لأن التاريخ يعيد نفسه.. ولأن الأحداث التى وقعت فى مصر القديمة تشبه مايحدث فى أيامنا الحالية.. ولأننا لانتعلم من دروس الماضى البعيد أو حتى القريب.. فعلى رأس ملوك الأسرة العشرين المصرية القديمة كان الملك رمسيس الثالث والذى حكم 32 عاماً فى الفترة من 1200 حتى 1168 قبل الميلاد.. وقد بدأ هذا الملك بمعارك مجيدة ربما هى الأخيرة فى العصور الفرعونية والتى تحققت فيها انتصارات باهرة.. حيث كانت بلادنا دائماً طمعاً للغزاة الطامعين فى النيل من خيراتها وفى التمتع بأمنها ورخائها.. وبدأ الملك بانتصارات مجيدة ولطول فترة حكمه انتشرت المفاسد والمظالم وقامت أول ثورة للتكنوقراط فى تاريخ البشرية سجلتها وثائق المصريين القدماء للعالم.. لتثبت ريادة هذا الشعب فى كل شىء تقريباً.. وقام بهذه الثورة المهندسون والعمال المتخصصون فى البناء والنحت والزخرفة والذين خصص لهم الفراعين منطقة تسمى الآن دير المدينة غربى طيبة «الأقصر حالياً» ليكونوا قريبين من محل عملهم.. وكانوا يتلقون أجورهم من عمدة طيبة «الأقصر» بشكل عينى حيث كان التعامل بالسلع الأساسية القمح والسمك والخضر بديلاً للمرتبات.. وفى العام التاسع والعشرين من حكم الملك وكان قد بلغ من العمر أرذله تفشى الفساد بين الموظفين واختلسوا مخصصات المهندسين والعمال فقامت الثورة.. وقد تعرض الفرعون رمسيس الثالث لكيد أهل قصره حيث تآمرت إحدى زوجاته باستخدام السحر وبمساعدة كبار موظفى القصر ومنهم أحد الوزراء لقتل الملك لوضع ابنها على العرش وكان غير ذى حق لأن يكون ولياً للعهد.. وتقول الباحثة الأثرية السكندرية بثينة إبراهيم مرسى ما أشبه الليللة بالبارحة.. فقد جاءت المصائب من طول فترة جلوس الملك على العرش ومن أقرب الأقارب.. ولأن التاريخ الفرعونى ملىء بالأحداث التى تتشابه مع ما يحدث فى مصر الآن.. فهناك حالة أخرى تسببت فى سقوط الدولة القديمة العظيمة التى تم فيها بناء الأهرامات.. والتى ختمت بجلوس ملك يسمى «بيبى الثانى» على العرش لمدة 94 عاماً.. حيث تولى الملك الحكم وهو فى السادسة من عمره تحت وصاية والدته وخاله وقد عمَّر حتى المائة عام.. وفى عهده تحللت وتفككت هيبة الملكية وجرؤ الموظفون على الاستقلال على البيت المالك.. وعندما توفى الملك وحكمت بعده بفترة قصيرة سيدة - حيث انتهى سلسال الذكور من الأسرة بوفاتهم الواحد تلو الآخر والملك بيبى الثانى مطبق على العرش - سقطت مصر فى فوضى نتجت عن ثورة الناس بسبب الفساد ونقص الموارد التى استنزفت فى العمائر الجنائزية الضخمة وانتهت مركزية الدولة واستقل كل حاكم بإقليم وصار لمصر ثلاثة أو أربعة بيوت مالكه.. واعتبر المصريون القدماء هذه الفترة من الفوضى من أسوأ العصور التى مرت عليهم.. ولكن هذه الفوضى كان فيها شىء من الخير لمصر.. فقد نما الوعى الفردى.. وبدأ الناس يتساءلون عن جدوى البنايات الشاهقة التى شيدها الملوك لتكون مثوى لكل منهم.. وتساءلوا لماذا تكون الأبدية والخلود فى الفردوس مقصورة على الملك والخاصة ممن حوله.. وقد أجبر الناس ملوكهم وكهانهم على التغيير.. وقد تجلى ذلك فى أروع أشكاله من النصوص الأدبية التى تخاطب الحاكم مباشرة مثل نص «الفلاح الفصيح» الذى قدم صورة عظيمة لما يجب أن يكون عليه الحاكم وأهم صفاته فى رأى الفلاح الفصيح البسيط كانت هى «أن يستمع الحاكم لأنات شعبه وألا ينعزل عنه بشله ضيقة تزين له الأمور وأن يتحرى العدل وأن يقضى على الفساد والمفسدين».. وظهر كذلك هذا الطلب بعدل وأن يقضى على الفساد والمفسدين».. وظهر كذلك هذا الطلب بعدل الملك فى تعاليم أخرى تسمى تعاليم «ختى».. فما أشبه الليلة بالبارحة أليست هذه هى نفس مطالب ثورة 25 يناير 2011.. أى بعد اكثر من اثنين وأربعين قرناً من الزمان.. حيث انتهت الدولة القديمة عام 2242 قبل الميلاد وتلتها تلك الفترة الثورية لقرنين من الزمان تقريباً.. على الحاكم القادم لمصر أن يقرأ التاريخ جيداً.. نتمنى ذلك.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد!!