في ديوانه «إلى أين تأخذني أيّها الشّعر» الصّادر عن دار الآداب – 2015، يأخذنا شوقي بزيع إلى عالم يدور فيه ويستوطن ليلتقط الرّؤيا، يبحث في دوّامات المعنى ليقبض على المفر،ّ يصوّر بزيع الشّاعر ضمن حالاته النّفسيّة، فيصفه بالممسوس وهو في صدد حياكة الكلمات بإحكام ليقدّمها قصيدة متكاملة إلى المتلقّي. شعر شوقي بزيع يحكمه هذيان وسط الظّلام فيسكنه الضّياع المشوّق. في قصيدته «إلى أين تأخذني أيّها الشّعر»، يلخّص بزيع مضمون ديوانه بكلّ ما مرّ به من عواصف وتيّارات أخذته ودارت به لتعيده إلى قصيدته في نهاية المطاف.في القصيدة نفسها، يبدو جليًّا أنّ الشّاعر في تأرجح مستمرّ بين المتناقضات، وهذا ما يدلّ على الحالات النّفسيّة الّتي تعتري معظم الشّعراء، فتشكّل العوارض اليوميّة وترافقهم في مسيرتهم الشّعريّة. يعبّر الشّاعر عن ذاته لينقل تجربته ويعمّمها على الذّات الجماعيّة. الشّعر بالنّسبة إلى شوقي عمارة مبنيّة على الضّدّين، أقصى النّعيم متمثّلًا بالجنّة وأقصى النّار متمثّلًا بالجحيم. فيتكلّم عن الشعر وهو المرض الّذي أصابه في طفولته وجعل رؤياه مختلفة، إنّه الإدمان الّذي علّمه الرّبط بين الذّات والوجود، المشاهد الحياتيّة والطّبيعة، الحزن والفرح، القيد والحرّيّة… يحمل الشّاعر في جعبته قصيدة باتت رفيقة الدّرب الطّويل المستمرّ، وهي شريكة ذكرياته المليئة بالألم والحبّ والحنين.. وسط كلّ هذا الضّجيج، يخلد الشّاعر إلى قصيدته باحثًا عن نهايات مؤجّلة لعمر طويل، والدّرب شاهد على وفائه لشعره الّذي حثّه على بذل نفسه ثمنًا للقصيدة وثمنًا للشّعر:الألم اللّذيذ والمحرّك الأوّل للشّعراء. اللّافت لدى بزيع أنّه يمنح الشّعر صفات من صُنعه يطلقها ألقابًا يناديه بها: «يا صفقتي الخاسرة – يا جنّتي وجحيمي – يا مرضًا في الشّرايين». في مكان آخر، يعلن الشّاعر تعلّقه بالكتابة أكثر فأكثر، يشبّهه بالمرأة الّتي تضعه في وضعيّة إثبات ذاته، على أنّها لا ترضى بأقل من الموت، وهذا ثمن القصيدة. يسائل الشّاعر نفسه باحثًا عن توجّه الشّعراء في الكتابة، يجلس على كرسيّ التّأمّل ليدرك أنّ لحظات هطول القصيدة تتبعها حركة الأشياء، فيصوّر اللّيل والحرب ومخادع العشّاق والمدائن المنسيّة، بينما يجد نفسه يواكبها من بعيد ساكنًا عرش الحروف، يأخذنا معه في سياحة حول العالم، فنجول معه اللانهايات. لا تستطيع مع قصيدة بزيع أن تجلس صامتًا، فأشياء من روحه ستتسرّب إليك، وتتسلّل خلسة ومن دون أن تدري سيتحرّك وجدانك، فالشّاعر يتقن لعبة ألوان القصائد، ليس ليملأ لوحاتها فقط، بل لأنّه في محاولة ملء فراغ العمر. إنّها القصيدة الحياة الّتي ما زال يبحث عن اكتمال حروفها، يعدو كصيّاد متعب في صحراء مقفرة ليشحنها بالحبّ والشّعر. في قصائده، يعمل بزيع على تحقيق رؤى جميلة لوطن جميل، لعمر جميل وامرأة جميلة. ينير ظلام الكلمات بقنديل أحلامه. ومن القصيدة المرأة يستوحي حروفًا لنصّه تجعله بارعًا في محاكاتها. يعمل على نحت المرأة القادرة على التّحكّم بكلّ من يحيط بها من خلال رقصة أو حركة أو إشارة كما في قصيدة «رقصة سالومي». كما أنّه مسيّر بالحبّ فتنطق قصيدته بأرقى معاني الغزل كما في قصيدة «لا صيف يضاهيها انكسارا». يبقى من الحقّ أن نقول، شوقي بزيع المتأمّل المتسائل الباحث، يشغله همّ الوجود ومكانة الشّعر فيه. أطلّ علينا بحروف حلّق بوساطتها في فضاء الثّقافة كما عهدناه، نحت الكلمات وسامر اللّيل عرّى ذاكرته ليحظى بحبر يتماهى مع محيطه، ليقبض على قصيدته في لحظة هطولها. شوقي بزيع يحمل كهولته ويقف شاهدًا على سنّ البلوغ، يرسم في معاناته حروفًا مضيئة تخلق عالمًا من الجمال الشّعريّ.