شعرت وأنا أشاهد الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش وكأن رجلاً متحللاً خرج من القبر!! خرج ليعيد إلينا ذكريات أسوأ رئيس عرفته الولاياتالمتحدة.. وربما ارتقى قمة أسوأ الرؤساء.. على الإطلاق.. مع هتلر وهولاكو.. وجنكيز خان.. وأخيراً شارون الذى أفاق هو الآخر - مؤقتاً - من غيبوبة الدنيا.. ليعود إلى عذاب الآخرة. ولم يكن كتاب Decision Points هو الإصدار المستفز الوحيد فى تاريخ عائلة بوش.. فالجد الأكبر للرئيس السابق أصدر كتاباً أكثر انحطاطاً عنوانه محمد مؤسس الدين الإسلامى.. هذا الكتاب صدر منذ نحو 180 عاماً. ويحفل الكتاب بالتشهير والشتائم البذيئة والشنيعة ضد الإسلام والمسلمين ويعتبرهم أعراقاً منحطة وحشرات وجرذاناً.. وأفاعاً! بل إن هذا الأفاق - بوش الجد - يزعم فى كتابه المفضوح «إن الله أرسل محمداً (عليه أزكى الصلاة والسلام) ليؤدب الناس بإغراقهم فى الضلال.. وهى إحدى طرق الله فى العقاب» أى أنه يرى - من خلال عقليته المريضة - أن الرسالة الإسلامية وسيلة لعقاب الكنائس المسيحية الضالة.. التى تستحق ذلك! وحتى لا نطيل فى كتاب الجد.. ونعود إلى إصدار الحفيد لنؤكد أن الفكر المتطرف والعنصرى متجذر فى هذه العائلة منذ سنوات طويلة.. وأن بوش الأب والابن ترعرعا خلال هذا الوسط المريض المعادى للإسلام والمسلمين.. منذ الصغر.. وعلى أيدى الأجداد، فالمسألة تتجاوز الأب والابن.. إلى عائلات بأسرها.. بل إلى قطاع عريض ومريض داخل الولاياتالمتحدة والعالم الغربى بصفة عامة. نعود إلى كتاب «قرارات حاسمة» لبوش الحفيد! لنعلم أن هذه عادة غريبة وعالمية.. أن يقوم كل رئيس أو زعيم أو أحد المشاهير المعتزلين بكتابة مذكراته وإذا كان هؤلاء يسجلون شهاداتهم للتاريخ أو لمزيد من الشهرة أو لاقتناص مزيد من الأموال.. فإن بوش أصدر كتابه لجلب مزيد من اللعنات والحصول على مزيد من الإهانات، فالرجل كذاب.. كما أكد المستشار الألمانى الأسبق جيرهارد شرودر.. رداً على مزاعمه التى قال فيها بوش إن شرودر دعمه فى غزو العراق، واتهم شرودر بوش بالنفاق وقال: إنه لم يقل الحقيقة، بل إن شرودر نفسه فاز بدوره ثانية للمستشارية الألمانية عام 2002 بسبب رفضه غزو العراق. وبغض النظر عن التفاصيل ومدى صدق الزعيمين الغربيين.. فإن شواهد كثيرة أكدت أدمان بوش الابن على الكذب.. كما أدمن على الكحول حتى سن الأربعين! ومن أغرب ما قال بوش فى كتابه أنه غير نادم على غزو العراق.. وأنه لن يعتذر عن هذا القرار.. بل إنه يرى أن العالم أصبح أكثر أمناً بعد هذا الغزو.. وبعد سقوط صدام! مجموعة من الخطايا والأكاذيب المركبة والمعتادة من بوش.. حتى وهو يتحدث من قبره.. فوق الأرض! وعدم الإحساس بالندم على خطيئته الكبرى بغزو وتدمير العراق وقتل وتشريد الملايين من أبنائه يدل على أنه إنسان غير متحضر ومتبلد الشعور، وإذا كانت عيناه قد اغرورقت بالدموع عندما تحدث عن ضحايا الجنود الأمريكيين فى العراق وأفغانستان فإن أحاسيسه المتحجرة لم تتحرك لمقتل مئات الآلاف فى الدول التى غزاها ودمرها تدميراً تاماً.. وكأنه مقاول هدم دولى أو حانوتى بدرجة رئيس أكبر دولة فى العالم! شىء غريب أن يقول إنه ملتزم بالتعاليم المسيحية التى تدعو إلى التسامح والمودة والمحبة وعدم إيذاء الآخرين.. بينما أفعاله تؤكد عكس ذلك تماماً، فالمسيح لم يأمره بغزو أو قتل أو تدمير.. هو الذى فعل ذلك بغبائه.. وبضغط من جماعات النفوذ التى تعمل وراء الكواليس وتحركه - كدمية صورية احتلت هذا المنصب الخطير. أما الإصرار على عدم الاعتذار فهو يكشف شخصيته المتعجرفة.. شخصية الكاوبوى العنصرى الطائش الذى يقود قوة عظمى بغباء منقطع النظير، والمطلوب منه ليس الاعتذار بل يجب أن يقدم للمحاكمة كمجرم حرب اقترف أشد الجرائم فى حق الإنسانية.. فقد دمر دولاً وقتل وجرح وشرد ملايين الأبرياء بجرة قلم، وبغض النظر عمن يدعمه ويدفعه من وراء الستار فإنه هو المسئول الأول كرئيس سابق للولايات المتحدة.. ومازال حياً يرزق من خلال كتاب.. سطره بدماء الأبرياء. ونحن على ثقة بمدى جهله العميق.. فهو لا يكاد يكتب ولا يقرأ.. وربما لا يفهم إلا «بفهَّامة» أو ما يريد محركوه أن يفهمه فقط! ونحن لا نبالغ فى ذلك.. فقد اعترف بوش نفسه فى حوار تليفزيونى مع أوبرا وينفرى بذلك قائلاً: «كثير من الناس لا يعتقدون أننى أستطيع القراءة والكتابة».. هذه مصيبة كبرى أن تكون «الأمية» هى أهم مؤهلات رئيس أكبر وأقوى دولة فى العالم! ويا ليت الأمية تقتصر على الكتابة والقراءة.. بل إنها تتجاوز ذلك إلى الأمية العامة.. أمية فى السياسة والاقتصاد والتجارة والإعلام.. بل وأمية فى أصول الاتيكيت والأدب! وزعم بوش فى كتابه أن بلاده أصبحت أكثر أمناً بعد غزو العراق وسقوط صدام!! وهذه كذبة كبرى أخرى.. من رئيس سابق يهوى الكذب ويعشقه.. ولا يستطيع التخلى عنه، فالعالم أصبح أكثر خطورة بعد هذه الحملات الصليبية التى أطلقها بوش.. وبدلاً من عُش دبابير واحد فى أفغانستان.. صنع بوش مفارخ عديدة لهذه الدبابير.. فى الصومال والعراق وشمال أفريقيا واليمن.. ولا ندرى هل يفاجأ هو بعش دبابير آخر داخل الولاياتالمتحدة نفسها؟! الواقع وحجم الحروب والصراعات والقاعدة وحلفائها فى كل مكان.. يؤكد أن الولاياتالمتحدة والعالم بأسره لم يعد أكثر أمناً نتيجة هذه الغزوات الطائشة! واعترف بوش فى مذكراته أنه كان على وشك ضرب إيران وسوريا.. ثم تراجع فى اللحظات الأخيرة لشكوكه فى مدى فعالية هذا القرار الخطير.. وأيضاً خوفاً من آثاره وتداعياته، كما كشف فى مذكراته عن دور إسرائيل فى التحريض على القيام بهذه الخطوة الخطيرة.. وبطلب صريح من رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إيهود أولمرت عام 2007. ولكننا نتساءل: ماذا لو نفذ بوش هذا التهديد بغبائه المعتاد.. وهو الرئيس الأسوأ والأسهل انقياداً لجماعات الضغط الصهيونية ولليمين المحافظ المتطرف؟! من المؤكد أن العالم سيكون أشد خطراً وأقل أمناً إذا نفذ بوش هذه الخطوة الحمقاء، وربما دفعت أمريكا وإسرائيل والعالم كله ثمناً غالياً وباهظاً.. يتجاوز ما تكبده فى العراق وأفغانستان.. أضعافاً مضاعفة. ومن أطرف ما قاله بوش عند وصفه لحالته فى أول يوم بعد الرئاسة: كنت مستلقياً على الأريكة ودخلت زوجتى لورا فقلت لها: أخيراً أصبحت حراً.. فردت عليه: أصبحت حراً كى تغسل الصحون.. فرد عليها: أنت تتحدثين إلى الرئيس السابق يا حبيبتى، فقالت زوجته: أعتبر هذا جدول أعمال سياستك الداخلية الجديدة!! ويا ليته بدأ بغسيل الصحون وظل يغسلها حتى نهاية حياته.. بدلاً من الشرور التى ابتلى العالم بها!