ولي العهد السعودي يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة رئيسي    نجم ريال مدريد يختار مزاملة ميسي في إنتر ميامي    مصرع فتاتين إثر سقوطهما من سيارة بمنشأة القناطر    شاهد.. عائشة بن أحمد تكشف أسباب عدم ارتباطها    يُتيح للمستثمرين إدارة المستشفيات العامة.. قانون المنشآت الصحية يثير الجدل بين "الأطباء" و"النواب"    الحوثيون يعلنون مهاجمة سفينة يونانية قبالة اليمن    خطة مصرية أمريكية لإعادة تشغيل معبر رفح (تفاصيل)    «الصحفيين» تعلن أسماء الفائزين بالمسابقة الدينية في الإسكندرية غدًا    "استقر على بديل معلول".. مصراوي يوضح كيف يُفكر كولر في مباراة الترجي بنهائي أفريقيا    عبدالرحمن حسين ابن القليوبية يحرز 3 ميداليات ببطولة العالم لرفع الاثقال ببيرو (صور)    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم.. آخر تحديث    محافظة الجيزة: عودة ضخ المياه لمنطقة اللبيني بعد إصلاح كسر ماسورة    شيماء سيف:" الرجالة أساس النكد في البيت ومبحبش الراجل اللي معندوش شفايف"    خبيرة فلك تتوقع تحسن أحوال مواليد 6 أبراج خلال 25 يوما.. هل أنت منهم؟    أستاذ أزهري: السيدة زينب كانت كجدتها خديجة في عظمة الشخصية ورجاحة العقل    المفتي: لا يجب إثارة البلبلة في أمورٍ دينيةٍ ثبتت صحتها بالقرآن والسنة والإجماع    حسام موافي يوضح أخطر مراحل الغيبوبة    مباشر سلة BAL - الأهلي (0)-(0) الفتح الرباطي.. بداية اللقاء في المرحلة الترتيبية    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع وعلى الحاج أن يتعلم أحكامه قبل السفر    حيل وألاعيب يستخدمها المشكك في نشر الشبهات، فيديو جديد لوحدة بيان في الأزهر    الأعراض الرئيسية لمرض السكري لدى الأطفال والمراهقين    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى (فيديو)    مع اقتراب عيد الأضحى.. تفاصيل مشروع صك الأضحية بمؤسسة حياة كريمة    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    عمليات حزب الله دفعت 100 ألف مستوطن إسرائيلي للنزوح    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    منتخب مصر للساق الواحدة: تعرضنا لظلم تحكيمي ونقاتل للتأهل لكأس العالم    إستونيا تستدعي القائم بأعمال السفير الروسي على خلفية حادث حدودي    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 11 مليون جنيه في 24 ساعة    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    الرئيس البرازيلي: منخرطون في جهود إطلاق سراح المحتجزين بغزة    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    «دولارات الكونفيدرالية» طوق نجاة الزمالك    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    5 نصائح للتعامل مع منخفض جوي يضرب البلاد الأيام المقبلة.. تحذير من ظاهرة جوية    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شوقي بزيع يدوّن أسئلة الحياة على إيقاع القصيدة
نشر في صوت البلد يوم 10 - 12 - 2015

يرفع الشاعر شوقي بزيع الإسم المقدَّس للشعر عنواناً عريضاً ليجمع تحت منارته أكثر من موضوع، ويرتاد أكثر من ساحل في ديوانه الجديد «إلى أين تأخذني أيها الشعر» (دار الآداب، 2015)، وهكذا تصبح تجربة الشاعر ومكابداته مع ليل القصيدة وظلال المعاني حوله حافزاً للخروج من مأزق دائمٍ يحاصره، حيث الحياة والموت والمرأة والفنّ، موضوعات يجمعها الشعر وسؤاله، عناصر متعاظلة في النسق بتداخل خفي حتى تبدو، وهي منفصلة في ثلاث عشرة قصيدة، متصلة ومتلاحمة في الشعر وسؤاله. على أن القراءة النقدية هنا تقترحها في تلك الموضوعات الأساسية، لتأكيد ذلك الإتصال المضمر من جهة، ولرصد التضاريس البلاغية التي يتحرك الشاعر فيها من جهة لأخرى.
فالقسم الأول من المجموعة يمكن وصفه بأنه منظومة تأخذ شكل المانيفست الشعري، ذات موضوع واحد تقارب زواياه وإشكالياته من أبواب شتى، حيث تتنوع طقوس كتابة القصيدة، أو السؤال عن جدوى الشعر وعلاقته بالحياة والموت والفن والنساء، أو مأزق التواصل بين القصيدة وقارئها.
على أن السؤال: «إلى أين؟» قد يندرج للوهلة الأولى في سياق استفهام طفولي بريء، قبل أن يتحول إلى احتجاج وتعبير عن مأزق ما، فهو يوحي بأنَّه يسأل قريناً أو رفيقاً في رحلة ما قبل أن يشرعا معاً في رحلة غامضة. بيد أنَّ هذا السؤال لا يطرحه صاحب «قمصان يوسف» في المستهل من الرحلة بل في ذروتها وتحت خلجات من السأم، قريباً من تلك الضفاف التي تلوح، سراباً أو غابة. إنه سؤال يأتي بعد نحو أربعة عقود من التجربة الشعرية وأكثر من عشرين كتاباً في الشعر ومختاراته، لذا فهو أقرب إلى ترجيع لسؤال مضمر خلاصته: ماذا بعد؟ بمعنى أنه مستلُّ من مشقَّة الرحلة، وليس من استفهام المستريب قبل ذلك الشروع: «إلى أينَ تأخذُني في نهايةِ هذا الْمَطاف/ وهلْ ثمَّ صحراءُ لم اتجرَّعْ/ سَرَاباً سَرَاباً/ عصارَةَ صبَّارِها؟» في السؤال ثمة بعد غلغامشي، فهو بحثٌ عن مكانٍ مجازي، عن عشبة ما في محاولة الخلود الرمزي،: «أمنْ أجْلِ هذا الهباءِ أرقتُ حياتي؟» بينما يستمر الشعر مدينة من التناقضات المريبة و«غابة من الظنون»: الجنَّة والجحيم: الملاذ، والمطارِد، وهو العدوُّ الجميل. والصفقة الخاسرة!: «إخسر العيشَ كي تربحَ الكلمات».
والواقع أن الأسئلة تحكم عناوين قصائد هذا القسم المكون من أربع قصائد: أسئلة تبدو مستعادة في ظاهرها، لكنها صعبةٌ أزليَّة في جوهرها: «إلى أين تأخذني أيها الشعر؟» «مَنْ يهدي الحياة إلى طرواتها؟» «لمنْ يكتب الشعراء؟» ولا تخرج قصيدة «دوامة» عن هذا النسق، فهي وإن لم تحمل استفهاماً ظاهراً إلا أنها تغرق في الحيرة والبحث في الطقوس الخاصة لكتابة القصيدة إنها ثنائية «القصيدة والعنقاء» كما سمّاها السيَّاب وهي قلق الخلق والتخلق والتكوُّن السديمي حيث: «المعاني بعدُ لم تعثرْ على شكلٍ نهائيٍّ/ لكي ترتقَهُ في قُطبٍ مخفيَّةٍ/ والشَّكْلُ لم يَعثَرْ على صنَّارةِ الجَرْس / التي تَنتشلُ الأصواتَ من بينِ الركامْ».
قصيدة ولوحة
وفي طريق البحث ذاته يكتب عن علاقة القصيدة باللوحة، مشيداً بشاعرية اللون والأشكال في قصيدتيه إلى «خوان ميرو» و«جميل ملاعب» ذلك أن سؤال ما الشعر؟ في بعده الرؤيوي هو نفسه: ما الفنُّ؟ ليصبح الرسَّام شاعراً رائياً: «لماذا أريدُ من الفنِّ ما لا يُرَى؟».
ليس بعيداً عن ذلك، القسم التالي من الديوان حيث الشعر والموت، أو الشاعر شهيداً: «رباعية لمصرع غارسيا لوركا» أو حين يغدو الانتحار تلك القصيدة الغامضة: «مُتْ لكي تنجو»، ففي قصيدة «سبعة وجوه للإنتحار» يقرأ الموت بوصفه القصيدة الأخيرة التي تلتمع في وجوه المنتحرين، أولئك الذين نظروا في الهاوية وانعكست ظلالها على وجوههم. أو أولئك الذين عانقوا انتحاراً ناقصاً! واللافت هنا أن صاحب «مرثية الغبار» يستعير ميتات الآخرين ليكتب عنها وعنهم بضمير المتكلَّم، إنه يحاول تأمل الهاوية نفسها وتلك مهمَّة شاقة أخرى: «لو كانَ للموتى سبيلٌ للرجوع» وأحياناً يستعير صوت المؤنث: «شاعرةُ الظِّلالِ أنا/ وأنا، مقارنةً معَ الأشجار/ لم أرغبْ بغيرِ يدٍ/ تمرِّرُ فوقَ صدري دِفءَ ملمَسِهَا./ وترعى بالتفتُّحِ برعمَ نهدي».
لا تغيب المرأة لدى صاحب «كأني غريبك بن النساء» في هذا الديوان، فهي طاقة شعرية مختزنة بقدر ما هي بلاغة رمزية وتجربة متجذرة في الأعماق. صحيح أنه يوغل في تأنيث لغته في كل موضوعاته الشعرية ليجعل من قصيدته محفلاً بلاغياً لمدائح مؤنَّثة، لكنه يجمع هنا صورتين متناقضتين للمرأة في قصيدتين متجاورتين الأولى: «رقصة سالومي» والثانية: «لا صيف يضاهيها انكساراً»، حيث ثمة دراما بين العشق الدموي القاتل، والحب المتصل بالمحبة! بين نزعة الكيد لدى سالومي في استعراضها الدامي للجسد الأفعوان وهي في مسرح الجريمة، والألفة لدى حواء وهي تعيد صياغة الفردوس في المنزل في خُطى بلقيسية بين غرفة النوم والمطبخ! الأولى ليست زليخة، ولا بلقيس «ولا هي حواءُ/ كيما تسلِّم صاغرةً، وبِحيلةِ الأُنثى/ مَقَاليدَ جَنَّتِها لوحوشِ الفَرَاغ» أما الثانية فهي: «مِيراثي مِنَ الأرضِ التي تنشقُّ/ عن أضلاعِها تفَّاحةُ الأنثى/ وَنِصفِي الْمُستَقيم.»
حياة الآخرين
تنتقل خريطة القصائد بنوع من الجدل الصاعد من الذاتي الخالص، فالحميمي العائلي، وصولاً إلى الخارجي. هذا التدرج من أبعد منطقة «هنا» في الداخل، إلى ال«هناك» في الجوار، منح قصائد الديوان تنوعاً وأن كتبت بإيقاعات متقاربة.
وبينما تنحو قصائد القسم الأول إلى الإصغاء للداخل والإمعان في تقليب الأسئلة المعقدة واستبطانها، فإن قصائد هذا القسم المفترض تبدو استغراقاً في موضوعات أخرى، موضوعات خارجية سمتها الحياة اليومية وإيقاعها الخارجي. هي ليست منكفئة إلى العتمة الداخلية، فعينُ الشاعر في هذه القصائد متلصَّصة تراقب ما حولها وتنشئ تأويلاً شعرياً عن مشهد الحياة السرية المحجوبة للآخرين، الآخرين الذين يظهرون بصيغة الجمع الغائب، وليس المفرد المتكلم أو المخاطب كما في بقية قصائد المجموعة: قصيدة «عزلة الخادمات»: «راهباتُ المنازلِ هُنَّ ونسوتُها الموكلاتُ بتنظيفِ أحلامِ يقظتِها من وُحولِ الشَّقَاء» وقصيدة «مُسنُّون»: «جالسينَ معَ الذِّكرياتِ التي تمَّ أخلاؤها من مَواطئِ أقدامِهمْ» وقصيدة «التوقيت الشتوي»: «يسدِّدُ الأمواتُ نظرةً أخيرةً/ إلى فسادِ آلةِ الزَّمانِ واضطرابها/ويسقطون غيرَ آبهين/ في بَطالةِ الزمن». ولعلَّ هذه القصائد الثلاث المرتبطة بالإيقاع الخارجي ومراقبة الزخم الحياتي اليومي للآخرين، تبدو أكثر تخففاً من الغنائية المأثورة لدى بزيع، وتمنح القراءة أبعاداً تأويلية أكثر عمقاً كما أن بناءها، وتحديداً في «التوقيت الشتوي» يقدم نموذجاً للقصيدة المتحرّرة من وطأة التداعي اللغوي والإيقاعي والصوري، لصالح الفكرة الشعرية الثاوية في المشهد العام للقصيدة.
شعر شوقي بزيع دأب ينطوي على كثير من الإلحاح لمحاولة تأجيج المسافة بين الصورة والصوت، بين البعد المرئي للعبارة، ومداها المنبري، فبقدر حرصه على كتابة تجربته الشخصية، فإنه مفعم بالإيقاع، يتمسك به بقداسة كجزء عضوي من القصيدة، والإيقاع هنا ليس بمعنى الوزن وتواتر التفعيلة، إنه الموسيقى التي تهيمن وتبدو أحياناً مكتملة بنفسها وإن لم تنطو على معنى معروف وهي مرتبطة بسحر البدايات وإغواءاتها حيث «الحروف التي تتشكَّلُ موزونةً وبلا أيِّ معنى» ولذا فإنه حين يلتزم التزاماً صارماً بالبحور الصافية ومن دوائر عروضية متقاربة أحياناً: الرمل، المتقارب، المتدارك، الكامل، الرجز. فإنه لا يميل إلى التجريب في تطويع البحور المركَّبة وصوغ مغامرة مختلفة، ذلك أن الغناء والبوح الذي يتلاطم داخله من أربعة عقود لم تنكسر أمواجه ولا يزال يتلقَّى مدَّه المتكرر باستمرار. ومن هنا هذا البناء المسترسل، غير المتقطِّع، حيث تتدفق القصيدة عباراتٍ وبوحاً يحكمها الإيقاع، فتستطيل الجملة أحياناً وتكثر النعوت والإضافات، بشيءٍ من الترهل بفعل هذه الاستجابة لإغواء الموسيقى، على أن بعض العبارات تبدو تفسيرية ومن قبيل الفائض اللغوي يتجسَّدُ ذلك في الإكثار من استخدام الإسم الموصول لتجسير هوة ما بين عبارة تزخر بالمعرفات من الأسماء. على أن تنكيرها وتجريدها من النعوت الزائدة كان أجدر جمالياً ومعمارياً لكنه الإيقاع عندما يختار شكل العبارة. أو في تلك «الآن» الأثيرة في قصيدة التفعيلة العربية التي عادة ما تأتي في العبارات الشعرية لتكمل استقامة الوزن من دون أن تكون ذات إضافة حاسمة لاستقامة المعنى: «وأنا أكتبُ الآن هذي القصيدة.... يرقد الآن تحت التراب..... يجلس الآن مثلي»... الخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.