فى ذكرى مرور 63عاماً على يوم النكبة، يوم ضياع فلسطين، هل يصح أن نسأل: كيف ضاعت فلسطين؟ أم: كيف يمكن أن نستردها؟. الإجابة الصحيحة عن أحد السؤالين تكمن فى طياتها إجابة عن الآخر، هذا إذا نظرنا للتاريخ على أنه مادة حية تستلهم منه الأمم الدروس والعبر حتى لا تكرر الأخطاء نفسها. وفى السيرة التاريخية لليهود هناك ما يزيد على 25 قرناً من الزمان أنفقها اليهود أنفسهم فى الكر والفر من أجل العودة إلى فلسطين- التى عاشوا فيها ضيوفا ثقلاء- والاستيلاء عليها وسلكوا فى ذلك شتى السبل بما فيها اقتراف كل الجرائم التى يمكن أن يقترفها بشر ضد الإنسانية حتى وصلوا إلى لحظة إعلان دولتهم العنصرية فى 15مايو1948على أشلاء وجثث أشقائنا الفلسطينيين الذين ذبحوهم ذبح الشياه والجزور وطردوا ما استطاعوا منهم من ديارهم وبلدهم، ولم يركن الإسرائيليون لما استولوا عليه بالخسة والنذالة لكنهم طمعوا فى تحقيق المزيد بالاستيلاء على أراضى العرب سواء فى فلسطين أو فيما يجاورها من دول المواجهة (سوريا، ولبنان، ومصر، والأردن) وعملوا على تثبيت أركان كيانهم تمهيداً للوصول لمخططهم الآنى بالاستيلاء على كامل مدينة القدس وهدم الأقصى وبناء معبدهم الثالث مكانه ثم إعلان إسرائيل مملكة عنصرية خالصة لليهود وتحقيق الحلم المسيانى أو المسيحانى أى بعث ملك لهم يسمونه المسيح المخلّص يقودهم إلى السيطرة على العالم. -1- معطيات أخرى جديدة تفرض نفسها على الصراع العربى الإسرائيلى هذا العام تزامنا مع الذكرى الثالثة والستين لنكبة ضياع فلسطين أهم هذه المعطيات هى: بزوغ الربيع العربى أو ثورات الشعوب العربية على أنظمتها الديكتاتورية والفاسدة، وعدم عطف صفة الفساد على الديكتاتورية مقصود هنا على الرغم من أن الأول لا ينمو ولا يتغول إلا فى تربة الثانى، لكن يبقى فى النهاية أن كلتا الصفتين كارثة منفصلة يمكن أن تلتقيا فى شخص واحد، وكذا يمكن أن يتصف الحاكم بإحداهما دون الأخرى. وبعد مرور عدد من الشهور على انطلاق الثورات العربية التى بدأت بثورة تونس تواتر حديث أن الغرب كان يدفع الأنظمة العربية خلال السنوات الأخيرة ليضعها فى مواجهة شعوبها ويضغط على كلا الطرفين لتصل الأمور إلى لحظة الانفجار طلبا للديمقراطية، حتى يتم استغلال هذه الديمقراطية الوليدة لتوجيهها نحو خلق قاعدة شعبية ديمقراطية يمكن اختراقها لتمرير المخططات الإمبريالية التى تهدف فى النهاية إلى إعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط على أسس تسمح بالسيطرة على دولها وثرواتها لصالح دور أكبر لإسرائيل. هذا المخطط الذى يبدو- منذ تفجر هذه الثورات وحتى اللحظة- أن الشعوب العربية تسبح ضده، وتدركه على الأقل نظريا، وجزء من هذا الإدراك النظرى تحول اليوم على أرض الواقع إلى تحرك فعلى نحو إحياء المشروع القومى العربى والنزوع إلى الوحدة بين الأشقاء العرب بدلاً من التشتت والانقسام، هذا الطموح العربى الجارف الذى يتفجر الآن فى قلب الشباب الذى قاد الثورات فى تونس ومصر وسوريا مضافاً إليه الشباب اللبنانى والأردنى، هؤلاء الذين حركتهم مشاعرهم القومية المتدفقة لمناصرة إخوانهم فى فلسطين فزحفوا إلى الحدود الإسرائيلية حسبما أتاحت أو سمحت لهم سلطات بلادهم ودفعوا من أرواحهم الطاهرة 15شهيداً سقطوا على الحدود بنيران الغدر الإسرائيلية غير شهيد فلسطينى سقط فى الداخل المحتل، هذا غير عشرات الجرحى والمصابين الذين تصدوا بصدورهم العارية لآلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة. -2- معطى آخر مهم فى هذا الصراع هو فى الحقيقة سلاح موجه بالأساس ضد العقل العربى فشاء الله أن يتحول إلى نحور الأعداء، وأقصد بهذا السلاح آلة الدعاية الجديدة أو الإعلام البديل الذى اعتمد عليه الغرب- ومازال- فى إحداث التغيير المنشود فى ذهنية الشعوب العربية، طبعاً مفهوم أننى أتحدث عن مواقع التواصل الاجتماعى، تحديداً «تويتر» و«فيس بوك»، وفى الطريق إلى تفجير الانتفاضة الثالثة ضد العدو الصهيونى التى تداعى لها الشباب العربى منذ نهاية شهر فبراير الماضى وحددوا تاريخها فى ذكرى إعلان إسرائيل يوم 15مايو الحالى، هناك حكاية لها مغزى مع إدارة موقع «فيس بوك» تحديداً، فمع إطلاق الشباب العربى صفحة على الموقع تدعو إلى الانتفاضة موجهة للشعوب العربية ليس فقط للداخل الفلسطينى، انضم إلى الصفحة مع نهاية شهر مارس ما يزيد على 350 ألف عربى، وهو الأمر الذى أزعج بشدة الحكومة والمسئولين فى إسرائيل حتى اضطر وزير الإعلام الإسرائيلى يولى أدلشتاين أن يخاطب بنفسه مؤسس موقع «فيس بوك» الأمريكى مارك زوكربيرج بشأن غلق صفحة الانتفاضة التى تمثل- من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية- خطراً يبدأ من المساس باليهود والإسرائيليين غير المذنبين حتى يصل إلى الكفاح المسلح ضد دولة إسرائيل كما قال الوزير الإسرائيلى. واستجابت إدارة «فيس بوك» للضغوط الإسرائيلية وأغلقت صفحة الانتفاضة نهاية شهر مارس الماضى، فأنشأ الشباب العربى صفحة جديدة يتحدون بها إدارة الموقع التى وصفوها ب «الصهيونية» واستهلوها بعبارة «يوم جديد وتحد جديد مع إدارة فيس بوك»، وأعلنوا أن هدفهم الوصول إلى مليون مشترك عربى يبقوا شوكة فى حلوق أعدائهم. وانطلقت صفحات أخرى تدعو أيضا للانتفاضة، وكلما كان عدد المشتركين فى صفحة منها يقترب من ربع المليون مشترك تقوم إدارة الموقع بإغلاقها حتى تجاوز عدد الصفحات العشرات وربما المئات، ولم يوقف زحف الشباب العربى الإلكترونى أو يفت فى عضده الرد الإسرائيلى بإنشاء صفحة رسمية بعنوان: «إسرائيل تتكلم العربية»، تحوى منشورات رسمية ضد الانتفاضة الثالثة وتروج لدعايات صهيوينة مستهلكة مثل المحرقة وعلاقة شعب إسرائيل بأرض إسرائيل، وتفاقم الاعتداءات الإرهابية من قطاع غزة على التجمعات السكنية الإسرائيلية.. ولا جديد إلا أن إسرائيل تعيد إنتاج دعاياتها الفاسدة وتصدرها للعرب..محاولة محكوم عليها بالفشل. -3- خالد عمار، لأنك بالتأكيد لا تعرفه دعنى أخبرك عنه: هو شاب مصرى يدرس فى معهد عال ويعمل ليعول نفسه فى مجال لصيق الصلة بالكمبيوتر، وهو ناشط من نشطاء «فيس بوك» وواحد من الشباب الذين دفعهم موقع التواصل الاجتماعى للانخراط فى الثورة المصرية منذ ساعة انطلاقها الأولى يوم 25 يناير وتم اعتقاله والإفراج عنه خلال الثورة، التجربة وخبراتها كونت لديه من الوعى ما أشعل بداخله جذوة لم تنطفئ حتى الساعة، يعود إلىّ وأعود إليه، يسألنى فيما يستغلق على فهمه فى أمور أغلبها سياسية أو اجتماعية بدت غريبة عليه وعلى مجتمعنا فى فورة الحرية التى يعيشها الآن، وأسأله فى الفيس بوك ومجموعاته وصفحاته. آخر أخبار خالد التى زودنى بها وأنا أكتب هذه الكلمات أنه تم تحديد السابع من شهر يونيو القادم لاستئناف الانتفاضة، حيث يوافق ذكرى سقوط القدسالشرقية فى أيدى قوات الاحتلال الإسرائيلى إبان حرب يونيو67، هكذا اتفق النشطاء العرب واجتمعوا فى الفضاء التخيلى فى محاولة للقفز على الواقع العربى الذى لم يعد مزرياً. - 4 - بقى أن نؤكد أن الرهان القادم هو: الوعى العربى، أن يختار العرب ديمقراطيتهم ويصنعوها ويوجهوها لخدمة قضاياهم المصيرية أسوة بالديمقراطية الإسرائيلية الموجهة، وألا نترك فضاء الإعلام لخفافيش الظلام الصهيونية تسيطر عليه بمفردها ونحاول أن نوصل رسالتنا إلى شعوب العالم المتحضر منها، والذى لا يعرف بدوره حقائق الصراع العربى الإسرائيلى ولا يصله إلا الدعاية الصهيونية بهذا الشأن.