تراجع أسعار الذهب في مصر بقيمة 140 جنيه خلال أسبوع    النائب عمرو درويش يعترض على الصياغة الحكومية لقانون الإيجار القديم    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق ملتقى أهل مصر بدمياط ومصر جميلة يصل البحيرة    رئيس اتحاد الكرة الآسيوي: أرفض بشدة مقترح زيادة عدد المنتخبات بكأس العالم    انخفاض درجات الحرارة وسقوط للأمطار بمحافظة القليوبية    إنقاذ 2000 رأس ماشية من حريق في مركز أبو صوير بالإسماعيلية    حجز محاكمة متهم بحيازة مفرقعات ومقاطع تحريضية للنطق بالحكم    رمضان صبحي يقود كتيبة بيراميدز أمام فاركو    أحمد السقا يفقد الذاكرة وأحمد فهمي يتورط معه في مطاردة بالصحراء في فيلم "أحمد وأحمد"    مصر تستهدف إنهاء إجراءات وصول السائحين إلى المطارات إلكترونيا    «الإسكان»: مبيعات مبادرة «بيت الوطن» للمصريين بالخارج تسجل 10 مليارات دولار    الإسماعيلي: هل القانون يتيح استدعاء تقنية الفيديو للحكم من أجل بطاقة صفراء؟    رسمياً.. تحديد موعد ومكان نهائي كأس مصر    إعلام إسرائيلي: شركات طيران أمريكية تعلق رحلاتها إلى تل أبيب    مصر وجزر القُمر توقعان على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة    استشهاد معتقل فلسطيني في مستشفى سوروكا الإسرائيلي    مصرع شخص وإصابة آخر إثر حادث تصادم في القرين بالشرقية    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 17 متهمًا بضربة أمنية بالقاهرة    الإحصاء: 3.6 مليون دولار قيمة التبادل التجارى بين مصر وجزر القمر خلال 2024    وكيل مجلس "الشيوخ" يقترح سن قانون شامل للأمن السيبراني وإنشاء هيئة مستقلة لإدارته    «لوفتهانزا» و«إير يوروبا» تعلقان جميع رحلاتهما الجوية إلى مطار بن جوريون    فتاوي المصريين في نصف قرن.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب    معرض أبوظبي الدولي للكتاب يعبر الأزمنة على متن المقتنيات الأثرية    رئيس الوزراء: مواجهة مخالفات البناء والتعديات جزء من تقييم أداء أي محافظ    بلعيد يعود لحسابات الأهلي مجددا    الحكومة: مشروع قومي للصوامع يضاعف السعة التخزينية ويقلل فاقد القمح في مصر    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 956 ألفا و810 جنود منذ بداية الحرب    بدء الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تجديد الخطاب الدينى    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين بمحافظتي القاهرة والوادي الجديد    حماس تحذّر من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة بسبب استمرار إغلاق المعابر وتشديد الحصار الخانق منذ أكثر من 64 يومًا    ماجد الكدوانى ضيف شرف فيلم "المشروع إكس" مع كريم عبد العزيز    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    مستشفى سوهاج الجامعي تضم أحدث جهاز قسطرة مخية على مستوى الجمهورية    برلماني: كلمة السيسي باحتفالية عيد العمال تعكس تقديره ودعمه لدورهم في مسيرة التنمية    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    اليوم.. بدء تسليم قطع أراضي بيت الوطن المرحلة التاسعة للفائزين بمدينة دمياط الجديدة    13 شهيدا جراء قصف الاحتلال أنحاء متفرقة في قطاع غزة    دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    الرئيس السيسي يوافق على استخدام بنك التنمية الأفريقي «السوفر» كسعر فائدة مرجعي    دي بروين: لا أعلم موقفي من المشاركة مع مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    بيان - "سلوك الجماهير رد فعل على غياب العدالة".. الزمالك يرفض عقوبات الرابطة ويتهمها بالتحيز    ضبط 37.5 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    محمد صلاح يستهدف 3 أرقام قياسية أمام تشيلسي في الدوري الإنجليزي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 4-5-2025 في محافظة قنا    الرئيس السيسي يؤكد حرص مصر على نجاح القمة العربية المقبلة في بغداد    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي مستجدات التعاون الممتدة بين البلدين في القطاع الصحي    إحالة الفنانة رندا البحيري للمحاكمة بتهمة السب والتشهير ب طليقها    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    سر تصدر كندة علوش للتريند.. تفاصيل    بعد إخلاء المرضى.. اندلاع حريق محدود بمستشفى المطرية التعليمي    خبير تغذية روسي يكشف القاعدة الأساسية للأكل الصحي: التوازن والتنوع والاعتدال    الإكوادور: وفاة ثمانية أطفال وإصابة 46 شخصا بسبب داء البريميات البكتيري    اللهم اجعله اختطافًا (خالدًا) وخطفة (سعد) على النقابة (2-3)    أثارت الجدل.. فتاة ترفع الأذان من مسجد قلعة صلاح الدين    كلام ترامب    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    حقيقة خروج المتهم في قضية ياسين من السجن بسبب حالته الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظريات المؤامرة والجهل الإرادي
نشر في نقطة ضوء يوم 18 - 07 - 2017

ما كاد الرئيس الفرنسي المنتخب إمانويل ماكرون يصعد المنصة التي أعدّت له قبالة هرم اللوفر ليلة فوزه بالرئاسة، حتى تنادى القائلون بنظرية المؤامرة على شبكات التواصل الاجتماعي ليؤكدوا أنهم رأوا في الشكل الهندسي للهرم البلوري الذي تنعكس عليه الأضواء، وفي قمته التي تعلو رأس الرئيس الشاب، وفي حركات يديه وهو يتوجه إلى أنصاره ومناضلي حركته ما يقيم الدليل على أن الرجل واحد من جمعية المتنوّرين (إلّوميناتي) وهي فرقة سرية خيالية ينسب إليها تسيير العالم في الخفاء.
قبلها، تداول هواة المؤامرة سيناريو يخالف ما روته وسائل الإعلام عن عملية شارلي إيبدو. وقبلها أيضا وضع الفرنسيّ تييري ميسان، مؤسس شبكة فولتير، أحداث الحادي عشر من سبتمبر موضع شكّ، وألف كتابا بعنوان “الخديعة الكبرى” أكد فيه ألا وجود لأيّ طائرة ضربت البنتاغون، وألا وجود لأيّ إرهابي يقود الطائرتين اللتين قيل إنهما دمّرتا برجي نيويورك، وأن العملية كلها من تدبير أميركي. وقس على ذلك أحداثا أخرى يستعمل فيها أصحاب تلك النظرية حجاجا منطقيا متماسكا في أغلب الحالات حتى ليصعب على الإنسان العادي تكذيبه، كما هو الشأن مع محاضرات فرنسوا أسولينو.
ولكن قد يبالغون أحيانا حدّ الشطط كما حصل في زيلندا الجديدة، حين استغل أحد المواطنين بندا دستوريا، فأرغم رئيس الوزراء على الاستظهار بما يدلّ على أنه آدمي، وليس زاحفا متحوّلا من سكان الكواكب البعيدة متنكرا في هيئة آدمية، ضمن مخطط يهدف إلى إخضاع الكرة الأرضية واستعباد أهلها. وأذعن رئيس الحكومة عملا بأحكام الدستور، فعرض نفسه على طبيب ثم بيطري أثبتا له أنه لا ينتمي إلى فصيلة الزواحف، لا الأرضية ولا الماورائية. أو أنهم ينكرون حقائق علمية راسخة، كالزعم، بعد بطليموس بأكثر من ألفي عام، بأن الأرض مسطحة وأنها مركز الكون، وأن الشمس هي التي تدور حولها كل يوم، من المشرق إلى المغرب. كما يعتبرون الاحتباس الحراري خدعة وأدوية التلقيح مؤامرة صيدلانية تقود إلى الانطوائية. أي أنهم يشكون في العلم أو ينظرون إليه كمجرد أيديولوجيا. والسبب، ليس الجهل، بل الجهل الإرادي كما يقول الفيلسوف الأميركي لي ماكنتاير.
ولا يهمّ أن يدحض الواقع ادّعاءاتهم، بل إن ذلك لا يزيدهم إلا تشبثا برأيهم والإمعان في الطريق التي سلكوها. في كتاب “عندما تخطئ نبوءة” الصادر عام 1956، وهو من كلاسيكيات علم النفس الاجتماعي، قام ليون فيستنغر وهنري ريكن وستانلي شاشتر، بتحليل ردة أفعال الذين يؤمنون بعقيدة ما إيمانا راسخا، بعد أن يتضح زيفها. اشتغلوا على سلوك نِحلة تُدعى سيكيرس كانت تنذر بوشك تفجر طوفان يجرف العالم بأسره، باستثناء المؤمنين الحق، فتخلّت عن كل مُرتَخص وغالٍ، ولاذت بأماكن محددة سوف تأتي منها مراكب فضائية لتخلّص أفرادها، ولكن لم يحدث شيء مما كانت تتوقّعه. وبدل أن تعدل عن اعتقادها الزائف ازدادت اعتصامًا به ودعوةً إليه. وهو ما اصطلح أولئك الباحثون على تسميته ب”التنافر المعرفي”، أي في حالة التعارض بين العقيدة والواقع، نحاول التكيّف بإنكار الواقع.
وهو ما لخصه فيستنغر في قوله “إنسان ذو قناعات هو إنسان صعب تغييره. إن أعربت له عن اعتراضك أدار لك ظهره. وإن أريتَه وقائع وأرقاما سألك عن مصدرها. وإن استدعيت المنطق أجابك أن ذلك لا يعنيه”. قال قولته تلك قبل أن يبتكر بيتر وازون مصطلح “انحراف تأكيد” للدلالة على ظاهرة إيثارنا المعلومات التي تسير في اتجاه رؤيتنا للعالم، وتجاهل ما يعارضها.
الكذب الفادح لتبرير الفشل
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف وصل الأمر إلى هذا الحدّ في مجتمعات متقدمة صارت تستهين بالحقيقة ولا تتورع عن الحديث عن عصر “مابعد الحقيقة”، أي عصر يستوي فيه الشيء ونقيضه، ويصبح الكذب الفادح وسيلة لتبرير الفشل بدعوى المؤامرة، كما فعل مؤخرا مرشح اليمين فرنسوا فيون، حينما أعلن عن وجود “مكتب أسود” في قصر الإيليزيه يديره الرئيس هولاند.
والجواب الذي يتبدى لأهل الذكر يكمن في تغير وسيلة التوزيع والترويج عمّا كانت عليه من قبل، فبفضل الإنترنت، لم تعد للناس آراء مختلفة، بل صارت لهم أحداث مختلفة، حيث مكنت التكنولوجيا سائر سكان المعمورة من ممارسة عملية الاتصال التي كانت حكرا على وسائل الإعلام، ولكنها في المقابل شجّعت رؤيتهم الضيقة للعالم، بدفعهم إلى البحث عن أشباههم في شبكات التواصل الاجتماعي، وبذلك خلقت “قبلية جديدة” بعبارة الكاتب والصحافي الجنوب أفريقي فرهاد مانجو. ويكمن أيضا في الأيديولوجيا التي لا تزال تهيمن على العقول، فالناس لا يزالون يقفون من القضايا، حتى وإن كانت عن انقراض بعض الأجناس والتصحّر وتغير المناخ، وفق انتمائهم الأيديولوجي، وكأنّ في ذلك الموقف علامة وفاء. وكل فريق على الشبكة يسعى إلى إلغاء كل من لا ينسجم مع رؤيته للعالم.
ثم إن العالم صار يعيش أزمةَ حقيقةٍ بسبب الإنترنت، الذي لم يضاعف من كمية الأخبار الزائفة فقط، بل أكسب حضورا غير مسبوق للمحتويات التآمرية التي كانت فيما مضى تتنقل بشكل سري، كالبضائع المهربة، وأصبحت اليوم علنية تقريبا، تعرض نفسها على كل مبحر في الشبكة، حتى من لا يرغب في الاطلاع عليها. وهو ما يؤكده عالم الاجتماع جيرالد برونر في كتاب جديد بعنوان “ديمقراطية السّذّج”، ففي رأيه أن نظريات المؤامرة والأخبار الزائفة ليست جديدة، ولكنها كانت في الغالب محصورة في فضاءات راديكالية.
أما اليوم فقد اجتاحت الفضاء العام، لا سيما أن المدافعين عنها متحمّسون أكثر من المواطنين العاديين لفرض وجهة نظرهم. وعدمُ تماثل الحماس هذا يلعب دورا حاسما في انتشار سرعة التصديق، إذ أن عددا قليلا من المتحمسين يمكن أن يجد لآرائه صدى داخل الإنترنت أكثر ممّا في الحياة الاجتماعية. لأن الإنترنت كما يقول ديمقراطية عجيبة، فهو يسمح لبعض مستعمليه بالتصويت ألف مرة، فيما لا يصوّت غيره أبدا. ولما كان المؤمنون بنظرية المؤامرة يصوّتون بانتظام، فالكفة في صالحهم على الدوام.
وبما أن هذه السوق المعرفية تسمح لأيّ كان بعرض خبر أو معلومة في الفضاء العام، فقد خلقت تنافسا مطردا تتسابق فيه الأطراف لتقديم الجديد، وزادت في سرعة انتشار المعلومات غير المنتخبة، ما ينعش إمبراطورية المعتقدات، إذ صارت أساطير المؤامرة تظهر سويعات فقط بعد وقوع الأحداث. وما يمنحه الإنترنت لتلك الميثولوجيات التآمرية هو زمن تخمر وحضانة محدود، ما يجعل عدد المواضيع التي يمكن أن تثير معتقداتٍ وإشاعاتٍ ونظرياتِ مؤامرةٍ أكبر، ويزيد بصفة آلية كمية المعتقدات التي تشغل الفضاء الاجتماعي.
لقد عرفت أساطير التآمر المعاصرة كيف تنمّي الإمكانات التي تقدمها تكنولوجيات الاتصال الحديثة لتضاعف انتشارها، مستغلة انخرام سوق المعلومات. وصرنا نرى هيمنة أفكار خاطئة ورواجها في شتى الأوساط كحقيقة لا تقبل الجدل، لأنها ما عادت تجد “رجال جمارك” يراقبون الحدود. رغم أنها تقوم على ثنائية مانوية، وعلى ما يسميه المتخصصون “انحراف قدرة الإنسان على الفعل في العالم”. فالأحداث الكبرى في رأي المؤمنين بنظرية المؤامرة وراءها بالضرورة أسباب كبرى، وما يتجلّى على السطح تتخذ قراراته في الخفاء قوى غيبية، وتحرّك خيوطه أياد مجهولة. وما زال ثمة من يعتقد إلى اليوم أن بيرل هاربر ذريعة أميركية لمحاربة اليابان، وأن الاتحاد الأوروبي صنيعة الولايات المتحدة، وأن فالتر هالشتاين، أحد الآباء المؤسسين لأوروبا، كان رجل قانون كلفه هتلر بتصور “أوروبا جديدة” مع موسوليني..
يقول جيرالد برونر “إن ديمقراطية السذّج أحد تحديات عصرنا الكبرى، وليس لنا من حلّ لمواجهتها إلا بإعادة الاعتبار إلى العقلانية، كأساس لكل ديمقراطية”. غير أن دان كاهان، أستاذ علم النفس بجامعة ييل الأميركية يذهب مذهبا آخر، ففي رأيه أن المشكل ليس لأن الناس يفتقرون إلى العقلانية والمعرفة، بل لأنهم يستعملون العقل لتأكيد موقعهم داخل المجموعة. وكلما كانوا أذكياء كانوا أقدر على إقامة الحجة لصالح موقفهم، أي أن الذكاء عندهم يصلح قبل كل شيء لتدعيم الأفكار المسبقة. وهذا معناه أن المشكل ليس بالسهولة التي نتصور، وأنه باقٍ ما بقي في الكون وجود بشري.
وصفوة القول إن من يرتابون من السلطات يؤمنون بالمؤامرة بسهولة، رغم مستواهم التعليمي. فهم إما يشعرون بالعجز سياسيا إزاء العولمة، أو هم لا يعرفون من يتخذ القرار فعلا، علاوة على شعورهم بعدم الرضى عن الحياة التي يحيونها، وعدم قدرتهم على تغييرها نحو الأفضل، في ظل كساد اقتصادي مستحكم وأزمة اجتماعية تستعصي على الحل.
....
كاتب من تونس
cccccc


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.