شىء مذهل هذا الذى حدث من خلال حقل الإعلام البديل «الإعلام الإلكتروني» قبل وخلال وبعد ثورة 25يناير، لقد تجمع مئات الآلاف من المصريين حول فكرة الثورة من خلال هذه الوسائل قبل انطلاقها بما يقرب من العام تقريبا، وفى تصريحات نقلتها صحيفة «النيويورك تايمز» عن موقع مؤسسة «كارينجي» عام 2009، قال أحمد ماهر أحد زعماء حركة 6 أبريل إن هناك حوالى 800ألف مصرى معظمهم من الشباب أعضاء منخرطون فى موقعى التواصل الاجتماعى «الفيس بوك وتويتر»، ووصف ماهر هؤلاء الأعضاء بأنهم يمثلون أول حركة شبابية فى مصر تستخدم الإنترنت كوسائل أساسية للاتصال، بهدف تعزيز الديمقراطية من خلال تشجيع عامة الشعب على المشاركة فى العملية السياسية، وهذا معناه أن ماهر لديه - فى هذا التاريخ – معلومات مؤكدة عن عمل منظم وكبير يجرى فى هذا الحقل .. هذا ما كان يحدث على شاطئنا، فماذا كان يحدث على الشاطئ الآخر؟ (1) من الشاطئ الأوروبى عبر كابلات «الإنترنت» التى تمر أسفل مياه البحر الأبيض المتوسط وتقطعه عرضيا لتستقر على شاطئنا، أو من خلال الأقمار الصناعية فى تكنولوجيا أكثر تقدما، تصل إلينا من الغرب مادة إعلامية هائلة تحوى أفكار التغيير الاجتماعى ونظرياته التى وضعها أكاديميون وتكنوقراط منخرطون فى مخططات المحافظين الجدد السياسية ليقلبوا بها سلام الشعوب النائمة فى حضن الديكتاتوريات العربية التى أطبقت على زمام الأمور لسنوات طويلة. تحدثنا فيما سبق عن نظريات الكفاح السلمى التى تم استخدامها للعمل على تغيير تلك الأنظمة، وهنا نتحدث عن نظرية «الجراس روتس» ومجال عملها يأتى فى مرحلة تالية ليس فقط لإسقاط الديكتاتوريات ولكن أيضا لإسقاط الحكام الوطنيين والمقاومين لسياسات الإمبريالية العالمية، وتهدف نظرية «الجراس روتس» إلى التغيير من أسفل من خلال تكوين جماعات ضغط شعبية تتبنى الأفكار الغربية وتقوم بالضغط على الحكومات الوطنية بشتى السبل وتوجيهها لخدمة الأهداف الاستراتيجية لحكام العالم الجدد. لنقترب أكثر من الصورة ونرصد تفاصيلها التى أصبح جانب كبير منها متاحا الآن على شبكة المعلومات ولا نحتاج إلا إلى إعادة ترتيبها لتتضح الصورة فى سياقها العام. وبعد أن تأكد للجميع - بعد شك وإنكار- أن عددا من النشطاء الشبان من حركة 6أبريل وغيرهم تلقوا تدريبا نظريا وعمليا فى الداخل والخارج على نشاطات التغيير السلمى والكفاح اللاعنيف لإسقاط النظام من خلال تطبيق التكتيكات التى وضعها البروفيسور «جين شارب» وتم تجريبها بنجاح فى ثورات أوروبا الشرقية الملونة، «الثورة الوردية» فى جورجيا و«البرتقالية» فى أوكرانيا، بالإضافة إلى الثورة الصربية التى نفذتها حركة «أوتبور» هذه الحركة التى تحولت الآن للعمل السياسى تحت اسم «كانفاس» لدفع صربيا للتخلى عن قوميتها وانخراطها فى الاتحاد الأوروبى، وهى الخطوة الأولى لتكوين الحكومة العالمية. فى نفس الاتجاه لخلق قاعدة ال «جراس روتس»، كان هناك عمل آخر موازٍ يتم من خلال وسائل الإعلام البديلة والوسائط الإلكترونية، ليس فقط لإحداث التغيير الاجتماعى، ولكن لإعمال الحشد والتعبئة فى أوساط الأجيال الجديدة التى تجيد استخدام شبكة المعلومات الدولية وتتواصل من خلال مواقع الاتصال الاجتماعى فتتبادل الأفكار والآراء والعلاقات الإنسانية والصور الفوتوغرافية والكليبات المصورة غير الخاضعة للرقابة.. هذه الوسائل هى التى تم استخدامها بمهارة ومهنية شديدة الإتقان وبالغة النجاح. وفى هذا العالم الافتراضى الذى تتواصل فيه مع الدنيا كلها وأنت جالس على سرير نومك، ليس من السهل أن تتأكد من مصدر المعلومات التى تقفز على الشاشة المضيئة التى أمامك، وقد يغيب عنك بسبب التدفق المذهل للمعلومات الهدف الحقيقى من وراء معلومة خبيثة مغلفة بدوافع طيبة أو وطنية، والذى يحدث غالبا بعد ذلك هو التناقل اللحظى السريع للمعلومات وهو ما يساعد على خلق رأى عام بين أوساط المستخدمين يتسم أحيانا كثيرة بالعجلة والسطحية والعمومية. (2) والآن ننتقل إلى مشهد آخر على الأرض، تفاصيل هذا المشهد تشير إلى لقاء تم فى إحدى قاعات الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى شهر يناير من عام 2008 ضم «جيمس ك جلسمان James K. Glassman» وهو دبلوماسى وكاتب صحفى شهير وصاحب برنامج تليفزيونى فى محطة (P.B.S) وله مساهمات كبيرة فى نشاطات الإعلام الموجه لمنطقة الشرق الأوسط والوطن العربى وينتمى بفكره إلى مدرسة المحافظين الجدد وهو واحد من فريق المنفذين لأجندتها فى المنطقة، وأهم من كل ما سبق أنه كان يشغل فى هذا التاريخ المشار إليه منصب وكيل وزارة الخارجية للدبلوماسية العامة. وفى اجتماع الجامعة الأمريكية التقى جلسمان بعدد من شباب النشطاء الذين انفصلوا عن حركة كفاية وكونوا حركتهم الخاصة التى عرفت باسم «6أبريل»، وبعد هذا اللقاء بأقل من شهرين قام الأخير بالإضافة إلى شخص آخر يدعى «جارد كوهين Jared kohen» ويشغل منصب زميل مساعد فى مجلس العلاقات الخارجية، ومشارك أصيل فى دعم الاحتجاجات التى وقعت فى إيران عقب الانتخابات الرئاسية 2009 من خلال العديد من الأشكال الأخرى للاتصالات بعد إغلاق «تويتر»، والاسم الثانى لهذا الشخص يشير بوضوح إلى يهوديته، المهم أن جلسمان وكوهين وبدعم من وزارة الخارجية الأمريكية استطاعا أن يحصلا على رعاية عدد من الشركات العالمية لتأسيس منظمة تحمل اسم: «Alliance for Youth Movement» التى يشار لها اختصارا ب (AYM) وترجمتها: اتحاد لحركة الشباب، والموقع التنفيذى لهذه المنظمة على الإنترنت هو «Movements.org» وتولى كوهين إدارة المنظمة وموقعها وقام بدعوة اثنين من حركة 6 أبريل لحضور المؤتمر الأول لنشطاء التغيير الشبان حول العالم فى الفترة من 3 إلي5 ديسمبر 2008 ، وقبل التطرق لهذا المؤتمر وما حدث فيه لنفهم أولا ماهى هذه المنظمة؟ وما مجال عملها؟. (3) على موقعها الإلكترونى التنفيذى تشير منظمة تحالف حركة الشباب إلى أنها لا تهدف إلى الربح، ولكن تكرس عملها لمساعدة نشطاء التغيير لبناء قدرتهم وصنع تأثير أكبر على العالم، ومن خلال التكنولوجيا الجديدة (الإنترنت) تغرس المنظمة جذور النشطاء (الجراس روتس) حيث صار وجود هؤلاء النشطاء أكثر احتمالا عن ذى قبل. وعلى نفس الصفحة، يرد سؤال : كيف نفعل ذلك؟ بمعنى كيف تنمى المنظمة هذا العشب العولمى وتغرس جذوره فى تربة الأوطان؟ وتجيب عن نفسها: « نحن نحدد النشطاء الرقميين (نشطاء الإنترنت) والتطورات فى أنشطتهم الرقمية من خلال موقعنا، ومدوناتنا، والوسائل الاجتماعية، ورحلات التوعية، ونسهل اتصال النشطاء الرقميين بعضهم ببعض ونوصلهم لخبراء التكنولوجيا وللأعضاء التقليديين للمجتمع المدني». وتضيف المنظمة فى فقرة أخرى زيادة فى التعريف بمهمتها أن نشاطات القرن الواحد والعشرين أنتجت قادة غير تقليديين، وأنها - المنظمة - تمثل نموذجا جديدا لتدريب الند للند حيث يعير (يعطى مجانا) القائد خبرته فى التنظيم الرقمى – فيما يخص الاحتجاجات على المدى القصير والحملات على المدى الطويل – يعير هذه الخبرة ليس فقط للأشخاص لينقلوها لآخرين ولكن أيضا يفعل ذلك لمن يتمتعون بخبرات طويلة فى بناء القدرات. ولا تكتفى المنظمة بنقل هذه الخبرات وتدعيم النشطاء من خلال الوسائل الإلكترونية، ولكنها تقوم – كما هو مذكور – بتنظيم اتصال مباشر (وجها لوجه) بالنشطاء من خلال مؤتمر قمة سنوى ورحلات إقليمية ودورات تدريبية. (4) أما الرعاة الرسميون للمنظمة، فيأتون فى قائمة طويلة من الشركات عابرة القارات وشركات إعلام واتصالات غربية تحقق أرباحا بالمليارات والقائمة منشورة فى صورة منقولة عن موقع المنظمة، ومن هؤلاء الرعاة موقع «HOWCAST» هذا الموقع الذى لا يعلمك فقط من خلال أفلام إرشادية، كيف ترفع موادك المصورة بالهاتف المحمول أو بأية وسيلة على موقع «يوتيوب»، وكيف تستخدم «تويتر» بشكل مؤثر لإحداث تغيير اجتماعى أو تكون ناشطا مؤثرا فى القرن الواحد والعشرين، ولكن يرشد الشباب أيضا إلى أنسب الأوقات لتسديد قبلة إلى فتاة ويعلم الفتاة كيف توقع فتاها فى حبائل الإعجاب بها.. فثقافة الجنس بكل صوره وأشكاله ومحرماته جزء أصيل من ثقافة التغيير الاجتماعى المنشود. وللحديث بقية