسير به مسافة ينضج خلالها ويتحول إلى خبز، لاحظت أن نسبة غير قليلة منه سيئة الصنع يتم فرزها واستبعادها. وأثناء ترددى على المجمع وكان هذا بعد الثورة بأيام قليلة، اقتربت من أحد العاملين الشبان توسمت فيه النباهة والثقافة وعرفت منه أنه طالب جامعى ويعمل «عجانا باليومية» على سبيل العمالة المؤقتة، وبعد أن اطمأن لى كشفت له عن عملى بالصحافة وخاطبت فيه ضميره ووطنيته.. وبعد تردد ليس بقليل أجابنى هذا الشاب عن أسئلتى وكشف لى فى إجاباته عن ممارسات تحدث داخل المجمع تتعلق بتصريف هذا الخبز «الرجوع» والدقيق والدفاتر والمخازن التى لا يتسنى لأحد من العاملين أن يدخلها، وهذا الشاب الذى يعرف هذه الأمور ويرفضها بل ويستهجنها لم يتحدث بها لأحد لأنه يريد أن يحافظ على الجنيهات التى يقبضها آخر اليوم ويستعين بها على إكمال تعليمه وإطعام إخوته، ومنذ عدة أسابيع عندما أحيل إلى المعاش أبو هذا الشاب وكان يعمل فى نفس المجمع طلب المسئولون من الشاب أن يلحق بأبيه، وهنا فقط وبعد أن طاله الأذى فى نفسه اتصل الشاب بمدير مديرية التموين بالمحافظة م. عبدالله بدوى على رقم تليفونه الخاص وطلب أن يلتقيه لأن لديه ما يخبره به من وقائع فساد، ودعاه المسئول أن يأتى إليه فى مكتبه ويطلب لقاءه دون أن يفصح عن شخصيته، هذا ما أخبرنى به الشاب، وبعد مرور عدة أيام صادفته فى المجمع وقد عاد إلى عمله ولم يتغير أى شىء فى المكان، فأدركت أن الشاب لم يذهب للقاء مدير التموين، فهناك من أتاح له العودة ليأكل عيشا ويسكت. (3) وزير الداخلية الخميس 3/11 الخامسة عصرا.. شوارع القاهرةوالجيزة وباقى أنحاء القاهرة الكبرى مغلقة تقريبا على السيارات التى تتحرك بسرعة لا تزيد على 10كيلو مترات فى الساعة بسبب الزحام الذى يزيد منه السيارات التى غادرها أصحابها وتركوها تقف فى عشوائية صفا ثانيا وثالثا فى شوارع رئيسية وجانبية.. فى هذا الوقت وهذه الظروف جاءنى اتصال من سائق السيارة التى سوف تقلنى إلى مدينة الإنتاج الإعلامى لأشارك فى أحد برامج «التوك شو» عن مستقبل مصر السياسى .. أنا فى ميدان لبنان وهو فى شارع جامعة الدولة العربية يعتذر عن التأخير بسبب الزحام .. بعد مرور ربع ساعة اتصال آخر يعتذر عن تأخير آخر بسبب «كلبشة سيارته» التى غادرها لدقائق قليلة بعد أن ركنها فى الممنوع .. وبعد مرور ربع ساعة أخرى اتصل صاحب السيارة يطمئننى أنه استطاع أن يتصرف ويفك «الكلبش»، وفى الطريق إلى مدينة الإنتاج الإعلامى أخبرنى السائق أنه دفع 30جنيها .. هذه الثلاثون ليست الغرامة المقررة قانونا فى حالة «كلبشة السيارة» ولكنها .... وأضاف السائق الشاب أن من أخذ منه الثلاثين جنيها كان يريدها خمسين مقابل ألا يدفع كامل الغرامة التى أعرف أنها تزيد على المائة جنيه. ياوزير الداخلية الآن وقد استجبت أنت والحكومة إلى مطالب المعتصمين والثائرين من رجال الشرطة وأظن أن هؤلاء شرفاء طالبوا بحقوق لهم لأنهم لا يمدون أيديهم لحرام ولايريدون أن يفعلوا، وسؤالى : بعد أن تحققت المطالب ألم يأن أن تقطع اليد التى تمتد إلى الحرام وتعطى حقا لمن لا يستحقه على حساب من يستحق؟!