.. تمر القضية الفلسطينية بمأزق خطير خصوصاً بعد أن تعثرت مسألة المصالحة، وإعادة أمريكا النظر في موقفها من مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط وتحديداً عملية السلام.. فالرئيس أوباما بات يفكر جدياً حسب آخر تصريحاته في أن ينفض يديه من التسوية السلمية تاركاً أمر المنطقة لحكامها وشعوبها، وهي ذات الفكرة التي كانت راودت سابقه جورج دبليو بوش، وتحمس لها في ذلك الوقت الكاتب الأمريكي توماس فريدمان. .. صحيح هناك زيارة لجورج ميتشل المندوب الأمريكي للشرق الأوسط، لكن لا يخفي علي أحد أنه خرج منها بخفي حنين، فالحكومة الإسرائيلية مصممة علي موقفها الرافض لتجميد المستوطنات وتظن أن إعلانها التجميد الجزئي لعدة أشهر يمكن أن يصلح كبداية لاستئناف المفاوضات. الغريب أن جورج ميتشل حاول "التسويق" لأفكار نتنياهو، لكنه فوجئ بموقف صلب وعنيد من جانب محمود عباس الذي يري أن البداية الحقيقية هي التجميد الكامل للاستيطان في الضفة الغربيةوالقدس ثم التفاوض بعد ذلك علي انسحاب إسرائيل من الأرض التي احتلتها عام 1967. .. هذه مطارحات فلسطينية إسرائيلية يسعي جورج ميتشل إلي تذليل ما تفرزه من عقبات.. لكن هيهات.. فالرجل زار في عام 2009 المنطقة نحو 12 مرة، ولم يحرك ساكنا، وها هو يستهل العام الجديد 2010 بزيارته رقم 13 لكنه لم يخرج بشيء. وأحسب أن ميتشل "نفسه" يعاني إحباطاً شديداً لأنه كان متفائلاً بما كان أنجزه في قضايا ونزاعات سابقة، وكذلك تفاءل العرب والفلسطينيون، لكن واقع الحال يؤكد أن الرجل ليس له "لا في العيد ولا في النفير" وحسبه أن يأتي إلي المنطقة في زيارات مكوكية مشهورة عن وزراء خارجية أمريكا منذ هنري كيسنجر.. مروراً بالسيدة كونداليزا رايس.. لكن الجمود هو سيد الموقف، وإسرائيل تحاول كعادتها استثمار ذلك من خلال ترويج فكرة أنها مع المفاوضات، ثم في الخفاء تواصل جرائمها ومنها تهويد القدس، والحفريات التي ستهدم المسجد الأقصي يوما.. ما قاله أوباما مؤخراً هو الصدق ذاته، قال: ظننت في البداية أن القضية الفلسطينية سهلة، لكن تبين لي أنني كنت واهماً!! هاييتي: مساعدة بطعم الاحتلال! .. الاتهام الموجه إلي الولاياتالمتحدة بأنها تريد احتلال هاييتي بذريعة مساعدتها وانتشال الجثث بسبب الزلزال الذي ضربها مؤخراً، هو اتهام تتحدث به فرنسا، وفنزويلا، ونيكاراجوا.. وهو من كل الأحوال اتهام لا يجب أن يمر مرور الكرام، لأنه عندما يصدر عن دولة أوروبية كبري مثل فرنسا تنافس إلي حد كبير الولاياتالمتحدة علي الساحة الدولية منذ ديجول، وشيراك وصولاً إلي ساركوزي.. فلابد أن يوضع تحت المجهر والأغرب أن موقف أمريكا من هاييتي هو أكبر دليل علي تسييس المعونات والمساعدات. وفي كل الأحوال فإن رقعة هذا الاتهام تتسع يوماً بعد يوم، حيث تنضم دول أخري إلي جانب فرنسا وفنزويلا ونيكارجوا وتري أن واشنطن عندما تدفع بحوالي 11 ألف جندي من بينهم ثلاثة آلاف مدججين بالسلاح، فهذا لا يعني سوي شيء واحد هو أن الغرض ليس المساعدة وإنما الاحتلال.. ولعل جويا نديه وزير التعاون الدولي الفرنسي كان الأكثر وضوحاً عندما "رشق" أمريكا بهذا الاتهام بعد مشاركته في اجتماعات وزارية في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي كان هدفها تحديد مسئولية أوروبا تجاه هذه المأساة، ولم ينس أن يطالب بارسال عناصر من قوة الدرك الأوروبية لتعزيز القوات المنتشرة علي الأرض.. ولكي لا تترك الساحة "فضاء" أمام آلاف الجنود الأمريكيين.. وكعادته الرئيس الفنزويلي تشافيز كان صريحاً عندما شكك في الهدف الأمريكي المعلن وهو مساعدة هاييتي، متسائلا: لماذا ترسل أمريكا هذه الآلاف المسلحة إلي هناك، وكأنهم يذهبون إلي ساحة حرب؟ وأضاف: يبدو أنهم يستغلون المأساة للقيام باحتلال عسكري لهاييتي. .. ووسط هذا الاتهام من جانب فرنسا وبعض الدول الأخري، وصمت أمريكا عن الرد، تتسارع خطي عالمية بعقد مؤتمر لمجموعة تطلق علي نفسها مجموعة "أصدقاء هاييتي" وتضم فرنسا الدولة المستعمرة السابقة وأمريكا الدولة التي تريد احتلالها حالياً وكندا والبرازيل باعتبار أنهما الدولتان اللتان توجد فيهما جالية هاييتية كبيرة، ثم المكسيك العضو الحالي في مجلس الأمن الذي سيتقدم بمشروع قرار خاص بهاييتي. ما يهمنا أن المصداقية في أمريكا تتناقص يوماً بعد يوم، في دول تعتبر نفسها قريبة وربما حليفة مثل فرنسا.. والأهم أن شعارات المساعدة والنبرة التي تطلقها أمريكا بين وقت وآخر وليست بريئة تماماً، فهي بالضرورة ملطخة بالنوايا السيئة.