* إذا كانت المرأة أيقونة حبٍّ ، فإن الخنساء الشاعرة لم تعد بمعزلٍ عن العالم .. ، وإذا كان الشعر هو لغة الترميز ومَوْسقة الصورة ، فإن ديوان "لستُ أسيرة ، بل أنتم الأسرى" للشاعرة "فاطمة الزهراء فلا" يُمثّل -في حدّ ذاته- إشكالية وطن في أنثى. يُشيرُ الغلاف إلى تداخل ال"هو" في ال"هي" دون أن تختفي ملامح الرجل رغم صورتي الأنثى وإبراز "أثداء" الحرية والقرط الذهبي مع تتابع الألوان في مقابل غياب اللون الرئيسي (الأبيض) والتعتيم على لون المُقل ، لولا بقعة الضوء التي يشِي بها العنوان ، فالمتكلم أنثى مفردة ، بينما المخاطب "أنتم" ، ولم تقل "أنتن" ، لتوجيه الرسالة للجميع وخصوصًا ذلك المجتمع الذكوري .. تقول شاعرتنا في "همس الوداع" (ص7) :- - أهدر الملل وقتي - حروفي من شوقٍ وأمواجي من لهيب - وسع الحلم فناء روحي - ياجدتي .. شالي لم يبعثره الهوى وتكرر هذه العبارات في قصيدة "توابل قهوتي حريقة" (ص19،20) مع تغيير طفيف في العبارة الأخيرة ، حيثُ تقول:- "ياجدتي .. لم أعد ساذجةً .. ولا شالي يبعثره الهوى" بينما في القصيدة الأولى(ص8) تقول: "وأنت أخبرتيني بأن الحلوى المكشوفة يأكل منها الجائعون ثم منها يسخرون" .. وتتكرر تلك العبارة في القصيدة الثانية (ص20) بقولها: "فأنت أخبرتيني بأن الحلوى المكشوفة يحط عليها الذباب" وهكذا تكررت عبارات كثيرة في أكثر من موضع ، ومع اختلاف عناوين القصائد .. ، ولأن قضايا المرأة والحب والوطن من أهم المضامين في "لستُ أسيرة ، بل أنتم الأسرى" ، ستبدأ رحلتي بين محطات هذا الديوان من ميناء المرأة العلم تقول شاعرتنا في قصيدة "مسافر بلا محرم" (37): "منهنّ تعلمت" ومن هن؟ هن -كما جاء في الديوان- سومة ، زليخة ، بلقيس ، عشتار "ربة الخصب" ، سالومي ، فيروز ، شهر زاد ، سلمى ، .. وتقول عنهن: "الحرية بِرْكةُ وحْلٍ منقوشة على أضلع حواء" (ص43) "وكلهنّ في الظلام سواء" و "للمرأة مثل الخبز رائحة" (ص58) وعلى اعتبار أنهن الذاكرة الحقيقية ، ولامجال هنا لتهميش المرأة تقول: "لاوطن في دنيا النسيان" (ص119) والمرأة في أشعار "فاطمة الزهراء فلا" هي البطل الرئيس ، والنواة التي تدور حولها أفلاك الورق .. ، ويبدو ذلك جليًّا في إصداراتها التي سبقت "لسْتُ أسيرة ، بل أنتم الأسرى" ومنها "انتفاضة أنثى" ، و "هل كلهن امرأة العزيز" ، ولكن لأنه لامعنى للحياة/الوطن/الأنثى بغير رجل ، فنجد تكرار أسماء منها قيس ، شهر يار ، فالنتين ، كيوبيد .. ، ومن هنا يأتي الحب .. ، والحب في ديوان "لستُ أسيرة .." يوازي قصيدة ، والشعر -من وجهة نظر واقع الديوان- جريمة ، وبالتالي فهو (الحب) الخوف بعينه ، وربما الموت .. تقول: "الخوف من المحبوبِ داء" (ص95) "والموت للغانيات دواء" (ص125) وتقول في قصيدة "لستُ دليلة":- "روحي دائمًا تبحثُ عن الحب بين أسراب الحمام لعلي أفوز بقصيدة لاتغيب" وتتساءل في قصيدة "حبيبتي ..":- "مَنْ باع فيك القصائد؟" ورغم أن الشاعرة اعترفت في قصيدة "لستُ أسيرة" -وهي عنوان الديوان/المجموعة الشعرية- بقولها في (ص23):- "وأنا مقتنعة بأن حروف الشعر جريمة" إلا أنها عادت في (ص63) تسأل: "أيأتينا كيوبيد مرةً أخرى؟ فنكتب في الدواوين أبيات شعر أتعودين عذراء حبيبتي" وتضيف في قصيدة "أنا لازلت عربية" (ص72): "كراسات شعري وأقلامي تصرخ فوق الورق ومن ينقذني من الأرق وبلادي مشنوقة بأيادٍ لاتدري سوى العنصرية" وتؤكد "الهروب منها" (ص76) ذلك الشعور بالتهميش وغياب القيم بقولها:- "فيغرقون ويشنقون أحلامهم في بلادٍ غريبة ويدوسون الحب بالأقدام ويحيا فقط الدولار .. فتصبح الأم عاهرة" وهذه النتيجة تتبعها نتائج أخرى -كما تراها شاعرتنا- في (ص117) .. تقول:- "رأيتُ الندم لي صديقًا في سوق عكاظ حين ادّعيتُ أني شاعرة! ساعتها تيقنتُ بان الحب حرام" وتساءلتْ:- "أين همس الفراشات" وتتوالى الأسئلة/الدعوة لإعمال العقل ، فتقول في (ص121): "تساءلتُ هل كان مابين القلوب خديعة؟" وتأتي الإجابة على لسان الجدة - والجدة في أول الديوان هي الشاعرة نفسها لحظة انتظار الفجر والأمل في المستقبل حيثُ توجه حديثها إلى حفيداتها ، واللائي "تعيش بأحلامهن" (كما في الإهداء) ، بينما تصير الجدة في خاتمة الديوان هي الشاعرة بعد أن أصابها الهلع في قصيدة "بقايا" -خاتمة الديوان- تقول:- "علّمتني جدتي أن الحب الأول خرافة مثل المستحيل ومن ساعتها أصبح قلبي تلميذًا عجوزًا يرتعد المطر ويرتدي الجوارب والسراويل أشياء لامعنى لها سوى قبر المشاعر" والإشارة هنا إلى مَنْ لايفهمون من الدين سوى الشكل والجسد الملموس ، بينما تغيب الروح والمشاعر/المحسوس ، وقد تكون الإشارة إلى تلك الجماعات في أي مكان ، ومن ثمّ لايبقى إلا التمرد على تلك الجدة/الهوية ومن هنا نعود إلى تلك الأسئلة من قصيدة "حبيبتي أوشكت على الرحيل" .. تقول في (ص33):- "مَنْ بدّل الملاحة؟ وحطم برواز صورتها وحوّل وجهها .. وخنق القمر وباع .." حتى تصل إلى:- "أين حنانك؟" وبهذه الأسئلة يأتي تفسير الحلم/الكابوس ، والرد على المتشدقين بالحب حتى تغيّرت معانيه واختفت مدائن الذكريات خلف صندوق "الشات" والخوف الذي سيطر على الجميع تقول في "الهروب منها" (ص75): "الهروب في وطني بلا سبب والقهر على وجوه الصغار قنبلةٌ موقوتة في الشوارع" وتزداد الصورة حين تقول (ص78): "ضاع عرابي وسعد وناصر .. المعري ليس أعمى وقيس ليس مجنونًا وعنترة ماأحب عبلة وثوبي المزين يوم عرسي بات أطلالا" ولم يغفلُ الخوفُ الأجنة .. تقول (ص32):- "خرج فارسي مخنثًا" ثم تتساءل (ص62):- "هل جاءها المخاض فأتى الوليد يحمل سيفه ابتار أم خنثوه فراح يرقص بين الجواري وألقى رجولته فوق الجدار إلى متى حبيبتي؟ النار تستعر " هذه الصور القاتمة للمجتمع لم ترحم "سلمى" ، وسلمى هنا هي إحدى حفيداتها ، وهي -كما هو معروف- رمز لمصر .. ورغم ذلك تعتبر شاعرتنا أن سلمى هي مجرد خبر من العراف ، بينما هي لم تأتِ بعد ، وفي حالِ وجودها سوف تزيح الجميع وتحتل مكانة بجرأة ، ولكن الجرأة لن تكتمل ، فستجد سلمى نفسها قابعة تحت قدميه .. ، والهاء تعود على العاشق ، ولأن الجرأة غير مكتملة ، فلابد من إتمام الدورة/الثورة تقول في (ص24):- "فتأتي سلمى جريئة" ومن قصيدة "في عيدها يغتصبونها" (ص42) تقول:- "تناسي وتغاضي وانتشي وارقصي رقصة الموت مع الأحزان" وكأنها رسالة مؤقتة لمرحلة انتقالية حتى يتسنى لها إتمام تلك الدائرة ، ولو من خلال الأجيال القادمة تقول (ص60):- "فزمام جمالها أبدًا لن يموت فلقد أوصت به للحفيدة" وتعود إلى تطلعاتها في (ص77):- "وآه لو سثور الجياع" وتبرّر ذلك بقولها في (ص45): "الموت أجمل حين يئن الوطن" ومن قصيدة "النيل يُعلن الاعتصام" (ص47) تقول:- "ماذا تبقى والوطن يئنّ في استكانة والمصري يلفّه الذل وتنهكه المهانة ماذا بقي والطيور تهجر الأعشاش" والحقيقة تؤكد على مدى التاريخ أن مصر مقبرة الغزاة ، وهي أول دولة تؤسس للأمن القومي، وأن أبناءها حماة الوطن ، ويحضرني قول مصطفى كامل: "لو لم أكن مصريًّا لودَدْت أن أكون مصريًّا" ، وكم تغنى الشعراء بدرّة الزمان ومعجزة الموقع والمناخ ومهد الحضارات وملتقى الأديان .. ، وإن كان ذلك سببا في الأطماع والمخططات! * كانت هذه جولة سريعة بين صفحات الديوان ، ولا أُنكر أنه للوهلة الأولى من القراءة ظهرت بعض صور "حفرتها تجاعيد الأمل" ، فأزاحت الستار عن شيءٍ ما في مكنون هذا الديوان ، إذْ ضم 28قصيدة نثرية بدأت ب "همس الوداع" واختتمت ب "بقايا"، ورغم سهولة الصور الشعرية فيها وبساطة الرمز ،إلا أن بعضها جعلني أتوقف/أتأمل ، ومن هذه الصور: "في سنوات حصاري العجاف استظلت صحرائي بالمطر شيء أزليّ يسكنني .. اسمه الوطن" (قصيدة ماتبقى في عينيك سوى ظلال ص29) أما في قصيدة النيل يُعلن الاعتصام (ص48) قالت الشاعرة فاطمة الزهراء فلا:- "الحزن تطاول علينا" بينما قالت في قصيدة "سقطت عنكم أوراق التوت" (88):- "وحين بالت ثورتي على نفسها"! وفي قصيدة "ربما تنبتُ .. " (ص101):- "وبعدما لسنّ اليأس وصلت شهر زاد تحسّست أعضاء أنوثتها وهمهمت"!! ومن قصيدة "في عيدها يغتصبونها" (ص42) أعلنت:- "استبشري شهر زاد بحكم الإخوان حتى لو نثروا الجماجم فوق ثوبك اللامع ووضعوا بصدرك قلادة من الذهب الرنان" **وكما توقفتُ عند بعض الصور ، فقد شدتني بعض السطور المُمَوسقة مثل:- "وفي المدى تاه النغم" (ص15) "قصي جدائلك الطويلة شهر زاد" (ص41) "القيد أدماني" (ص71) وكذلك فرضت نفسها عدة ملاحظات ، ولذا لزم التنويه - اللغة: وردت عدة عبارات غير دقيقة لغويًّا منها: - "ربما تنبت في سن اليأس زهرة" (ص102) ، والاسم الطبي "سن الأيس" - "أحبك في زمن مُر/مر - حبًّا ليس به أشواق .. حب لايعترف بالهمس" (ص23) ، لفظة "حب" الثانية جاءت مرفوعة والصحيح منصوبة -"وأرسم عازف يغني لحن الفراق" (ص28) والصحيح عازفًا -"والليلة بكل وقاحة - تُغتصبي بكل وقاحة" الصحيح "تُغتصبين" ، وما الجديد في التكرار؟ - "وأبدًا لن تذبلين" ، والصحيح تذبلي -"اليوم يضربوني بالسياط ويمنعوا أحبابي" (ص73) ، والصحيح يمنعون ، ويضربونني - "كانت لهم مطالبًا شرعية" (ص73) ، والصحيح مطالب -"لكنك تمنحيه للغرباء" (ص97) ، والصحيح تمنحينه وفي صفحات (98،99،78) جاءت الكلمات "صريح ، مريح ، أطفال ، موقد ، غامق ، فاتح" كلها مرفوعة ، والصحيح أن تكون منصوبة وهذه أمثلة سريعة كانت بحاجة إلى مراجعة الناشر/المطبعة - كلمات ناقصة حروف مثل اليو(69) ، ي (ص94) ، لني (ص94) والصحيح هي "اليوم" ، "في" ، "لكني" -وجود مسافات بين حروف الكلمة الواحدة ، وعدم وجود مسافات بين الكلمتين المتجاورتين مثل "حداد ه" ص31 ، "فترجمهابالشهب" ص51 - تداخل الأسطر مع بعضها .. كما في ص51،66،102 - غياب نقطتي التاء المربوطة مثل "ياأحبه" ص94 وأكتفي بهذه الرحلة الماتعة ،مع خالص التهاني للمثابرة شاعرتنا فاطمة الزهراء فلا ، ومزيد من الإصدارات والتألق