خلال احتفال مصر بعيد العلم شدد الرئيس مبارك خلال خطابه علي دور البحث العلمي خلال المرحلة المقبلة وأهمية ربطه بالصناعة, وكان سيادته قد أكد من قبل وخلال افتتاحه الدورة البرلمانية قيمة البحث العلمي وأهميته للنهوض بالاقتصاد من خلال رؤية مستقبلية لتطويره, ويبدو ان الاستاذة سهير هدايت قد تنبهت إلي ذلك فكتبت موضوعا في صفحة شباب وتعليم بجريدة الأهرام بتاريخ1 2 2010 تحت عنواناستراتيجية متكاملة لتطوير البحث العلمي وفي سياق التقرير استعرضت عددا من التصريحات لمسئولين بوزارة البحث العلمي, أشاروا لما تقوم به الوزارة من جهد في هذا الصدد مثل إنشاء مجلس أعلي للعلوم, وصندوق للعلوم والتكنولوجيا, ومجالس متخصصة وتقديم منح لشباب الباحثين وتطوير المتاحف البحرية وتطوير قناة المنارة التليفزيونية. والحقيقة اللافتة للنظر انه يبدو أننا في حاجة شديدة لتعريف كلمة استراتيجية للبحث العلمي, فالأفكار الجميلة والاجتماعات الدورية والإجراءات اليومية شيء مهم ولكن استراتيجية العمل شئ أخر, فالمقصود بالاستراتيجية أنها برنامج عمل زمني يستغرق مدة تتراوح من عشر إلي عشرين سنة يتم تقسيمه الي مرحلتين أوثلاث, كل مرحلة تنتهي بنتائج واضحة يتم البناء عليها عند البدء في المرحلة التالية, ويكون هذا البرنامج الزمني برنامجا شاملا يمثل تخطيطا مستقبليا للنهوض بالبحث العلمي مما يؤهله لتحقيق ماينادي به السيدالرئيس فعلي سبيل المثال لو أردنا وضع استراتيجية فعلية يتعين علينا ان نبدأ ومن الآن تحديد اهداف محددة من خلال اعداد برنامج يشمل عدة محاور: الأول يشمل تطوير الإدارة بما في ذلك الملفات الخاصة بتنظيم التعيينات والترقيات والإعارات والمنح والرعاية الصحية والاجتماعية للعلماء, مع الجرأة في اقتحام المشاكل المزمنة مثل قضايا الأجور ووضع برامج للارتقاء بها بدلا من الحلول المؤقتة التي تؤدي إلي مشاكل تبعد العلماء عن مسارهم العلمي, كذلك فإن وضع معايير واضحة وثابتة لتعيين القيادات تعتمد علي اختيار الكفاءات من خلال برامج مستمرة لاعداد تلك القيادات, كذلك وضع أسس للمشاركة الفعلية للعلماء في اتخاذ القرارات المصيرية التي تخصهم ومستقبلهم العلمي يعتبر من الضروريات في تطوير العمل لايجاد مناخ صحي يساعدهم علي إظهار ابداعاتهم وأفكارهم. بجانب كل ذلك, فلابد أن يوضع برنامج زمني للأعداد المطلوبة للعمل في مجال العلم خلال السنوات المقبلة, فيكون واضحا للجميع ان عدد الباحثين سوف يكون كذا بعد خمس سنوات ثم كذا بعد عشر سنوات وبذلك تكون هناك خطط واضحة للعمل لاتتقيد بتغييرالاشخاص, ومن الضروري إيجاد تصور محدد لوضع عدد مراكز البحوث بمصر خلال السنوات المقبلةفهل تبقي كماهي؟ أو يدمج بعضها,أم يزداد عددها؟ هل تنتشر في المحافظات؟ هل يشارك القطاع الخاص في إنشائها وتمويلها وكيف يحدث ذلك؟ كل ذلك يجب ان يوضع وبوضوح, كذلك فإن تجديد البنية التحتية للمؤسسات العلمية لابد له من برنامج زمني يحقق المستهدف خلال فترة الاستراتيجية, أما المحور الثاني للاستراتيجية فهو خطة قومية بحثية تعتمد علي المشاكل التي يعاني منها المجتمع في الزراعة والصحة والصناعة والبيئة وفي النواحي الاجتماعية والاقتصادية, وكذلك خطة ذات بعد مستقبلي يشمل الاكتشافات والاختراعات العلمية التي يمكن ان تؤدي إلي منتجات جديدة, بل لعلي أذهب اكثر من ذلك عندما أتوقع لتلك الخطة ان تضع برامج الاحتمالات المستقبلية مثل التغيرات المناخية والمشاكل التي قد تحدث في المستقبل نتيجة التوسعات العمرانية وقلة الموارد المائية والحاجة لبدائل جديدة للطاقة والي اخره من برامج استشراف المستقبل.إن تلك الخطة لابد ان تنال موافقة الحكومة بالكامل, وتراعي التنسيق بين الجهات التابعة للوزارات, وفي اعتقادي ان أي خطة قومية موضوعة بصورة علمية تتماشي مع الواقع الفعلي للمجتمع, لابد انها سوف تنال موافقة وإجماع كل الوزارات والجهات التابعة للدولة. وإذا انتقلنا للمحور الثالث فإنه واحدامن أهم البنود عند وضع أي استراتيجية للنهوض العلمي, واقصد هنا المحور الخاص بالعلماء المصريين بالخارج, إننا في اشد الحاجة لجهد هؤلاء العلماء, ومع إقرارنا بأنه تم في السنوات الماضية عدة محاولات للاستفادة بهم إلا انه وبمنتهي الصراحة فالنتيجة ليست تلك التي نتطلع إليها, فنحن في أشد الحاجة لبرامج لاتعتمد علي رحلات قصيرة لبعض الخبراء أو دعوات لحضور المؤتمرات أو عضوية بعض اللجان, فالموضوع اكبر من ذلك بكثير, إننا في حاجة لوضع برامج خاصة لهؤلاء العلماء, فعلي سبيل المثال فإننا ننفق الملايين علي سفر الشباب من خلال البعثات العلمية وبعد انتهائها نجد الجزء الأكبر من هؤلاء الشباب لايعودون مرة أخري لمؤسساتهم العلمية وبذلك نخسر الأموال وخبرة هؤلاء الباحثين, بل نفقد الهدف الذي من أجله تم إرسالهم وهو نقل التكنولوجيا الحديثة إلي جامعاتنا ومراكزنا البحثية وهنا علينا طرح آلية جديدة ضمن الاستراتيجية الواجب وضعها تتضمن مثلا استعارة كبار العلماء في الخارج بتخصصاتهم المختلفة لفترات تتراوح من ثلاث إلي خمس سنوات للعمل بالكامل داخل الجامعات ومراكز البحوث وذلك مقابل مرتبات ومميزات كتلك التي يحصلون عليها بالخارج, علي أن يتم تمويل تلك المصاريف من الميزانيات المخصصة للبعثات الخارجية, اي اننا يمكن تقسيم تلك الميزانية إلي نصفين الأول يخصص لإرسال اعداد معينة في تخصصات نادرة, والنصف الأخر يخصص لتمويل عمليات الإعارة لعلمائنا بالخارج أماالمحور الرابع للاستراتيجية فيجب أن يتناول برامج جديدة وطموحة للاهتمام بالعلوم الأساسية والأبحاث المتعلقة بها كبحوث الفيزياء والرياضة والكيمياء, إن أي استراتيجية للسنوات المقبلة يجب ان تضع تلك التخصصات في مرتبة متقدمة, فبدون العمل البحثي في تلك المجالات العلمية لن نحقق أية نهضة منشودة, فكل الخطط العلمية التي تبنتها دول العالم المتقدمة ترتكز علي تعظيم الاستفادة من البحوث الأساسية التي تقود الطريق العلمي للدراسة التطبيقية. ويأتي المحور الخامس الذي يشتمل علي برنامج واقعي لزيادة الميزانية,وهنا لابد من وضع تصور مرحلي يتم من خلاله توضيح المستهدف من أجل زيادة نسبة الانفاق علي البحث العلمي من اجمالي الناتج القومي, بحيث تصل هذه النسبة إلي نحو3% علي الأقل خلال فترة عشرة إلي خمسة عشر عاما وهذا يتطلب وضع برامج واضحة لدور الدولة والقطاع الخاص في التمويل وتصبح هناك خطة تعمل الحكومة علي تحقيقها من خلال البرنامج الزمني الموضوع. ولعل طرح الأفكار الجديدة والأساليب غير التقليدية لتوفير التمويل من خلال الاستثمار في مجال العلوم والتكنولوجيا يعتبر آلية مهمة وأساسية, كما ان تخصيص أوقاف مختلفة من أجل دعم العلوم ووضع برامج التوعية المجتمعية وتشجيع فكرة الحوافز الضريبية والي اخره من طرق جذب الأموال تعتبر وسيلة فاعلة لتحقيق الزيادة المرجوة للموازنة.أما المحور الأخير فيرتكز علي قضية نشر الفكر العلمي وثقافة البحث العلمي لدي القطاعات العريضة من المصريين, فمازالت حتي الآن تسود المجتمع المصري افكار ومعتقدات وعادات باتت لاتصلح في عصر الفمتوثانية والعلاجات الجينية والنانوتكنولوجي, إننا في حاجة لبرامج طموحة لتطوير الفكر والعقل المصري, ومثل تلك تحتاج لبرنامج تشارك فيه الوزارات المختلفة بجانب الجمعيات الأهلية التي تمثل دورا مهما في هذا الموضوع, ولعل كثيرا من المشاكل التي تواجهها البلاد في الفترات الأخيرة كالإرهاب والتطرف والعنف وزيادة معدل الجرائم والانفلات الاخلاقي تعود لغياب دور العلم والثقافة العلمية فعندما يغيب العقل يغلب الجهل. إن وضع برنامج زمني واضح للتعامل التدريجي مع مشكلة الثقافة العلمية, يمثل أملا كبيرا للنهضة الفكرية المصرية والتي تمثل هدفا أساسيا من أهداف الاستراتيجية المرجوة.