كلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر تعقد ندوة عن دور مصر الداعم للقضية الفلسطينية    بشرى للموظفين.. اعرف موعد إجازة عيد العمال    لا تهاون مع المخالفين.. تنفيذ 12 قرار إزالة في كفر الشيخ| صور    سعر اليورو مقابل الجنيه اليوم الخميس 2-5-2024 بالبنوك    بلينكن يزعم: إسرائيل مستعدة لتنازلات كبيرة من أجل تحقيق الهدنة    كفء ومخلص .. وزيرة البيئة تنعى رئيس طاقة الشيوخ    مسؤول أممي إعادة إعمار غزة يستغرق وقتًا طويلًا حتى 2040    "كاف" يخطر الاتحاد المغربي بوصول خطاب تأهل نهضة بركان لنهائي الكونفدرالية    «اتفقنا رسميًا».. أحمد سليمان يكشف هوية مهاجم الزمالك الجديد    باريس سان جيرمان يتلقى صدمة قبل مواجهة دورتموند    مصرع وإصابة 3 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة على الطريق الزراعي بالقليوبية    ضبط عنصر إجرامي في الأقصر بحوزته مخدرات وسلاح ناري أجنبي    لحظة سقوط سقف مسجد بالسعودية بسبب الأمطار الغزيرة (فيديو)    "مشنقة داخل الغرفة".. ربة منزل تنهي حياتها في 15 مايو    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    تنشيط السياحة تنهي استعداداتها لاحتفالية يوم الشرقية بميدان طلعت حرب    رسائل تهنئة شم النسيم 2024.. متي موعد عيد الربيع؟    مظهر شاهين يوجه رسالة ل ميار الببلاوي: بلاش حب التريند يسرقك من نفسك    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    تفاصيل موقف غريب جمع بين محمد رشدي وبليغ حمدي في بيروت وما علاقته ب «العندليب»؟    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء: الخميس 25 يوليو انطلاق المرحلة الثانية لمسابقة النوابغ الدولية للقرآن    افتتاح الأسبوع العالمي للتوعية بمرض قصور عضلة القلب بالمعهد الطبي القومي بدمنهور    أردوغان يعلق على التظاهرات الطلابية بالجامعات الأمريكية لدعم غزة    أول رد من الكرملين على اتهام أمريكي باستخدام «أسلحة كيميائية» في أوكرانيا    الداخلية تضبط 12 ألف قضية تسول في شهر    ميقاتي يحذر من تحول لبنان لبلد عبور من سوريا إلى أوروبا    تمديد استقبال تحويلات مبادرة "سيارات المصريين بالخارج".. المهندس خالد سعد يكشف التفاصيل    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    عاجل.. هيئة الرقابة المالية تقرر مد مدة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو المقبل    كاف يحدد موعد مباراتي مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا في تصفيات كأس العالم    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة    محافظ شمال سيناء: رفح الجديدة صممت لاستيعاب 75 ألف نسمة «من الجيل الرابع» (تفاصيل)    منحة السفارة اليابانية MEXT لعام 2025 لطلاب الجامعات.. تعرف على التفاصيل    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    الإمارات: مهرجان الشارقة القرائي للطفل يطلق مدينة للروبوتات    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لا يتكرر انفصال جنوب السودان فى دارفور
نشر في أكتوبر يوم 09 - 01 - 2011

من المفارقات أن يتواكب العيد الخامس والخمسين لاستقلال السودان مع انفصال الجنوب المؤكد إعلانه عقب الاستفتاء الذى يجرى اليوم لتقرير المصير، وبينما احتفل السودانيون فى الشمال بهذه المناسبة الوطنية وسط أجواء حزينة، فقد قرر الجنوبيون تأجيل الاحتفال إلى ما اعتبروه الاستقلال الحقيقى لهم وقيام دولة الجنوب المستقلة، ومثلما انفصل السودان عن مصر فى دولة مستقلة فى اليوم الأول من شهر يناير عام 1956 فسوف ينفصل جنوب السودان عن الدولة الأم اليوم.. التاسع من شهر يناير عام 2011.
وإذا كان انفصال السودان عن مصر منذ خمس وخمسين سنة خطأ استراتيجيا كبيرا اندفعت إليه مصر بعد قيام ثورة يوليو ولأسباب تتعلق باستكمال استقلالها وأيضاً بسبب سياستها وممارستها مع هذا الجزء المهم من دولة وادى النيل المصرية (مصر والسودان)، حيث لم يعد خيار الوحدة والاستمرار تحت الحكم المصرى جاذبا للسودانيين، فإن انفصال جنوب السودان هو الخطأ والخطر الاستراتيجى الأكبر بسبب سياسات وممارسات نظام الرئيس عمر البشير فى الخرطوم والتى أخفقت فى جعل خيار الوحدة جاذباً للجنوبيين.
المفارقة فى حالة انفصال السودان عن مصر هى أن التيار السياسى الاتحادى الغالب فى السودان آنذاك والذى كانت برامجه السياسية الحزبية تقوم على أساس وحدة وادى النيل.. مصر والسودان تحت التاج المصرى قبل ثورة يوليو 1952 وبعد قيامها بقليل، هى التى اختارت الانفصال عن مصر.. مرجئة بذلك خيار الوحدة إلى وقت لاحق.
ورغم الفارق فى الحالتين.. بين ما جرى فى يناير 1956 وبين ما يجرى اليوم فى يناير 2011، فإنه مثلما احترمت مصر وقبلت بملء إرادتها انفصال السودان وإقامة دولته المستقلة، فإنه لن يكون بوسع حكومة الخرطوم وتحت تهديدات وضغوط القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة سوى الانصياع والاعتراف بنتيجة الاستفتاء الذى يجرى اليوم ومن ثم انفصال الجنوب وقيام دولته المستقلة.
***
الحقيقة التاريخية هى أن انفصال السودان عن مصر هو الذى فجر أزمة الجنوب منذ الاستقلال، وفتح الباب على مصراعيه أمام دعاوى وحركات التمرد للانفصال عن السودان.. الدولة الأم، وبقدر ما تتحمل الحكومات السودانية المتعاقبة سواء المدنية منها أو العسكرية المسئولية عن تكريس تلك الدعاوى والحركات الانفصالية، فإن مصر أيضا وبكل الموضوعية تتحمل نصيباً كبيرا من هذه المسئولية، ليس بسبب تفريطها فى السودان فحسب، ولكن أيضاً لأنها ومنذ استقلاله نفضت يديها من الجنوب ومشكلاته مع الشمال تماما، رغبة منها فى تجنب أية حساسيات سياسية كانت قائمة ولاتزال مع الخرطوم وفى كل العهود منذ استقلال السودان.
***
إن تصويت الجنوبيين اليوم لصالح الانفصال هو فى حقيقة الأمر ناتج الممارسات والأخطاء السياسية التاريخية التى انتهجتها حكومات السودان المتعاقبة طوال أكثر من نصف قرن.. جرت خلاله حروب أهلية راح ضحيتها مئات الآلاف وفى بعض الروايات أكثر من مليونى قتيل إذ فشلت الخرطوم فى جعل خيار الوحدة جاذباً لأبناء الجنوب رغم تهيئة الأجواء لترجيح ذلك الخيار مرتين.
المرة الأولى بعد توقيع اتفاقية «أديس أبابا» عام 1972 بين حكومة الرئيس جعفر نميرى والمتمردين والتى أقرت حكما ذاتياً للجنوب، والثانية بعد توقيع اتفاقية «نيفاشا» للسلام الشامل بين حكومة الرئيس البشير والحركة الشعبية فى الجنوب بقيادة «جون جارانج» والذى لقى مصرعه فى حادث سقوط طائرة وخلفه «سيلفاكير» والتى حددت مهلة زمنية مدتها ست سنوات (تنتهى اليوم) يتم خلالها حل المشكلات بين الشمال والجنوب لجعل خيار الوحدة جاذبا، وفى نهايتها يجرى استفتاء لتقرير المصير للاختيار بين البقاء فى دولة السودان وبين الانفصال وهو ما سيحدث اليوم.
غير أن اتفاقية «نيفاشا» كانت أكبر الأخطاء وأم الخطايا لحكومة الرئيس البشير، وذلك لسببين رئيسين.. أولهما أنها أقرت فى سابقة لأول مرة منذ استقلال السودان حق تقرير المصير للجنوب، وهو إقرار بمبدأ سياسى بالغ الخطورة وطنيا واستراتيجيا، باعتبار أنه مقدمة لتفتيت الدولة السودانية تحت ضغط دعاوى ونزاعات وحركات تمرد عرقية وعنصرية وجهوية، ليس كما حدث فى الجنوب فقط إنما فى بقية أجزاء السودان.. غرباً وشرقاً وشمالاً. أما السبب الآخر فهو أن حكومة البشير حين وقعت تلك الاتفاقية لم تكن لديها لا الإمكانيات ولا الضمانات الكافية بل ولا الإرادة السياسية لجعل خيار الوحدة جاذباً خلال مهلة السنوات الست المحددة فى الاتفاقية، خاصة وأنها تدرك أو لا تدرك حقيقة المخططات الخارجية الرامية والمحرضة على فرض انفصال الجنوب فرضاً حتى بدا أمراً واقعاً من قبل نهاية المهلة وإجراء الاستفتاء.
***
إن انفصال جنوب السودان الذى كان هاجساً مقلقاً وصار اليوم أمراً واقعاً.. شر لابد منه ولم يعد ممكنا تفاديه، حتى بعد زيارة الرئيس عمر البشير التى وصفت بالتاريخية لعاصمة الجنوب «جوبا» قبل ساعات من إجراء استفتاء تقرير المصير وحيث بدت محاولة لطمأنة الجنوبيين وقبلهم المجتمع الدولى بأن الخرطوم سوف تحترم نتيجة الاستفتاء والاعتراف بانفصال الجنوب ودولته المستقلة الجديدة.
ويبقى الشر الأكبر والهاجس الأخطر الذى يتعين التصدى له والحيلولة دون تحقيقه هو تكرار الانفصال فى دارفور غربا والذى تلوح بوادره فى الأفق السودانى الملبد بالغيوم السياسية والاضطرابات العرقية، ثم فى شرق السودان لاحقا.. تنفيذاً لسيناريو التآمر الخارجى ضمن أجندة السياسة الغربية الأمريكية لتقسيم وتفتيت السودان إلى دويلات صغيرة متناحرة.. جنوباً وغرباً وشرقاً وشمالاً.
هذا الهاجس الخطر هو الخطر الحقيقى والأكبر المحدق بالسودان فى مستقبل ليس ببعيد، وهو الأخطر الذى استشرفه قادة أحزاب المعارضة الذين شاركوا فى الاحتفال بعيد الاستقلال الذى أقامه الحزب الاتحادى الديمقراطى الأسبوع الماضى وسط أجواء حزن على انفصال الجنوب حيث أجمعوا فى بيان لهم على أنه فى ظل الأوضاع الراهنة فإن السودان كله مهدد وأن الجنوب لن يكون آخر جزء يتم فصله عن الوطن.
مخاوف السياسيين وقادة أحزاب المعارضة السودانية وتوجسهم من تكرار سيناريو انفصال الجنوب فى أجزاء أخرى من الوطن السودانى مخاوف حقيقية يؤكدها ما تواتر عما يجرى فى كواليس وأروقة السياسة الخارجية الغربية والأمريكية من مخططات جاهزة للتنفيذ تباعا لتقسيم السودان (وغيره من دول المنطقة العربية) إلى دويلات.. أولها الجنوب ولن يكون آخرها، حيث يجرى الإعداد لانفصال إقليم دارفور فى الغرب فى المستقبل القريب، ثم لاحقاً انفصال شرق السودان.
إن الأمر جد خطير فى السودان والذى صار كله مهدداً بالفعل وحسبما أكد رؤساء أحزاب المعارضة عشية انفصال الجنوب والذين اعتزموا الإعداد للتعبئة الشعبية العامة والنزول إلى الشارع عقب إعلان الانفصال رسميا لإسقاط نظام البشير على غرار انتفاضة أبريل عام 1985 التى أسقطت نظام الرئيس نميرى، وهو الأمر الذى استبقته الأجهزة الأمنية بتحذير المعارضة من أى خروج على الشرعية والنزول إلى الشارع تحت مسمى التغيير أو الانتفاضة الشعبية.
ولأن السودان فى الوقت الراهن وبعد انفصال الجنوب لا يحتمل أية توترات سياسية داخلية، فإنه يتعين على كل من الرئيس البشير وحزبه (المؤتمر الوطنى) وكافة القوى والأحزاب السياسية الدخول فى حوار سياسى وطنى عام لاحتواء الأزمة السودانية الداخلية وأيضاً تداعيات ما بعد انفصال الجنوب وقيام دولته المستقلة.
إن السودان ذلك البلد المتمرد جغرافيا المتعدد عرقيا ودينيا وطائفيا.. يحتاج بالضرورة إلى توافق سياسى وطنى على صيغة جديدة للحكم وعلى نظام سياسى جديد لدولة مدنية على أساس المواطنة تضمن الحفاظ على وحدة أراضيه وشعبه فى دولة واحدة موحدة.. حتى لا يتكرر انفصال الجنوب فى بقية أجزاء الدولة غربا فى دارفور، ثم شرقا بعد ذلك وربما شمالاً لاحقاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.