هل يحرك التعصب الديني العرب؟ الواقع أن العرب، وعلي غرار كثيرين في الغرب، هم "أناس مؤمنون"؛ وقيمهم تؤثر فيها إلي حد كبير تقاليدهم الدينية بعد عقود أمضيتها في محاولة تقديم العالم العربي علي نحو أفضل للأميركيين الآخرين، أجدُ نفسي في أحيان كثيرة أصطدم بذات الأساطير وأنصاف الحقائق التي تحافظ، سنة بعد سنة، علي قدرة مقلقة علي التأثير سلباً في التفكير بشأن المنطقة. والواقع أن أحد الأسباب التي دفعتني لكتابة "أصوات عربية: ماذا يقولون لنا ولماذا ذلك مهم" هو التصدي لهذه الأساطير مباشرة وتفنيدها. وخلافاً للعديد من الكتب أو المقالات الأخري التي كتبت حول هذه المنطقة فإن كتاب "أصوات عربية" ليس إعادة سرد للتاريخ، ولا مجموعة من القصص الشخصية. صحيح أن هذه المقاربات يمكن أن تكون مفيدة، وهناك أمثلة ممتازة ساهمت مساهمة حقيقية في فهمنا علي نحو أفضل لدي الآخر؛ ولكنها قد تكون في الوقت نفسه عرضة للانحياز أو ما أسميه "العلم السيئ" -مثلما في حالة الكُتاب الذين يجنحون إلي رفع ملاحظة أو حوار عارض إلي مستوي الاستنتاج أو الخلاصة العامة القابلة للتعميم (وهنا تقفز إلي ذهني أفكار توم فريدمان تحديداً). أما نقطة انطلاقي، فهي البناء علي بيانات صلبة مستخلصة من أزيد من عقد من استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة "زغبي إنترناشيونال" في الشرق الأوسط. وحين أستعمل قصصاً شخصية، فلكي "أضع اللحم علي عظام" الأرقام بهدف المساعدة علي سرد قصص أولئك العرب الذين يجب أن نفهم واقعهم. إنني أحب استطلاعات الرأي لأنها تفتح نافذة لأصوات قلما نسمعها. وعندما نطلب من 4 آلاف عربي من المغرب إلي الإمارات العربية المتحدة ليخبرونا بمواقفهم من الولاياتالمتحدة، أو تحديد أهم انشغالاتهم السياسية، أو مواقفهم تجاه حضور النساء في سوق العمل، أو أي البرامج يشاهدونها علي التلفزيون، وعندما نرتب أجوبتهم وفق البلد، ثم السن، أو النوع أو الطبقة، ثم نستمع إلي ما يقولون، فإننا نكون قادرين عند ذلك علي تبديد الضباب والصور النمطية ومختلف أشكال سوء الفهم، بل ونكون قادرين أيضاً علي التعلم من الناس بشكل جيد. وغني عن البيان أن التعلم مهم لأن فهمنا لهذه المنطقة وشعوبها لطالما لفته الأساطير والصور النمطية السلبية المحرفة التي هيمنت علي تفكيرنا، وفي بعض الحالات، أثرت في سياساتنا. ولهذا، فأنني في كتاب "أصوات عربية" أتأمل كل واحدة من تلك الأساطير ثم أدحض الافتراضات والتصورات الخاطئة وراءها ببيانات من استطلاعات الرأي تكشف عما يفكر فيه العرب حقّاً. وإليكم الآن بعض تلك الأساطير في صيغة أسئلة، مفككة علي نحو ما ينبغي أن تفكك: هل كل العرب من طينة واحدة وبالتالي هل يمكن اختزالهم في "نوع"؟ إن قراءة التعميمات والصور النمطية المغلوطة للعرب التي نجدها في كتاب رافايل باتاي "العقل العربي" أو كتاب توم فريدمان "قواعد شرق أوسطية للتقيد بها" قد تدفع المرء للاعتقاد بذلك؛ ولكن استطلاعات الرأي التي أجريناها تكشف عن رأي مختلف تماماً؛ إذ إن ما نجده عندما نستطلع الآراء العامة هو مشهد غني ومتنوع عبر العالم العربي يتحدي الصور النمطية السائدة؛ ذلك أنه ليست ثمة فقط ثقافات فرعية متنوعة وتواريخ فريدة وخاصة تمنح الحياة ميزتها، وتجعل المصريين مثلا مختلفين عن السعوديين أو اللبنانيين، بل إن هناك أيضاً اختلافات بين الأجيال. فالشباب العربي، علي سبيل المثال، يواكب العولمة والتغيير، حيث يشترك في بواعث قلق مختلفة ويتطلع إلي أهداف مختلفة مقارنة مع جيل الآباء. كما أنه أكثر انفتاحاً علي ثقافة وقيم المساواة بين الجنسين وأقل تقيداً بالتقاليد. هل العرب مختلفون جدّاً إلي درجة أنهم لا يشكلون عالماً علي الإطلاق؟ هذا ما تريدنا مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية أن نعتقده. ففي عدد خاص العام الماضي، وصفت المجلة المنطقة باعتبارها "شيئاً كبيراً هلاميّاً، ويمكن المجادلة بأنه ليس شيئاً أصلاً"؛ غير أن استطلاعات الرأي تكشف مرة أخري العكس تماماً، حيث يُعرِّف العرب أنفسهم عبر المنطقة علي أنهم "عرب" ويصفون أنفسهم بأنهم مترابطون بلغة مشتركة (والتاريخ المشترك الذي تنطوي عليه) وبواعث قلق سياسية مشتركة؛ كما تُظهر أغلبيات من كل الأجيال وفي كل البلدان تعلقاً قويّاً بقضية فلسطين ومصير الشعب العراقي. هل كل العرب غاضبون ويكرهوننا و"قيمنا" و"نمط عيشنا"؟ في استطلاع حديث للرأي، وجدنا أن عدداً كبيراً من الأميركيين يشتركون في هذا الرأي؛ والحال أن عملنا في العالم العربي يجد أن العكس تماماً هو الصحيح، ذلك أن العرب معجبون بالشعب الأميركي؛ وهم لا يحترمون تعليمنا وتقدمنا في العلوم والتكنولوجيا فحسب، بل يحبون أيضاً "الحرية والديمقراطية". أما الشيء الذي لا يحبونه صراحةً، فهو سياساتنا تجاههم التي تدفعهم للاعتقاد بأننا لا نحبهم. ومثلما قال لي رجل أعمال عربي: "إننا نشبه محباً هجره حبيبه". هل يحرك التعصب الديني العرب؟ الواقع أن العرب، وعلي غرار كثيرين في الغرب، هم "أناس مؤمنون"؛ وقيمهم تؤثر فيها إلي حد كبير تقاليدهم الدينية؛ غير أن نسبة ارتياد المساجد عبر الشرق الأوسط تعادل نسبة ارتياد الكنيسة هنا في الولاياتالمتحدة تقريباً. وعندما نسأل العرب عن البرامج التي يفضلون مشاهدتها علي التلفزيون، فإن القائمة متنوعة علي غرار قائمة المشاهدين الأميركيين. ففي مصر والمغرب والسعودية مثلاً (وهي البلدان الكبيرة سكانيّاً التي تشملها استطلاعاتنا) فإن البرامج التي تأتي علي رأس القائمة هي تحديداً الأفلام والمسلسلات الدرامية؛ أما البرامج الدينية فتأتي في أسفل الترتيب تقريباً. وعندما نطلب من العرب ترتيب انشغالاتهم وبواعث قلقهم، فإن اللائحة تتصدرها، وعلي نحو غير مفاجئ، جودة عملهم وعائلاتهم. وبالتالي، فخلافاً للفكرة الأسطورية التي تقول إن "العرب يذهبون للنوم في الليل وهم يكرهون أميركا، ويستيقظون وهم يكرهون إسرائيل، ويمضون أيامهم في مشاهدة الأخبار أو الاستماع إلي الوعاظ الدينيين الذين يؤججون ذلك الغضب"، فإن الواقع يشير إلي أن "العرب يذهبون للنوم كل ليلة وهم يفكرون في وظائفهم، ويفيقون كل صباح وهم يفكرون في أبنائهم، ويمضون كل يوم في التفكير في الكيفية التي سيحسنون بها جودة حياتهم". وأخيراً، هناك الأسطورة التي تقول برفض العرب للإصلاح وبأنهم لن يتغيروا، ما لم يدفعهم الغرب إلي ذلك. وقد كان هذا إحدي العقائد الرديئة الأساسية ل"المحافظين الجدد". وقد شكلت هذه الأسطورة، التي تستند إلي كتابات برنارد لويس، أحد أسباب ومسوغات حرب العراق - فكرة تدمير "النظام لقديم" من أجل ولادة "الشرق الأوسط الجديد". غير أن ما أظهرته استطلاعات الرأي التي أجريناها هو أن العرب يرغبون في الإصلاح فعلاً، ولكن الإصلاح الذي يريدونه هو إصلاحهم الوطني الداخلي، وليس إصلاحنا الخارجي. فأولوياتهم الداخلية هي: وظائف أحسن، ورعاية صحية أفضل، وفرص تعليمية أوسع. كما تُظهر خلاصاتنا أن معظم العرب لا يريدوننا أن نتدخل في شؤونهم الداخلية، ولكنهم سيرحبون بمساعدتنا لمجتمعاتهم علي بناء القدرة علي توفير الخدمات وتحسين جودة حياتهم.