ربما تكون انتخابات مجلس الشعب التى جرت خلال الأسبوعين الماضيين هى الأكثر إثارة فى تاريخ الانتخابات البرلمانية المصرية، وقد يعود ذلك لحجم المشاركة الحزبية فيها وإلى نتائجها المفاجئة، ولم تسلم هذه الانتخابات حتى قبل بدايتها من هجوم استمر حتى بعد إعلان النتائج النهائية ثم جدل سياسى وقانونى قد يستمر بعض الوقت، ومن الطبيعى أن يكون الصخب الانتخابى عالياً أثناء الاستعداد للانتخابات وخلال التصويت فقد زاد بعد التعديلات الدستورية الأخيرة عدد مقاعد المجلس ومع حالة الحراك السياسى التى شهدتها البلاد أرادت الأحزاب السياسية أن تسهم بعد غياب عن الحياة السياسية فشاركت مع تفاوت نسبة مشاركتها بمرشحين فى العديد من الدوائر حتى بلغ عدد الأحزاب التى خاضت الانتخابات نحو 17 حزباً سياسياً. صحيح أن أحزاب المعارضة ودون استثناء لم تكن تسعى للحصول على الأغلبية ووضح ذلك من عدد مرشحى كل حزب، فقد تراوحت أعداد مرشحى أحزاب المعارضة بين 200 مرشح وبين 10 مرشحين، ورشح بعضهم أسماء لا يعرفها أحد سواء على المستوى العام أو على مستوى الدائرة، فى حين دخل الحزب الوطنى هذه الانتخابات ساعيا للاحتفاظ بأغلبيته، بل وصل به الأمر لترشيح أكثر من مرشح فى دائرة واحدة. تجاوز الجميع ادعاءات ما قبل الانتخابات بعد أن تأكد لهم كذبها، فلم يكن هناك صفقة، ولم يكن هناك برلمان سابق الإعداد، كما ادعى هؤلاء، انتهت الانتخابات بتجاوزاتها فى عدد من الدوائر وظهرت نتائجها فزاد جدل مرحلة ما بعد الانتخابات فزاد البعض من صخبه متحدثا عن تزوير واسع للانتخابات بدلاً من الاعتراف بأن نتائج هذه الانتخابات بالنسبة لمرشحى المعارضة لم تأت بجديد وخصوصاً لتمثيل حزب مثل حزب الوفد المعتاد فى البرلمان واستمر حزب التجمع هو أيضاً فى صخبه رغم تزايد مقاعد عدد نوابه فى البرلمان الجديد، هدف الجميع الطعن على العملية الانتخابية برمتها والتشكيك فى شرعية البرلمان وخلطوا بين الأمانى السياسية وقواعد القانون. صحيح أن هناك دوائر تم إيقاف الانتخابات فيها، وهى دوائر بعدد أصابع اليد الواحدة، وهناك طعون قضائية على البعض الآخر وكل هذا لا يمثل طعنا فى شرعية برلمان تم انتخابه واكتسب شرعيته بإعلان نتائجه النهائية ودخول نوابه الجدد أغلبية ومعارضة فيه، ومن الواضح أن البعض حاول استمرار حالة الجدل والصخب إلى مرحلة ما بعد إعلان النتائج رغم أن هذا البعض أصبح مشاركاً وطرفاً أصيلاً فى شرعية وقانونية برلمان لا يؤثر عليه الطعن فى عدد من دوائره يمكن بعد صدور حُكم قضائى نهائى إعادة الانتخابات فى هذه الدوائر، لذلك ليس مفهوماً أن يستمر حزب مثل حزب التجمع فى حملته ضد برلمان يمتلك فيه نحو 5 نواب، والأمر أيضاً ينسحب على حزب الوفد الذى أعلن عدم مشاركته فى جولة الإعادة والذى فاز فيها نحو 6 من مرشحيه، واكتفى الحزب “بتجميد” عضويتهم الحزبية وإحالتهم للتحقيق وهو إجراء يفهم منه أن الوفد الذى يحتفظ بنوابه فى مجلس الشورى سوف يعود إلى موقفه الصحيح فى ضرورة المشاركة بدلاً من المقاطعة. وإذا كان موقف حزبى الوفد والتجمع لا يمكن فهمه فإن دخول العائد الغائب منذ أشهر طويلة عن البلاد د. محمد البرادعى على الخط هو الذى لا يمكن فهمه أيضاً ولا قبوله، فبعد غياب عادت تصريحات البرادعى الموسمية، واتهم الانتخابات البرلمانية الذى لم يرها ولم يحضرها ولم يكن طرفاً فيها بأنها مهزلة، وكشف عن وجهه الحقيقى بعد غياب الهالة الإعلامية عنه ونسيان الشارع المصرى له، عن نيته للتحالف مع دعاة العنف ودولة الخلافة الدينية وكان تبريره عن أسباب غيابه مثيراً للضحك، فقد قال إن غيابه جاء لكى يثبت للجميع أنه لن يشارك فى الانتخابات، رغم أنه يعلم أن لديه عدداً من الارتباطات والالتزامات الخارجية التى تستدعى وجوده كل هذه المدة خارج البلاد. وأضاف أنه سيواصل القتال من أجل التغيير وكرر دعوته الفوضوية للعصيان المدنى. لقد تعودنا على تصريحات البرادعى الموسمية ولكننا نكتشف هذه المرة أنه يعانى من النسيان أو يتعمده، لا فرق، فالبرادعى لديه أسبابه الخاصة للعيش فى الخارج ولم يتعمد الغياب عن البلاد أثناء الانتخابات. والبرادعى الذى استخدم كل مفردات وميراث الحركة الوطنية المصرية فى السعى لدولة مدنية حديثة وديمقراطية عاد لمغازلة تنظيم الإخوان الذى يعتبر بأفكاره التقليدية نفياً لهذه المفردات وهو يتحدث عن القتال، ولا أعرف سائحا يقاتل من الخارج أو وهو يقلع من مطار إلى آخر. جدل الانتخابات سينتهى حتى وإن طال قليلا ولكن تبقى تداعياتها وخصوصا على أحزاب الوفد والتجمع والناصرى وهى تداعيات تهدد وحدة ودور هذه الأحزاب الذى نتمنى أن تتجاوز أزمة ما بعد النتائج وأن تخرج من جدلها الداخلى استعدادا لمرحلة جديدة من العمل الحزبى والبرلمانى ربما تستعيد بهذه المرحلة ما فاتها من تراجع وغياب وعدم تأثير فى الشارع وبحث أسباب ما أصابها وظهر واضحا فى نتائج الانتخابات الأخيرة. وربما يكون من الضرورى على جميع أحزابنا بما فيهم الحزب الوطنى الديمقراطى أن - يقف وقفة مع النفس - لمراجعة دروس شهر الانتخابات الساخن فى حوار داخلى يتطور فيما بعد لحوار قومى نطرح فيه الأسئلة الكبيرة على أنفسنا وعلى الجميع.. أسئلة ما بعد التجربة. نحتاج لإعادة النظر فى تركيبة وشكل التعددية الحزبية فى البلاد؟ وهل تتبلور التعددية فى وجود ثلاثة أو أربعة أحزاب قوية تعبر عن واقع المجتمع المصرى وتعيد الحياة للشارع السياسى؟ وما هى أسباب قلة الإقبال الجماهيرى على التصويت؟ وهل يمكن تعديل قانون ممارسة الحقوق السياسية وإعادة النظر فى صلاحيات اللجنة العليا للانتخابات بتقوية دورها وتغيير عدد من القوانين المنظمة للانتخابات وخاصة فيما يتعلق بقواعد الدعاية الانتخابية واستخدام العنف والمال فيها. إنها أسئلة المستقبل التى يجب أن يجيب عنها الجميع فى أسرع وقت إذا ما أردنا أن نستفيد من وقائع ما حدث.