مؤشرات ايجابية لإنخفاض مؤشرات الأمية والتسرب من التعليم وتحقق مراكز متميزة علي مستوي الجمهورية    تعرف على أسعار اللحوم اليوم السبت 13 ديسمبر بأسواق البحيرة    سلملى على الرئيس.. سيدة بالقليوبية تحمل مدبولى رسالة للرئيس السيسى    سعر الدينار الكويتي اليوم السبت 13 ديسمبر 2025 أمام الجنيه    اسعار الذهب اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى محال الصاغه بالمنيا    وزير الزراعة: الصادرات الزراعية المصرية حققت 8.8 مليون طن حتى الآن    بعد زيادة التأمينات| تعرف علي موعد صرف معاشات يناير 2026    قوات أمريكية داهمت سفينة فى طريقها من الصين إلى إيران    "إفشال مصر" .. خطة كُتب لها النهاية    الدفاع الروسية: تدمير 41 مسيرة أوكرانية فوق أراضي عدة مقاطعات    مقررة أممية: تكلفة إعادة إعمار غزة يجب أن تسددها إسرائيل وداعموها    كوريا الشمالية:كيم يستقبل الجنود العائدين من روسيا بحفل فخم    دونجا: بيراميدز لم يأخذ مكان الأهلي أو الزمالك وفوزنا بأفريقيا ليس صدفة    مواعيد مباريات اليوم السبت 13 ديسمبر 2025 والقنوات الناقلة    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى 21 درجة    إصابة 4 أشخاص بالاختناق بسبب تسريب غاز داخل منزلهم فى البحيرة    غلق كلي بالمحور المركزي الموازي بالجيزة| اعرف التحويلات المرورية والطرق البديلة    مصرع وإصابة 5 أشخاص من أسرة واحدة إثر انهيار منزل بالأقصر    المعاينة تكشف سبب اشتعال حريق بمبنى تابع لمستشفى الموظفين في إمبابة    هشام أصلان في معرض جدة للكتاب: الهوية كائن حي يتطور ولا يذوب    الجهاز المصرى للملكية الفكرية يشارك فى المعرض الدولى لتسويق مخرجات الأبحاث    معرض جدة للكتاب ينظم ندوة عن تحويل الأحداث اليومية البسيطة إلى قصص ملهمة    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك بدقه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    الصحة: فاكسيرا توقع بروتوكول تطوير المعامل المركزية للرقابة على الإنتاج وتعزيز جودة الأمصال واللقاحات    منتخب مصر يتلقى عرضين لمواجهة الأرجنتين وإسبانيا في مارس المقبل    وزارة العمل تعلن عن 747 فرصة عمل جديدة فى شركات خاصة بالجيزة    " سلبيات الأميّة الرقمية وتحديات الواقع ومتطلبات سوق العمل ".. بقلم / أ.د.أحلام الحسن ..رئيس القسم الثقافي.. إستشاري إدارة أعمال وإدارة موارد بشرية    محكمة بوليفية تأمر بسجن الرئيس السابق لويس آرسي 5 أشهر    الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة تفتح ملف العدالة والتعويضات نحو مقاربة شاملة لإنصاف أفريقيا    "يا ولاد صلّوا على النبي".. عم صلاح يوزّع البلّيلة مجانًا كل جمعة أمام الشجرة الباكية بمقام الشيخ نصر الدين بقنا    حبس عاطل بتهمة التحرش بسيدة قعيدة أثناء معاينتها شقة للايجار بمدينة نصر    إفتتاح مؤسسة إيناس الجندي الخيرية بالإسماعيلية    محاكمة 7 متهمين بخلية تهريب العملة بالتجمع الأول.. بعد قليل    اليوم.. نظر دعوى للإفراج عن هدير عبدالرازق بعد شهرين ونصف من الحبس    بث مباشر.. السعودية تحت 23 ضد العراق تحت 23 – قصة كبيرة في كأس الخليج تحت 23 – نصف النهائي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    أسعار الخضروات اليوم السبت 13-12-2025 في قنا    المشاركون في ماراثون الأهرامات يلتقطون الصور التذكارية في المنطقة التاريخية    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 13 ديسمبر 2025    سقوط شبكة أعمال منافية للآداب بتهمة استغلال ناد صحي لممارسة الرذيلة بالشروق    حياة كريمة.. 3 قوافل طبية مجانية ضمن المبادرة الرئاسية فى سوهاج    ناصيف زيتون يتألق في حفله بقطر بنيو لوك جديد (فيديو)    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تجدد استهداف المناطق الشرقية لمدينة غزة    ترامب: الضربات الجوية على أهداف في فنزويلا ستبدأ قريبًا    تدريب واقتراب وعطش.. هكذا استعدت منى زكي ل«الست»    د.هبة مصطفى: مصر تمتلك قدرات كبيرة لدعم أبحاث الأمراض المُعدية| حوار    سلوى بكر ل العاشرة: أسعى دائما للبحث في جذور الهوية المصرية المتفردة    أكرم القصاص: الشتاء والقصف يضاعفان معاناة غزة.. وإسرائيل تناور لتفادي الضغوط    هشام نصر: سنرسل خطابا لرئيس الجمهورية لشرح أبعاد أرض أكتوبر    ياسمين عبد العزيز: أرفض القهر ولا أحب المرأة الضعيفة    محافظ الدقهلية يهنئ الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم من أبناء المحافظة    ننشر نتيجة إنتخابات نادي محافظة الفيوم.. صور    تعيين الأستاذ الدكتور محمد غازي الدسوقي مديرًا للمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية    ليتشي يتخطى بيزا بهدف في الدوري الإيطالي    إشادة شعبية بافتتاح غرفة عمليات الرمد بمجمع الأقصر الطبي    عمرو أديب ينتقد إخفاق منتخب مصر: مفيش جدية لإصلاح المنظومة الرياضية.. ولما نتنيل في إفريقيا هيمشوا حسام حسن    الإسعافات الأولية لنقص السكر في الدم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسطينيّ زياد خداش يسرد فانتازيا الرعب الاحتلالي
نشر في نقطة ضوء يوم 12 - 04 - 2017

بين المتخيّل والواقعيّ، وشائج تجعل كلاً منهما شبيه الآخر، أو قابلاً ليكون هو الآخر ذاته، فضلاً عن أن كلاً منهما يغتني بالآخر، وربّما ينهل منه. هذا ما يبدو لنا متجسّداً في العلاقة بين الواقعيّ والمتخيّل، كما تظهر في قصص ونصوص الكاتب الفلسطينيّ زياد خدّاش عموماً، وفي نصوص كتابه الجديد «أسباب رائعة للبكاء» على نحو خاص، حيث يصعب الفصل أو التمييز تماماً بين العالَمين، الواقعيّ والمتخيّل، وحيث درجة التخييل التي تبلغ حدود الفانتازيا والعبث، تبدو شديدة الواقعيّة، كما أن أيّ حادث واقعيّ يبدو شديد الغرابة، وغير قابل للتصديق.
تنتمي كتابة خداش (مواليد القدس 1964)، إلى الكتابة الفلسطينيّة الجديدة، لجهة النمط والأسلوب والهموم والقدرة على الإدهاش، جديدة في تناول وسرد «الحكاية» الفلسطينية، أو «رواية» الإنسان الفلسطينيّ، من دون التخلّي عن الفكرة الأساسية في هذه الرواية/ الحكاية، الفكرة القائمة على استحضار صور الاحتلال وممارساته، في كل حادث أو حديث في حياة الفلسطينيّين، حيث الوجود الهمجيّ النفّاذ لهذا الاحتلال وجنوده، حتّى في الهواء الفلسطينيّ. الكتابة هنا، ليس فيها أيّ فاصل حقيقيّ بين الهمّ الخاصّ/ الفرديّ والهمّ الوطنيّ العامّ/ الجمعيّ، على رغم انطلاقها من الخاص، والذاتيّ أحياناً.
في كتابه القصصيّ هذا (الدار الأهليّة/ عمّان، والحائز على جائزة القصة القصيرة- الكويت)، يذهب خدّاش إلى أقصى حدود التخييل، حتّى إنه يجعل من ذاته هو شخصاً آخر، يستخدم ما يسمّى «كاتب ظلّ» لكتابة قصصه ونصوصه، أو نراه، تحت ضغط ظروف صعبة، ينتحل شخصية كاتب أردنيّ معروف بسخريته، محمّد طمّليه، هذا عدا كونه «بطلاً» دائماً لنصوصه وحوادثها ذات الصبغة الغرائبية، ما يجعل القارئ يتشكّك في قدرة كاتب واحد على أن يكون حاضراً في هؤلاء الأشخاص جميعاً، كما هي حال «بطل» قصصه، القصص المخادعة، خدعة لذيذة وعميقة ومعبّرة.
تخييل الواقعيّ
في نصوص هذا الكتاب، وهي إحدى وثلاثون قصة، متفاوتة في الطول، الكثير من الهموم والقضايا والتفاصيل، الموزّعة ما بين الاجتماعي والوطني والثقافيّ، ولكن الإنسانيّ والوجوديّ يظلّان في قلب كلّ منها، وتتداخل الأبعاد كلها مع العامل السيكولوجي، وبحضور مميز لعنصر الشهوة الإيروتيكية الغامرة، وكثيراً ما تختلط هذه الأبعاد جميعاً في قصة واحدة.
لعلّ من بين العوالم الأشد بروزاً وتأثيراً في عالم خداش، عالَم الحياة الثقافية بمفرداتها ومشاهدها المختلفة، مشاهد مأخوذة من زاوية الراوي/ البطل، الذي قد يكون هو نفسه المؤلف، في حياته ويوميّاته، في ذكرياته وتأمّلاته، فمن خلاله، ومن موقعه في الحياة التعليميّة، حيث يعمل واقعيّاً في «تعليم الكتابة الإبداعية»، ومن خلال «حياة المقاهي»، نطلّ على حياة المجتمع بشرائحه المختلفة.
وبوصفه بطلاً لقصصه، يظهر زياد في مواقف شديدة الغرابة، لكن من الطبيعيّ أن يناديه جنود الاحتلال باسمه، وأن يحتجزوه أو ينكّلوا به، في مشاهد تنطوي على سخرية لاذعة، بقدر ما تنطوي على رغبة الكاتب في إبراز همجية هذا العدوّ، كما هي الحال في مشهد لجنود الاحتلال والعبث بالكتب في بيوت المخيّم، أو جنود بلا لغة ينبطحون ويصوبون بنادقهم نحوه، وجرافات تخلع الشجر. وقد تأتي هذه الهمجية والعدوانية، في مقابل ضعف وهزال السلطة الفلسطينية وعناصرها الأمنية. بل في زمن التحوّل «المسخ»، من صورة «الفدائيّ» العائد إلى رام الله، الذي سنراه بعد عشرين عاماً «بائع ذرة» بائس.
ومن الطبيعيّ أن ترى «شخص اسمه مفيد»، وهو رجل غير مرئي، وبالعكس من اسمه بلا فائدة أو أهمية «سوى لمعرفة الوقت بناء على مروره الخامسة مساء»، والأهمّ أنه «كان يشبه شارع الحسبة (ووو) كان رام الله»، أو ترى المرأة التي «قد تكون تحوّلت إلى زقاق في المدينة»، وقد يضع نفسه في أجواء الحكاية التاريخية عن السبي ونبوخذ نصّر، فنرى زياد ضمن قومه، ومخطط يبوس الجديد، مَلكي صادق ينتظر إبراهيم الذي في الطريق إلى مصر.
وتظهر معاناة الأطفال في صور شتّى، أقساها ربّما حالة التلميذ عبد الرحمن: بوجهه المحترق من قصف الطيران في غزة، يتألم عندما يضحك، يريد أن يكتب ويرسم، بل نراه يرقص على عزف غيتار غير مرئيّ، وفي غمرة معاناته لا ينسى «لطف الممرضات اليهوديات في مستشفى هداسا»، ومراعاة لحالته هذه، يتعاطف معه طلاب الصف والمعلم و «يتوقّفون عن الضحك». ذلك كله في مشهدية تصويرية شديدة الإيلام.
وعلى نحو شديد السخرية أيضاً، نرى الكاتب يتقمّص شخصية «رجل غريب» يجد نفسه في موقف غريب، فهو الذي يحمي الرجال الثمانينيّين، أو يدلّ الضائع منهم، يجد أنه متّهم بملاحقة رجل عجوز، حتى أن هذا العجوز يقوده ويوصله إلى مخفر شرطة، ويتّهمه بأنه يريد سرقته، فيتم توقيفه وسجنه. وضمن لوثة الحياة المادية والاستهلاكية، تبلغ الأمور حدّ نشوء سوبرماركت لبيع الوجوه، زمن شراء الوجوه وتبديلها، والعيون والأنوف، فتصبح القُبلات بين الرجل وبين زوجته تذكّرهما بشفاه عرفها كلّ منهما سابقاً، فيما هي تتذكر شفاه رجل عرفته قبل زواجها، ويضيعان في قبلات «شفاه مسمومة».
أما حكاية الانتماء للأرض وتوابعها، فتتجسّد في صورة العلاقة مع البرتقال، في «يد برتقالية»، حيث يستعير القاصّ يد جدّه ليصافح الناسَ بها، يحمل يد الجد ويتنقّل بها، طعمها طعم بحر ورمل وسمك، وحين يجرح إصبعه ينزّ منه «عصير البرتقال». لكن هذا الانتماء ليس مطلقاً تماماً، فثمة صور من الكراهية للذات التي تنقسم إلى شخصين، تظهر في الجولة اليومية في الوطن، وتختفي حين يكون هذا الشخص خارج الوطن. ويحضر الإحساس المرير بالزمن، في قصة صديقين في التسعينات من عمرهما، مصابَين بسرطان في العظام، لكنّهما في المكالمات بينهما يصرّان على الاطمئنان بخصوص «الالتهاب في العظام» وليس السرطان.
في النهاية، نحن حيال عوالم غرائبية، حتى حدود العبث والكابوسية، لكنها عوالم واقعية، هي نتاج حياة «غير طبيعية»، على رغم أنها تبدو مألوفة، لكثرة تكرارها. عوالم يعبّر عنها هروب الكاتب الحقيقي وراء «كاتب الظل»، ثم تخلي هذا الأخير، وكشفه «الأقنعة» التي يتخفّى الكتّاب وراها. ولماذا هذه «الحيلة» في الكتابة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.