فى حلقة الأسبوع الماضى اعترف السفير بسيونى بخطأ تطوير الهجوم فى 14 أكتوبر قبل تحريك حائط الصواريخ، وكشف عن دائرة الموت التى صنعها المقدم محمد حسين طنطاوى لقوات شارون فى المزرعة الصينية مؤكدًا أن الثغرة لم تحقق أى أهداف سياسية أو عسكرية بل كانت ورقة ضغط فى يد المفاوض المصرى فى مباحثات الكيلو 101 وما تلاها من مباحثات. وأضاف أن عملية الثغرة لم تكن مفاجأة للقيادة العسكرية أو المخطط الاستراتيجى فى هيئة العمليات، وكان متوقعا بأن يقوم العدو بعملية اختراق فى القطاع الجنوبى عند البحيرات المرة أو القطاع الأوسط فى «الدفرسوار»، ولذلك تم الدفع بقوات مدرعة لحماية رءوس الكبارى من جهة الغرب وتلغيم باقى المناطق تحسبًا لأى تسلل إسرائيلى، وزرع قوات استطلاع لتأمين أجناب الجيشين الثانى والثالث. وفى حلقة اليوم يؤكد السفير بسيونى أن عملية وصول مدرعات العدو لشط القناة لم تكن مفروشة بالورود أو نزهة خلوية - كما يدعى البعض - ولكنها كانت مصائد للموت خطط لها بشكل دقيق العميد عبد رب النبى حافظ قائد الفرقة 16 مشاة. والمقدم محمد حسين طنطاوى قائد الكتيبة 16 وبطل معركة المزرعة الصينية. ويؤكد السفير بسيونى للمرة الثانية أنه لولا الدعم الأمريكى المفضوح لإسرائيل، ما نجحت فى اختراق القوات المصرية، وما وصلت إلى شط القناة. وفى سر - ربما يذاع لأول مرة - كشف بسيونى أن حاملات الأفراد البرمائية التى نقلت جنود العدو للضفة الغربية للقناة كانت أمريكية الصنع من طراز «إم113» كما أن الدبابات البرمائية التى عبرت القناة كانت من أبرز أسلحة الجسر الجوى الأمريكى بعد صراخ جولدامائير واستغاثة جنرالات إسرائيل وعلى رأسهم «موشيه ديان» وزير الدفاع و«ديفيد بن إليعازر» رئيس الأركان. ويعترف السفير بسيونى بأن الثغرة حدثت لسوء تقدير القيادة المحلية فى الدفرسوار وبناء عليه فقد حاولت قوات شارون الانتشار شمالا وجنوبا لضرب حائط الصواريخ غرب القناة.. كما اشتبكت مع بعض الوحدات الإدارية، وهى تعلم أنها ليست وحدات قتال، وذلك بعد تحريك الفرقة 21 مدرعة لدعم قوات الجيش الثانى شرق القناة. ومع البربجندا التى رددها الإعلام الغربى خاصة الأمريكى والإسرائيلى بأن جيش إسرائيل أصبح على مشارف القاهرة فإن الواقع على الأرض كان غير ذلك تماما.. لأن القيادة السياسية والعسكرية المصرية كانت تدرك أن الغرض من الثغرة هو التأثير على معنويات وأعصاب القوات المهاجمة فى شرق القناة أو إجبارها على الانسحاب غربا.. ولكن كل ما تمناه جنرالات أمريكا وإسرائيل كان بمثابة وهم أو أضغاث أحلام تحطم على صخرة القوات المسلحة الباسلة وأبطال الفرقة 19 بقيادة العميد يوسف عفيفى -الفريق ونائب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة فيما بعد. وفى نفس السياق يؤكد السفير بسيونى أن الثغرة كشفت براعة المخطط المصرى الذى نجح فى إقامة رؤوس كبارى بعد الموجات الأولى للعبور ب 6 ساعات فى ظل وجود مانع مائى على حافته خط يعد من أقوى الخطوط الحصينة فى العالم وهو خط بارليف فى حين لم ينجح المخطط الإسرائيلى فى إقامةكوبرى واحد على القناة إلا بعد 48 ساعة من عملية التسلل، وبعد الاستعانة بالمهندسين الأمريكيين الذين كانوا يعملون بالتوازى مع جنود إسرائيل. وإذا كانت مدرعات آدن وشارون قد نجحت فى التسلل غرب القناة إلا أنها فشلت فى تحقيق أى نصر عسكرى، فآدن الذى اتجه جنوبا فى محاولة منه للسيطرة على مدينة السويس رأى الموت بعينيه، مرات ومرات، وقد قام بدفن جنوده حتى لا يتأثر باقى الجنود الأحياء أما مدرعات شارون التى تحركت شمالا فى اتجاه الإسماعيلية فقد لقيت نفس المصير ومن أبرز العمليات التى مازالت عالقة فى الذاكرة - كما يقول السفير بسيونى -: عندما قفزت مجموعة من قوات الصاعقة والمشاة على 12 دبابة إسرائيلية عند قرية سرابيوم فأبادتها عن آخرها، ومن هنا قال أحد قادة إسرائيل: إن مفاجأة حرب كيبور لم تكن فى قصة الخداع أو الحرب الإلكترونية، أو حائط الصواريخ أو سلاح الطيران أو قوة التنسيق بين الأسلحة، ولكن المفاجأة الحقيقية كانت جندى المشاة الذى نجح بواسطة صواريخ محمولة على الكتف لا يتجاوز سعرها بضعة دولارات فى مواجهة مدرعة أو طائرة مقاتلة يزيد ثمنها على المليون دولار. وعن كيفية تعامل القيادة العامة مع أحداث الثغرة يقول السفير بسيونى عندما علم السادات باتساع نطاق الثغرة، ودعم أمريكا اللا محدود لقوات العدو قرر فى مركز العمليات وضع الفرقة الرابعة المدرعة تحت تصرف القيادة العامة، وتأمين ظهر الجيشين الثانى والثالث غرب القناة كما كلف الفريق الشاذلى، الذى كان يتولى رئاسة الأركان آنذاك بالقضاء على الثغرة، وبالفعل ذهب الشاذلى إلى قيادة الجيش الثانى وفتح جبهة هناك إلا أنه لم يتمكن من سدها أو القضاء عليها، وطلب بعد عودته من الجبهة مساء 20أكتوبر سحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق للتعامل مع قوات العدو فى الغرب، عندها رفض الرئيس السادات على أساس أن سحب القوات سيؤثر بالسلب على معنويات الجنود على الجبهة مذكرا إياه بما حدث فى 67 وقد وافقه الرأى المشير أحمد إسماعيل والذى قال إن قوات العدو فى الثغرة دخلت فى فم الأسد وستكون رهينة أو ورقة ضغط فى يد المفاوض المصرى بعد قرار وقف إطلاق النار، ويبدو أن المشير أحمد إسماعيل. كما يقول السفير بسيونى كان «مكشوف عنه الحجاب». لأن هذا ما حدث بالضبط حيث فشلت قوات العدو فى احتلال مدينة الإسماعيلية أو دخول مدينة السويس، وتعرضت لاستنزاف يومى أفقدها صوابها، وجعلها تتحين الفرصة وسرعة فض الاشتباك.. وكما تؤكد الوقائع - والكلام على لسان السفير بسيونى عندما علم كيسنجر بنية السادات بتصفية الثغرة جاء إلى القاهرة وقال للرئيس السادات: الجيش الإسرائيلى مستعد للانسحاب بلا حرب. والأغرب من ذلك أن إسرائيل طلبت عند اتفاقية الفصل بين القوات ترك الثغرة وسحب قواتها شرقا بعيدا عن القناة، وذلك بفضل الدور البطولى الذى قامت به الفرقة 19 بقيادة الفريق يوسف عفيفى، البطل الحقيقى فى ملحمة السويس والذى لم يأخذ حقه من الدعاية والتكريم على عكس غيره من الذين ملأوا الدنيا ضجيجا، وهم أبعد ما يكونون عن الفكر العسكرى أو حمل السلاح. وفى معرض حديثه عن ملحمة السويس أخرج السفير بسيونى من خزانة أسراره أوراقا تحوى بطولات وشهادات ومواقف ومعارك أثبتت بحق أن القوات المسلحة الباسلة كانت ومازالت الدرع الواقية للأمن القومى المصرى سلما وحربا، وأن المقاومة الشعبية فى السويس كانت دليل محبة على عشق الوطن. كما كشف من خلال أوراقه وذكرياته فشل العدو فى حصار الجيش الثالث ومدينة السويس بفضل سلاح المخابرات الحربية والاستطلاع والذى زوّد قادة الجيوش والفرق والألوية بالكثير من الحقائق والأسرار المتعلقة بتحركات العدو حتى أن الجيش الذى قالوا عنه إنه لا يقهر كان كتابا مفتوحا لقادة القوات المسلحة المصرية، وكشف السفير بسيونى سرا- ربما يذاع لأول مرة- وهو أن المخابرات الحربية كان لديها ملف كامل عن كل قيادات الجيش الإسرائيلى وأماكن تجمعاتهم وطريقة أكلهم وشربهم ونومهم، كما أن عناصر المخابرات والاستطلاع كانت ترصد تحركاتهم آناء الليل وأطراف النهار. وعودًا على بدء يؤكد السفير بسيونى ثانية أن مدرعات شارون والتى اتجهت شمالا إلى الإسماعيلية أو قوات آدن التى اتجهت جنوبا إلى السويس لم تكن فى نزهة خلوية، ولكنها واجهت مقاومة عنيفة من ضباط الصاعقة والمظلات والمشاه، وباقى أبطال الفرقة 19 بقيادة العميد يوسف عفيفى الذى أمر بإغلاق مداخل ومخارج مدينة السويس، ودعم رؤوس الكبارى والمحاور الرئيسية فى المدينة بأفراد من الصاعقة فى زى مدنى، حيث اصطادت هذه القوات أفراد العدو والتى استسلم بعضها كالعصافير فيما سقط البعض الآخر كالذباب فى ميدان الأربعين والشهداء ومحطة السكة الحديد، ومعسكر الشلوفة. وفى محاولة صادقة ينصف السفير بسيونى العميد يوسف عفيفى، قائلا: إن يوسف عفيفى هو البطل الحقيقى لملحمة السويس، مضيفا أن قادة معارك الدبابات والمدفعية التى كانت تتم فى ميادين ومحاور المدينة كانت بقيادة ضباط أكفاء من خيرة أبناء القوات المسلحة، وأن دور المقاومة الشعبية اقتصر فى الغالب الأعم على إسعاف الجرحى، ونقل الموتى، ودفن الشهداء ورفع الروح المعنوية للجنود، بالإضافة إلى توفير الماء والغذاء والكساء، وتوزيع الحلويات والعصائر والمأكولات على المستشفيات. وعن دور العميد يوسف عفيفى والفرقة 19 فى الدفاع عن مدينة السويس. يقول السفير بسيونى من خلال خزانة أسراره: إن العدو قام فى محاولة يائسة من محاصرة مبنى المحافظة، والوصول لقسم شرطة الأربعين واحتجاز بعض أفراده، وكانت النتيجة قيام بعض أفراد المشاه باقتحام القسم والسيطرة على القوة الإسرائيلية فى الداخل وتحرير أفراد الشرطة، كما تم تشكيل مجموعة أخرى لقنص الدبابات بقيادة المقدم حسام عمارة:- على ما أذكر- وهو الضابط الذى دمر رتلاً من دبابات العدو عندما حاولت تطويق الفرقة السابعة مشاه فى اتجاه السويس. وفى معرض حديثه عن الجندى المصرى والجندى الإسرائيلى أكد السفير بسيونى أن جندى العدو ليس سوبر مان، أو فلتة زمانه - كما يدعون- وأن أى عنصر من عناصر المخابرات والاستطلاع المصرية، أفضل ألف مرة من ضباط الموساد والدليل أن ضباط استطلاع العدو فشلوا عندما دخلوا مدينة السويس فى رصد المقاومة الشعبية، وقالوا إنها مدينة أشباح، وعندما دخلت المدرعات والمجنزرات شوارع المدينة فوجئوا بالقنابل والقذائف تنهال عليهم من كل جانب.. من الشرفات والطرقات والشوارع والميادين والأسطح والنوافذ.. دخلت 24 دبابة إسرائيلية فأصاب ضباط الفرقة 19 ومجموعة القنص التى شكلها العميد يوسف عفيفى 22 دبابة، وتناثرت أشلاء قوات آدن، وبدلا من احتلال المدينة أمرت القيادة الإسرائيلية فى بئر سبع قادة الألوية والكتائب فى الثغرة بسرعة إنقاذ الموتى وإخلاء الجرحى والقتلى.. أما عناصر الاستخبارات الإسرائيلية الذين ظنوا أنهم فى مدينة خاوية على عروشها فقد أصابتهم قذيفة صاروخية جعلتهم أثرا بعد عين ليتأكد للجميع أن فضل المقاومة الشعبية فى السويس يرجع فى المقام الأول للعميد يوسف عفيفى- الفريق فيما بعد - وأبطال الفرقة 19، بالإضافة إلى باقى ضباط وعناصر القوات المسلحة الشرفاء، الذين يفضلون العمل فى صمت، بعيدا عن الدعاية والإعلان عن أنفسهم، أما باقى العناصر المدنية والتى تصدرت المشهد فيما بعد فقد كانت مسئولة عن إعداد الطعام والحلويات والمأكولات للجرحى، بالإضافة إلى نقل الشهداء وتكفين الموتى، وهو عمل عظيم أيضا.. وجزاؤه عن الله كبير، ولكنه لايرقى بالطبع إلى حمل السلاح وملاقاة الأعداء والفوز بالشهادة. ولله الأمر من قبل ومن بعد. فى الحلقة القادمة: سر الآية الكريمة التى خدع بها السادات أعضاء الكنيست! وحقيقة إعجاب جنرالات إسرائيل بالجندى المشاه.