لذلك فإن اقتراحا مثل إنشاء مجلس استشاري يضم كل التخصصات العلمية والنظرية والثقافية ويمثل النواة للضغط لإنشاء مركز قومي للتعليم يدرس ويقدم الخطط للتطوير والنهوض بالعملية العقلية والبحث العلمي في مصر أصبح حاجة ملحة. علي مدار يومين التقي المفكرون والعلماء والمثقفون بمكتبة الإسكندرية في حوار مهم لمناقشة تقرير مرصد الإصلاح العربي "الثالث" حول مختلف القضايا المهمة ولكن المحور الرئيسي هذا العام كان لتقرير المرصد حول الإصلاح التعليمي أو الأوضاع التعليمية. وتخلل اللقاء عرضا ومناقشات عما تفعله المكتبة خاصة في مجال أنشطتها المتعلقة بالتراث والتاريخ وقدم لهما د. يوسف زيدان ود. خالد عزب عرضا بديعا حول الاهتمام بالتراث والمخطوطات وإعادة قراءة لهما بجانب العمل الكبير المسمي "ذاكرة مصر المعاصرة". واختتم اللقاء بمحاضرة ونقاش طويل للدكتور إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة وأعقبه إعلان نتائج المرصد حول تقرير التعليم في الوطن العربي وقام به د. سامح فوزي.. مما أتاح لعدد كبير من المشتغلين والمقربين من الرأي العام أن يتعرفوا علي واقع ما يحدث في التعليم وللأسف نتائجه لا تبشر بالخير أو علي الأقل إمكانية حدوث في مستوي التعليم في الوطن العربي وعلي رأسه مصر. وكعادته في التحليل الدقيق لما يحدث في العالم خاصة في جوانبه المتعلقة بالتنمية البشرية، فجر د. إسماعيل مفاجأة بتحليله أنه يتوقع أن يتفوق الاقتصاد الصيني "يحتل المرتبة الثانية عالميا" الآن حجم الاقتصاد الأمريكي الذي مازال في المرتبة الأولي وذلك خلال العشر سنوات القادمة وذلك من خلال زيادة حجم التنافسية التي أصبحت مرهونة في المقام الأول بالتعليم لجيل المستقبل. وهذا هو المدخل الذي تحدث به عن مصر حيث أكد أن كل شيء في الإصلاح وخاصة في الأوضاع الداخلية مرهون بإصلاح جذري للتعليم بل إنه ولأول مرة يستخدم لفظ الثورة التعليمية وضرورة أن تقوم الآن بدون تأخير وليس حتي في الغد القريب حتي نستطيع أن نقفز خلال عشر سنوات والتجربة الصينية أمامنا حيث كانوا في وضع تعليمي وثقافي لا يحسدون عليه ولكن الآن ومن خلال الثورة التعليمية أصبحت تنافس علي المركز الأول، ولكن يبقي السؤال المهم أو المعضلة الرئيسية هي كيف يمكن أن تحدث ثورة تعليمية عاجلة وآنية في وقت واحد في ظل ما نعيشه يوميا سواء من تدني في نسبة الإنفاق علي التعليم "4،3% من الدخل القومي"، كما قال د. يسري الجمل وزير التربية والتعليم السابق في مداخلة له في حين أننا نحتاج إلي حد أدني 5،6% نسبة إنفاق ولمدة طويلة إذا كنا نريد طفرة تعليمية أو كما أكد د. هاني هلال وزير التعليم العالي والبحث العلمي أمام لجنة التعليم بمجلس الشوري بأن الإنفاق علي التعليم ضعيف وليس علي أولويات موازنة الدولة في وقتها الحالي؟ ولأني أعلم أن الكلمة أقوي من أي سلاح وأن استخدام سلاح الفكر والإلحاح الدائم علي قضايا الإصلاح في التعليم لابد وأن تمتد في النهاية من الاهتمام به والالتفاف إلي قضاياه المهمة والملحة لكن تبقي المعضلة الرئيسية قائمة أيضا في أين هي الآلية التي يمكن أن تحدث الإصلاح انتقالا إلي الثورة التعليمية التي أصبحت حتمية كما يؤكد د. إسماعيل سراج الدين، خاصة أن المثقفين لا يملكون إلا الكلمة والحوار ومن هنا أصبح التفكير والإلحاح علي إشاعة مناخ الحوار والكتابة عن قضايا التعليم والفكر وربطها بالتقدم والحرية والدولة المدنية والحديثة قضية ملحة. لذلك فإن اقتراحا مثل إنشاء مجلس استشاري يضم كل التخصصات العلمية والنظرية والثقافية ويمثل النواة للضغط لإنشاء مركز قومي للتعليم يدرس ويقدم الخطط للتطوير والنهوض بالعملية العقلية والبحث العلمي في مصر أصبح حاجة ملحة. لأنه من الغريب أن جميع المجالات في مصر لديها مجلس أعلي من الثقافة والرياضة والنقل والطاقة والقوات المسلحة في حين أن قطاعا حيويا ورئيسيا مثل التعليم ليس به مجلس أعلي قومي للتخطيط له، ومن هنا جاءت أزمة التعليم المتكررة التي نعيشها منذ أكثر من نصف قرن وهي تغيير السياسات والأولويات طبقا لكل تغيير وزاري يشمل مسئولية وزارات التعليم ومجلسا استشاريا ليس معضلة كبري فقط علينا أن نبدأ بطرح الفكرة والإلحاح عليها وسوف تحدث بالتأكيد علي مر الأيام، يرتبط بذلك بالضرورة الاهتمام بوجود إعلام ووسائل نشر تهتم بالحديث والنشر في قضايا المعرفة والثقافة والعلم وكل ذلك من أجل المستقبل والمساهمة في تكوين عقل الأجيال الجديدة.. وأعتقد أنه آن الأوان لمكتبة الإسكندرية، هذا الصرح الثقافي الذي يتطور عمله يوما بعد يوم من التفكير في هذه الآلية الإعلامية.. لنشر التنوير والعلم وثقافة الحوار والدولة المدنية.. لأنه ليس تعصبا للوطن مصر ولكن إذا حدث بالفعل في مصر تطور علمي وثقافي واجتماعي فإن آثاره بالضرورة سوف تنتقل إلي بقية أجزاء الوطن العربي بل وإلي أفريقيا التي أعتقد أنها البوابة الحقيقية للعبور المصري والدولي في المرحلة القادمة. ومن هنا تأتي القراءة في نتائج المرصد العربي للإصلاح وتقريره حول أوضاع التعليم في المنطقة العربية الذي قسم التقرير إلي أربع مناطق جغرافية هي المشرق العربي والجزيرة العربية ودول الوسط "منها مصر" ودول المغرب العربي واستطلاع نتائج الدراسة توضح بما لا يدعي مجالا للشك في أننا بالفعل في الهم شرق خاصة فيما يتعلق بقضايا التعليم وإصلاحه.فقد كشف استطلاع رأي النخبة عن أن قضية الدروس الخصوصية تأتي في المرتبة الأولي كمشكلة في كل البلاد وبنسبة تجاوزت 5،45% في كل المناطق قد ترتفع في دول منطقة الوسط ومنها مصر وتنخفض في دول الجزيرة العربية لكنها تظل المشكلة الأولي في كل الدول العربية ثم تأتي مشكلة الغش والفساد في المرتبة الثانية لمشاكل التعليم في المنطقة وهي بالتأكيد مرتبطة بأزمة الدروس الخصوصية وبنسبة متساوية للغش والفساد تأتي قضية أو مأساة الاعتماد علي الحفظ والتلقين كأحد المشاكل المزمنة في التعليم العربي يليها مباشرة في المركز الرابع مشكلة التسرب من التعليم أو بلفظ آخر الأمية والارتداد إليها ثم يشيد التقرير إلي عدد من المشاكل الأخري وأغلبها حصل علي نسبة ما بين 10% إلي 15% من آراء النخبة مثل التوسع في التعليم الخاص وضعف الاهتمام بالتعليم الفني ومركزية نظم التعليم والتسلطية ولكن المفاجأة الحقيقية التي كشف عنها التقرير أن الاهتمام بالتخصصات العلمية يأتي في المرتبة الأخيرة عربيا وبنسبة 4% وهذا تؤكده جميع الآراء والإحصائيات عن تدني الاهتمام بالعلوم والبحث العلمي عربيا وهو مؤشر خطير إذا كنا نتحدث عن المستقبل والتنافسية فيه مع العالم. ولعل ما كشف عنه التقرير أيضا استمرار المشاكل الثقافية المرتبطة بالتعليم مثل تكافؤ الفرص والتفرقة بين البنين والبنات في المدارس ونمو ظاهرة التعليم الوطني.. أو الدولة الوطنية أولا يليها الدولة الإسلامية والتعليم الديني قبل الدولة العربية وهذا مؤشر مهم يجب الاهتمام إليه ودراسته بعمق خاصة في الاتجاه إلي الدول الأصولية الدينية كبديل عن الدولة المدنية الحديثة، أما الحديث عن التعليم للفقراء، فقد أجمعت الآراء علي أن هناك تدنيا للاهتمام بهم. وهكذا نكون جميعا في الدول العربية في الهم شرق ولعل الثورة العلمية والتعليمية باتت ضرورة ملحة بشرط أن نوفر لها الآلية التي أري أن المثقفين والعلماء عليهم دور كبير في الإلحاح علي الثورة وليس الإصلاح فالفكر أبقي من السيف كما قال نابليون بونابرت.