«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمر شرحه يطول .. وأنا الليلة مسطول!!
نشر في الجمهورية يوم 19 - 12 - 2010

زمان كتب صلاح جاهين أغنية لعبدالحليم حافظ لحنها كمال الطويل رحم الله الجميع عنوانها "علي راس بُستان الاشتراكية. واقفين بنهدس عالميه.. أمة أبطال.. عُلما وعُمال.. ومعانا جمال.. بنغني غنوة فرايحية"..
وتمضي الأغنية حتي تصل إلي قول الشاعر والمغني: "فيه ناس تقول في الصباح.. حلمنا والله خير.. واحنا الصباح ييجي يلاقي الحلم متحقق".. يعني نحلم بالليل ونحن نيام.. ونصحو في الصباح لنجد حلمنا قد تحقق.. "يعني ما نلحقش نحكي الحلم".
ويبدو أننا "ما كناش مغطيينها كويس".. فقد تبين أن الأحلام ليست سوي كوابيس.. أو أننا مازلنا نائمين حتي الآن وحتي الغد.. وليس صحيحاً يا صديقي نبيل محمد.. ويا صديقي عبدالحليم تمر أو تامر أننا مازلنا في أمة العرب نحلم بغد أفضل.. فالأحلام مثل الأفكار والآراء تمت مصادرتها.. وليس صحيحاً أن أحلامنا هي التي تجعلنا "عايشين" حتي الآن.. فالعرب يا أصدقائي ليسوا "عايشين" ولكنهم موجودون فقط.. وكل عايش موجود.. وليس كل موجود "عايش".
الكرسي والمكتب والجبل والأحذية موجودة. ولكنها ليست "عايشة".. وربما لها "عيشة" غير مرئية لنا ونحن نتحدث في المعيشة التي تقع تحت حواسنا وإدراكنا لا عن المعيشة خارج إدراكنا.
وكل شيء يحركه غيره موجود "وموش عايش".. كل شيء متروك للصدفة موجود و"موش عايش".. يعني الحذاء يتحرك في قدمي الإنسان ولا يتحرك وحده.. ويكتسب قيمته ومكانته من المرء الذي ينتعله مثل "جزمة" ليلي مراد في فيلم "غزل البنات".. اكتسبت قيمتها من بنت الباشا الجميلة. لذلك قبلها الأستاذ "حمام" مدرس اللغة العربية.. والحذاء يحصل علي مكانته بالصدفة.. فهو حذاء تافه وزبالة وقذر إذا وقع في قدمي واحد من ملايين البسطاء والسوقة من أمثالنا.. وهو حذاء نتمني لو قبلناه أو "انضربنا به جوزين".. إذا وقع في قدمي واحد من السادة..
"جوز الجزمة" يقع في قدمي أي شخص بالصدفة وبالحظ ولا رأي له في ذلك ولا إرادة ولا اختيار.. الصدفة قد تجعله حذاء الباشا أو بنت الباشا والصدفة قد تجعله حذاء الجنايني أو البواب أو الأستاذ حمام والأستاذ حمام هذا هو الذي بدأ الحملة المنظمة علي اللغة العربية والدين معاً.. فمنذ غزل البنات وحتي رمضان مبروك أبوالعلمين حمودة.. يتم اختيار الرجل "الهزؤ" مدرساً للغة العربية وليس للإنجليزية أو الفرنسية أو الرياضيات أو الفيزياء.. أو يتم اختيار الرجل "المسخ" مأذوناً شرعياً أو إمام جامع مثل الشيخ الشناوي في رواية الأرض.. وكل من يراد له إثارة الضحك والسخرية يتحدث في الأفلام والمسرحيات والمسلسلات باللغة العربية الفصحي.. وأي شيخ أو مدرس لغة عربية أو مدرس دين لابد أن يكون "عبيط".. حتي ترسخ الأذهان أن اللغة العربية والدين قرينان للتخلف والبلاهة و"العبط".. وحتي أصبح الناس في أمة العرب يتفاخرون بأنهم لا يجيدون العربية.. ويتيهون بأنهم لا يفقهون شيئاً في النحو والبلاغة.. وفي نفس الوقت يخجلون من أنهم لا يجيدون الإنجليزية أو الفرنسية أو الكمبيوتر.
لقد توارثت الأجيال المتعاقبة منذ عصر الأستاذ حمام احتقار العروبة والدين.. وذلك كله بفضل حملة أظن أنها مخططة جيداً قادها الفنانون بعلم أو بجهل ساهمت بشكل كبير وناجح للغاية في إهدار قيمنا وتراثنا وأخلاقنا وزلزلة ثوابتنا لتحل محلها أفكار ليست حتي غربية ولكنها أفكار مشوهة ومريضة.. فنحن نشرب الخمر لكي ننسي.. وننتحر لأن "بابا رفض يجوزني حبيبتي أو حبيبي".. ونهرب مع الحبيبة "علشان نحط أهلنا قدام الأمر الواقع".. وفي النهاية يعترف الأب بغلطته ويبارك الزواج. ويوافق عليه "علشان الولد يصلح غلطته".. ومادامت نيته طيبة وينوي الزواج منها فلا مانع من العلاقة الكاملة "من غير جواز".. ونحن بفضل الفن تعلمنا صراع الأجيال "يا بابا يا ماما جيلكم غير جيلنا.. النهارده البنت والولد لازم يخرجوا مع بعض ويباتوا مع بعض علشان يفهموا بعض.. الكلام اللي بتقولوه ده.. كان في عصر جدي وجدك.. وستي وستك".. وفي الستينيات من القرن الماضي كان السيناريو يضيف مصطلحات سياسية للعبارات السابقة. كأن تقول البنت لأبيها وأمها: "احنا دلوقت اشتراكية.. الحب ما يعرفش فروق اجتماعية.. خلاص زمن الإقطاع والعبيد والأسياد راح" ويرد الأب: "عندك حق يا بنتي.. تحيا الثورة".
***
وأعترف بأن الفن قاد ثورة اجتماعية لكنها ثورة الفوضي ضد النظام.. وثورة الفهلوة ضد التخطيط.. وثورة اللاقيم ضد القيم.. وثورة الجنس باسم الحب حتي أنهم سموا الأفلام الجنسية الساخنة أفلاماً رومانسية ولا يوجد في السينما منذ نشأتها فيلم رومانسي واحد بالتعريف الصحيح للرومانسية لكنها أفلام جنسية أطلقوا عليها رومانسية.. كما قرنوا بين الجنس والحب.
الفن بدأ الفوضي الخلاقة قبل بوش بعشرات السنين.. لأنه قام علي الاقتلاع دون أن يغرس بدائل وهذه هي خلاصة الفوضي البوشية الخلاقة.. أن تقتلع القيمة ولا تزرع بدلاً منها قيمة أخري.. لقد قال الفن في كل أعماله أن كل قيمنا وثوابتنا وتراثنا خطأ لكنه لم يقل لنا ما هو الصواب.. فالصواب الذي زرعه الفن فينا هو اللاصواب واللاقيم.. التحضر والتقدم ألا تتمسك بشيء وأن تكون منحرفاً "وبتاع نسوان" وتشرب الخمر وترقص وتسهر.. وأن تسقط البنت في وحل الليل لتوفر الدواء لأبيها المريض.. الصواب هو ألا تقاوم ولا تصمد ولا تواجه بل تستسلم وتكون واقعياً وسيغفر لك المجتمع كل ذنوبك ويبررها لك.
ونحن قوم نتلقي بلا وعي.. وننساق بجهل وغباء وراء كل كلام مطبوع في الصحف أو جاء علي شكل حوار في برنامج أو مسلسل تليفزيوني أو فيلم.. وعندما يشك أحد في كلامنا نقول له: "هو الجورنال حيكدب.. هو التليفزيون حيقول أي كلام؟.. أنا قريت الكلام ده في مقال.. أنا سمعته في التليفزيون".. وكأن هذه الحجة كافية لاقناع من يحاورك بأنك علي حق وافحامه وجعله يسكت لأن كلام الصحف والتليفزيون وحي يوحي.
الفن والإعلام علمانا أن الشجاعة في الخطأ والانحراف والفهلوة والكذب وأن الجبن في الاستقامة والصلاح والتمسك بالقيم.. وكل من أراد أن يثبت قوته ونفوذه يكسر إشارة المرور ويخترق الحواجز ويحطم القواعد ويخالف القانون ويزور ويزيف ويفسد.. أما الالتزام بالقواعد والقوانين والقيم فذلك جبن وتخلف "وقصر ذيل".
ومن الصعب جداً أن يقود المرء ثورة مضادة أو ثورة تصحيح وإصلاح لما أفسده الفن والإعلام والسياسة فتلك سباحة ضد تيار جارف لا قبل لأحد بمواجهته.. وكثيرون اقتنعوا بمقولة سعد زغلول "مافيش فايدة". ومنهم من انضم إلي جوقة الفساد ومنهم من مات كمدا وفريق ثالث انزوي في انتظار الموت.. لكن أحداً لا يحلم بغد أفضل لأن أهل الفساد يرون أن اليوم أفضل وأهل الصلاح كفوا عن الحلم أو صودرت أحلامهم.
والناس في أمتي ليست لديهم فضيلة التأمل وإعادة النظر فقد ألفوا الأفكار الجاهزة مثل الأكلات الجاهزة.. الناس في أمتي لا يطبخون طعامهم ولا يطبخون أفكارهم.. لا ينتجون غذاءهم ولا ينتجون آراءهم وقيمهم.. فقد ألفوا الجاهز والمستورد.. وأصابهم الكسل الفكري والكسل الجسماني أيضا.. الناس في أمتي يعيشون تحت الأجهزة في غرفة انعاش كبيرة اسمها الأمة العربية.. يتغذون بالأنابيب.. ويتنفسون بالأجهزة.. ويتبولون ويتبرزون بالخراطيم.. والفرق بين موتهم وحياتهم هو بقاء أو نزع الأجهزة.. لذلك هم موجودون "وموش عايشين".. لأنهم يعيشون بلا إرادة منهم.. وقرار حياتهم أو موتهم في أيدي أطبائهم أو سادتهم.. والإنسان تحت الأجهزة يمكن أخذ توقيعه علي بياض.. ويمكن أخذ صوته.. ويمكن أخذ بصمته علي وصية لم يوص بها.. ويمكن أخذ اعترافه بجريمة لم يرتكبها ويمكن أخذ شهادته الزور لتبرئة مجرم أو إدانة برئ.. ويمكن إتهامه هو نفسه بأنه كان يقود السيارة التي مات فيها جميع الركاب وراح هو في غيبوبة.
***
الناس في أمتي تحت أجهزة كثيرة تحركهم وتحدد لهم مسارهم وأقوالهم و
أفعالهم.. كلهم مسيرون بأجهزة لاحصر لها لكنهم مقامات في الأجهزة وأماكن الغيبوبة.. منهم من يرقد تحت أجهزة مستشفي أم المصريين ومنهم من يرقد في غيبوبة تحت أجهزة مستشفي استثماري.. هناك أناس في غيبوبة خمسة نجوم وآخرون في غيبوبة لوكاندة في كلوت بك.. لكن الجميع مشتركون في الغيبوبة والخضوع لأجهزة كثيرة.. وكل امرئ خاضع حسب قيمته ومقامه وموقعه.. هناك من يخضع لخفير وهناك من يخضع للعمدة.. هناك من يخضع لحضرة الصول وهناك من يخضع ويحركه سيادة اللواء.. لكن لا أحد خارج الأجهزة.. لا أحد خارج الغيبوبة.
والأجهزة والغيبوبة أيضا مقامات وحظوظ.. لا أحد يختار غيبوبته ولا رأي له في الاجهزة التي يخضع لها .. كل شيء في أمة العرب بالصدفة والحظ والقسمة والنصيب.. كل منا يلقي بنفسه في البحر أو يلقيه فيه آخرون "وهو وحظه".. قد يغرق من يجيد العوم وينجو من "يضبش" .. قد يخرج المرء من الخضم بصابونه "بايشة" .. أو يخرج "بعروسة البحر" وخاتم سليمان فيصبح زوج الجنية الجميلة "ويخلف أولاد الجنية" وغياب القواعد والقيم والمنطق يجعلنا نعجز عن تحليل أي وضع عربي في أي مجال لذلك يثرثر أساطين التحليل الرياضي والسياسي والثقافي لكنه دائما كلام فارغ ينتهي بنا إلي العبارة الشهيرة: "هي دي كرة القدم.. هي دي الساحرة المستديرة" نفس منطق كرة القدم والساحرة المستديرة ينطبق علي كل شيء في أمة العرب فسياستنا ساحرة مستديرة.. وثقافتنا وفننا واعلامنا وصحافتنا ساحرة مستديرة.. والمواقع والمناصب والفوز والخسارة في الانتخابات ساحرة مستديرة نلوم الحكام ونلعن آباءهم ونعترض .. ونلوم أرضية الملعب .. والكاف والفيفا واتحاد زاهر ولجنة المسابقات.. لكن في النهاية لا راد لما فرضته الساحرة المستديرة.. وقرار الحكم نهائي واللاعب لاعب والحكم حكم "واللي موش عاجبه يخبط دماغه في الخشبة أو في العارضة أو يعتزل أو يخرج مطرودا ببطاقة حمراء".
الناس في أمتي ريشة في مهب رياح كثيرة .. شمالية وجنوبية وشرقية وغربية مثيرة للأتربة والرمال والقرف والأعصاب.. هم مجرد أحذية في أي قدم بالصدفة.. ولاقيمة للحذاء في ذاته ولكن قيمته تتحدد بمعرفة هو حذاء من من الذي ينتعله وهناك أحذية تصدق نفسها أحيانا وتظن انها تتحرك بذاتها أو ان لها إرادة فإذا بها تلقي في القمامة لتحل محلها احذية اخري تعرف قواعد اللعبة وانها لاتملك من أمرها شيئا.. لذلك كفت الأحذية عن الحلم .. وكف القابعون تحت الأجهزة في الغيبوبة عن الابداع والتفكير والتخيل.
الحلم يحتاج إلي إرادة وحرية .. والعبيد لايحلمون ومسلوبو الارادة لاينامون قريري العيون حتي يحلموا والأحذية لاتحلم لأن الصدفة التي تحكم المشهد العربي كله تقتل الحلم فنحن أبناء الصدفه.. نعلو بالصدفة ونهبط بالصدفة .. وأبناء الصدفة لايحلمون فالمجتمع الذي يحلم أبناؤه هو المجتمع الذي فيه قواعد وقيم وان يكون حاصل جمع الواحد والواحد اثنين.. أما مجتمع الصدفه فلا مكان فيه للحلم ولا للاجتهاد ولا للإبداع.. ففي أمة العرب لايوجد يقين ولاتوجد حقائق.. كل شيء رمية من غير رام لاتوجد خطط ولابرامج ولامناهج .. ولا أحد يمكن ان يؤكد أن الطريق الذي سلكه سيوصله إلي هدفه.. لذلك لم تعد لنا أهداف ولاطرق ولاسبل.. الصدفة تجعلنا نتخبط .. نجعل "الخايب نايب" ونجعل "الأعمي ساعاتي" .. "وتبقي في إيدك وتقسم لغيرك".. "واجري ياابن آدم جري الوحوش غير رزقك لم تحوش".
***
و العجز هو الذي جعلنا نربط الصدفة بالدين ونري أن التخطيط حرام ونقول : "كل واحد ياخد نصيبه" لكن الذي يحدث أن كل واحد ياخذ نصيب غيره بالفهلوة والصدفة والحظ والغيبوبة التي نعيشها وليس بمقدور أحد أن يقول إنه خطط لما وصل إليه وأنه نحت الصخر وتحمل المعاناة وحدد هدفه منذ البداية.. هذا كلام فارغ يقوله المرتاحون "للتعبانين ويضحك به الأغنياء علي الفقراء فما حدث ليس سوي صدفة.. أغنياء بالصدفة وفقراء بالصدفة.. ونواب بالصدفة وسياسيون بالصدفة وصحفيون بالصدفة "ونروح بعيد ليه؟".. أنا صحفي بالصدفة وكان لي زملاء في الكلية أفضل مني عشرات المرات وأصبحوا مدرسين أو موظفي علاقات عامة علي أساس أن التدريس والإعلام هما المهنتان المستباحتان في أمة العرب أو في بلدنا علي وجه التحديد .. فأي شخص يمكن أن يكون اعلاميا أو صحفيا وأي شخص يمكن أن يكون مدرساً.. لذلك انكسر الجناحان اللذان تطير بهما أي أمة .. وهما جناحا التعليم والإعلام.. فالتعليم والإعلام.. هما الأسوأ والأكثر فشلاً وهما سبب كل مصائبنا .. لأنهما مستباحان .. ولأن المنتسبين إليهما أبناء سفاح وليسوا صلبيين.. وهذا أمر شرحه يطول ولابد له من كلام آخر يطول.. أمر شرحه يطول .. وأنا الليلة مسطول!!!
نظرة
لا حرية إلا في السوء والنشر.. ويقول إخواننا في الخليج في مثلهم العامي "يا ناقتي وإلا اشربي وإلا العصا" .. أي إما أن تشربي مرغمة حتي إذا لم تكوني ظمأي أو اضربك بالعصا.. وفي الصعيد يقولون : "اللي ما يرضاش بالكف ياخد النبوت" إذا رفض أن نصفعه بالكف فعليه أن يختار الضرب بالنبوت .. وتقول العرب : "كالمستجير من الرمضاء بالنار" .. ونحن لا نختار بين حلو ومر.. ولكننا نختار بين مرين .. "نطلع من نقرة نقع في دحديرة" حتي نصل إلي آخر حفرة مع خروج الروح.
القطر هدَّي خلاص
دخلنا آخر محطة
والشنطة فاضية ما فيها
غير بس حطة وبطة
ولا فتح كوتشينة
ولا أكل بامية حينفع
اللي سقانا الأونطة
دبح لنا ألف قُطة
عربي!!!
[email protected]
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.