الأساتذة والعلماء الأجلاء أبنائى الطلبة والطالبات .. الإخوة والأخوات .. "أتحدث إليكم فى عيد العلم .. نلتقى معا لنؤكد تقديرنا للعلم والعلماء ..واعتزازنا بمفكرى مصر وباحثيها وعقولها المبدعة .. ولنحتفى بنخبة متميزة من الفائزين بالجوائز المصرية والدولية الرفيعة .. فى مجالات العلوم والتكنولوجيا المتقدمة. "يأتى احتفالنا اليوم بعيد العلم تكريما للنبوغ والتفوق والاجتهاد فى خدمة الوطن .. وتعبيرا عن إيماننا بدور العلم والتعليم والبحث العلمى فى بناء مجتمع المعرفة الذى نسعى إليه". "إن مجتمع المعرفة القائم على التعليم والبحث العلمى والابتكار هو طريقنا لمجتمع مصرى حديث ومتطور، مجتمع ينطلق من نظام تعليمى يواكب روح العصر، يلاحق الطفرة غير المسبوقة فى العلوم والتكنولوجيا بالقرن الحادى والعشرين ، يتيح المناخ المواتى للدارسين والعلماء والباحثين، ويولى الأولوية الواجبة للبحث العلمى، ليكون قاطرة للنمو، وليقود حركة المجتمع نحو المستقبل". "مجتمع متطور لدولة مدنية حديثة، لا مجال فيه لفكر منحرف يخلط الدين بالسياسة والسياسة بالدين، لا مكان فيه للجهل والتعصب والتحريض الطائفى، يرسخ قيم المواطنة بين أبنائه قولا وعملا، ولا يفرق بين مسلميه وأقباطه". "لقد أدمى العمل الإجرامى فى نجع جمادى قلوب المصريين .. أقباطا ومسلمين .. وبرغم تعليماتى بسرعة تعقب مرتكبيه ومعاقبتهم بقوة القانون وحسمه فإننى أسارع بتأكيد أن عقلاء هذا الشعب ودعاته ومفكريه ومثقفيه وإعلامييه يتحملون مسئولية كبرى فى محاصرة الفتنة والجهل والتعصب الأعمى والتصدى لنوازع طائفية مقيتة تهدد وحدة مجتمعنا وتماسك أبنائه .. وتسيء لصورة مصر..مهد الحضارة والتسامح عبر التاريخ". الإخوة والأخوات .. "إن هذه الرؤية لمجتمع المعرفة وقضايا العلم والعلماء والتعليم والبحث العلمى..هى جزء لا يتجزأ من رؤية شاملة لحاضر الوطن ومستقبله، وتذكرون أننى أثرت هذه القضايا أمام المؤتمر القومى لتطوير التعليم العام قبل الماضى، وأمام الجلسة المشتركة لمجلسى الشعب والشورى فى افتتاح الدورة البرلمانية الحالية وفى مناسبات أخرى عديدة". "وليس أنسب من احتفالنا اليوم بعيد العلم لكى أطرح مجددا - أمامكم وأمام الشعب - محاور تعاملنا مع هذه القضايا فى صلتها بتحرك المجتمع المصرى وأولوياته فى المرحلتين الحالية والمقبلة". "إن لدينا أولويتين رئيسيتين، اليوم وغدا وبعد الغد، الأولى هى مواصلة تحقيق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادى والتنمية باستثمارات ومشروعات جديدة تتيح المزيد من فرص العمل لشبابنا وشاباتنا وتسهم فى تطوير ما يقدم للمواطنين من خدمات، والأولوية الثانية هى المضى فى توسيع قاعدة العدل الاجتماعى بين أبناء الوطن وتحقيق العدالة فى توزيع عوائد التنمية وثمارها بين شتى المحافظات، ويتعين أن يأتى تعاملنا مع قضايا العلم والتعليم والبحث العلمى محققا لهاتين الأوليتين". "لقد نجحنا فى احتواء تداعيات أزمة ركود الاقتصاد العالمى دون أن ينكمش اقتصادنا .. ونعمل على أن نعود بمعدلات النمو الاقتصادى إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، بل وتجاوزها". "إن هذه الأولوية تطرح مجددا - وبقوة - الضرورة الملحة لربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل، وهو ما يطرح - بدوره - ضرورة التركيز على التعليم الفنى، وتطويره ، وتغيير ثقافة المجتمع تجاهه والضرورة المماثلة لتطوير التعليم العالى فى ذات الاتجاه وتحقيقا لذات الهدف". "وعلى نحو مماثل فإن قضايا العلم والتعليم والبحث العلمى لابد أن تأتى فى سياق ما نوليه من أولوية لتوسيع قاعدة العدل الاجتماعى وتطوير الخدمات". "إننا ماضون فى إتاحة المزيد من التعليم الجامعى وقبل الجامعى ومواصلة تطويره ، لنتيح فرصا متكافئة أمام الجميع فى الحصول على تعليم مرتفع الجودة، وبرامج للتدريب وإعادة التأهيل كل بحسب اجتهاده وقدراته وإمكاناته". "تلك هى صلة قضايا العلم والتعليم والبحث العلمى ، بأولويات العمل الوطنى فى المرحلتين الحالية والمقبلة ، وهى صلة وثيقة يتعين أن تكون حاضرة فى وعى وإدراك مجتمعنا ، ولدى تقييمنا لما حققناه وما نسعى لتحقيقه إزاء هذه القضايا وتلك الأولويات فى تشابكها والعلاقة العضوية التى تربط بين مختلف حلقاتها ، فلا سبيل لتطوير البحث العلمى دون تطوير جاد ومستمر للتعليم الجامعى ، ولا يتحقق هذا التطوير دون تطوير مماثل للتعليم قبل الجامعى". "وكما تعلمون فقد كان لدينا عام 1981 نحو 14 ألف مدرسة..وصار لدينا الآن أكثر من 40 ألف مدرسة ، وتجاوز عدد المدارس التى أقمناها خلال السنوات الأربع الماضية 1800 مدرسة ، ولدينا أكبر شبكة للتعليم فى المنطقة ، تقدم خدمات التعليم لنحو (18) مليون من طلبة وطالبات المرحلة قبل الجامعية". "إننا ماضون فى تنفيذ الخطة القومية لتطوير التعليم قبل الجامعى خلال الفترة (2007/2012) ، أنشأنا الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، والأكاديمية المهنية للمعلمين، اعتمدنا كادرا خاصا للقائمين على العملية التعليمية ، ونواصل جهودنا للارتقاء بقدراتهم ولتطوير المناهج وطرق التدريس ، ونمضى فى مبادرة (التعليم للجميع) للوصول بالخدمات التعليمية للقرى الأكثر فقرا والمناطق المحرومة". "وفيما يتصل بالتعليم العالى كان لدينا عام 1981 (199) من الكليات والمعاهد، زادت اليوم لأكثر من (600) كلية ومعهد ، بلغ عدد الدارسين بالتعليم العالى آنذاك نحو 700 ألف طالب وطالبة ، ويتجاوز عددهم اليوم 5ر2 مليون من الدارسين". "إننى أتابع تنفيذ إستراتيجية تطوير التعليم العالى ، وهى إستراتيجية تضع خطط تطويره حتى عام 2022 ، تتيح مواصلة التوسع فى التعليم العالى والارتقاء بجودته، وتولى الاهتمام الضرورى لتطوير المناهج والتخصصات ، واحتياجات التدريب والتأهيل لسوق العمل". "وتحقيقا لهذا الهدف .. وتعزيزا لدور الدولة..فقد اعتمد البرلمان العام الماضى القانون المنظم لإنشاء الجامعات الخاصة والأهلية.. وكما تعلمون .. فقد زاد عدد الجامعات الخاصة من 10 جامعات عام 2006 ، إلى 20 جامعة العام الحالى، كما أننا نشجع مؤسسات المجتمع المدنى على إنشاء جامعات أهلية غير هادفة للربح تسهم فى تلبية الطلب المتزايد على التعليم العالى ، تركز على التخصصات المطلوبة لسوق العمل ، وتطبق معايير الجودة فيما تقدمه من الخدمات التعليمية". "إننا نمضى حاليا فى تطوير مائة من كليات جامعاتنا تمهيدا لحصولها على شهادة الهيئة القومية لجودة التعليم والاعتماد ، نعمل على الارتقاء بمستوى جامعاتنا، لتعود - كسابق عهدها - إلى خريطة الجامعات المتميزة على المستوى الدولى ، نركز على التخصصات المطلوبة لسوق العمل ، نطور المناهج وطرق التدريس ، ونعزز تعاوننا العلمى والتكنولوجى مع شركائنا من الدول الصديقة". الإخوة والأخوات .. "إن نجاحنا فى تطوير التعليم الجامعى وقبل الجامعى ، هو الشرط الضرورى واللازم لتطوير البحث العلمى وتوظيفه فى خدمة المجتمع ونهضة الوطن". "إن لدينا رصيدا ضخما من العلماء والباحثين ، وخبرات متميزة بالعديد من الجامعات ومراكز الدراسات والأبحاث ، والمطلوب هو إرساء وتفعيل إطار مؤسسى، يوظف هذه العقول والخبرات من أجل قضايا مصر والمصريين". "لقد أنشأنا المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا وعهدنا إليه بوضع أولويات ما نحتاج إليه من أبحاث ودراسات تستجيب لأولويات عملنا الوطنى وأولويات مجتمعنا، كما أنشأنا صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية ليكون آلية للتمويل توفر الموارد اللازمة لأنشطة البحث العلمى وأولوياته ، ويظل التساؤل مطروحا..هل ذلك كاف فى حد ذاته؟. "إن العالم يتجه اليوم للاقتصاد القائم على المعرفة والتقدم التكنولوجى، وأصبحت القيمة المضافة للناتج القومى من الاستثمار فى البحث العلمى وحقوق الاختراع والابتكار تتجاوز بكثير القيمة المضافة من الاستثمار فى قطاع الصناعة وغيره من قطاعات الإنتاج والخدمات". "إن تطوير البحث العلمى يحتاج لجهود كافة قوى المجتمع باعتباره هدفا مشتركا ومسئولية مشتركة، إننى أطالب الحكومة بالمضى فى الرفع التدريجى للموارد المخصصة للبحث العلمى، كما أطالب رجال الصناعة والأعمال ومؤسسات المجتمع المدنى بأن يسهموا بسخاء فى تدبير الموارد المالية المطلوبة تحقيقا لهذا الهدف .. وتحملا لهذه المسئولية". "وأقول لكم بكل الصدق والمصارحة إن الفارق بين ما نحققه وما نتمناه لتطوير التعليم والبحث العلمى إنما يعكس الفارق بين سقف طموحنا ومحدودية مواردنا خاصة مع الزيادة السنوية الضخمة فى عدد السكان ، ويكفى أن أشير فى هذا السياق إلى أن الدين العام الداخلى قد ارتفع العام الماضى بما يزيد عن 60 مليار جنيه تمثل الفارق بين إيرادات الموازنة العامة للدولة ومصروفاتها ، وبرغم توجيهاتى للحكومة للحفاظ على عجز الميزانية والدين العام فى حدود آمنة ، فإن علينا أن نعترف بأننا نواجه معضلة الفارق بين ما ننشده للوطن وأبنائه ، وقدرة مواردنا على الوفاء به". "ستظل مشكلة التمويل العقبة الكبرى أمام جهودنا لتطوير التعليم والبحث العلمى ، وعلينا أن نواجه حقيقة أن ما نخصصه للدعم بمختلف أشكاله قد تجاوز فى ميزانية العام الماضى 95 مليار جنيه ، وهو ما يزيد عن مجموع ما ننفقه على خدمات التعليم والرعاية الصحية ، ويظل التساؤل مطروحا وبقوة هل يستقيم هذا الوضع ؟ ، وهل يمكننا الاستمرار فى تحمل أعبائه وتبعاته على حاضر ومستقبل الوطن؟" . "لقد طرحت قضية تطوير التعليم الثانوى ونظام القبول بالتعليم العالى لحوار مجتمعى مستفيض، شاركت فيه مختلف الأطراف المعنية والمستفيدة من التطوير المطلوب. "حوار تواصل حول هذه القضية خلال العامين الماضيين من أجل تنفيذ توصيات المؤتمر القومى الذى دعت إليه شهر مايو عام 2008، ولقد وجهت الحكومة للمضى فى تنفيذ هذه التوصيات وفق برنامج زمنى واضح ومحدد مع تدبير الموارد المالية اللازمة لذلك". "لقد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح، وإننى أتابع تنفيذ إستراتيجية تطوير التعليم بشقيه باعتبار ذلك هدفا قوميا رئيسيا للوطن والمواطنين، إن لدينا حاجة ماسة للتوسع فى لامركزية التعليم باعتباره توجها شاملا للدولة لتعزيز اللامركزية". "ولدينا حاجة مماثلة لإطار تشريعى أكثر تحفيزا للعلماء والباحثين، يشجع القطاع الخاص ورجال الصناعة والأعمال ومؤسسات المجتمع المدنى على الاستثمار فى البحث العلمى والتطوير والابتكار، ويحقق خطة الدولة للتوسع الرأسى والأفقى فى منظومة التعليم العالى والعلوم والتكنولوجيا. "إننى أدعو الحكومة والبرلمان لدراسة أفضل السبل لتوفير موارد إضافية لهذه المنظومة المهمة بتشريع يحررها من قيود ومصاعب التمويل، ويأخذ فى اعتباره تجارب من سبقنا من الدول المتقدمة. "إننا نتطلع جميعا لتعليم متطور لمدارس وجامعات تندمج بمجتمعاتها المحلية، تعى شواغل الوطن وقضاياه وأولوياته، وتسهم فى صنع حاضره ومستقبله بأجيال مؤهلة قادرة على العطاء". "نتطلع لعلماء مصر وباحثيها وأساتذتها ليسهموا بعلمهم وأبحاثهم فى المجالات العديدة ذات الأولوية، يدعمون جهودنا لتنمية مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وبرنامجنا للمحطات النووية لتوليد الكهرباء، يساندون جهودنا للتنمية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائى، ويتصدون بأبحاثهم لقضايا رفع الإنتاجية ومكافحة التصحر وتداعيات تغير المناخ، ولمعاناة شعبنا من الأمراض المتوطنة والتهابات الكبد الفيروسية والسرطان وغيرها". "نتطلع لكل ذلك ولغيره من العلماء والمعلمين وأعضاء هيئات التدريس، فهم عماد النهضة العلمية والتعليمية التى نتطلع إليها، وإننى على ثقة فى قدرتهم على مواصلة العطاء من أجل مصر وأبنائها، مؤمنين برسالتهم النبيلة، متحملين الأمانة والمسئولية بصدق وتجرد، باذلين من جهدهم وعلمهم من أجل طلبتهم، ومجتمعهم ووطنهم". وكل عام وأنتم بخير،، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.