في زماننا هذا من حق جميع الكائنات الحية أن تعلن الغضب علي بني البشر، وليكن رمز الغضب اسمه إنفلونزا الطيور أو جنون البقر أو إنفلونزا الخنازير، علي بني البشر من الآن فصاعدا التأهب ورفع درجة الاستعداد إلي اللون الأصفر للدخول إلي مرحلة صراع من اللون الأحمر القاتم (وخلق الإنسان هلوعا) وهو الإنسان الذي دخل المعركة مع الطبيعة ومع الكائنات الحية بإرادته الحرة، وهو الإنسان الذي دمر الغابات التي كانت تعتبر مساحة التوازن البيئي علي سطح الأرض، وهو الإنسان الذي بعث بسموم التقدم الصناعي وليس الحضاري إلي الطبقات العليا من الغلاف الجوي فاختنقت الأرض بالاحتباس الحراري الذي سوف يقضي علي التوازن البيئي في غضون عقود قادمة، وهو نفسه الإنسان الذي ظلم البقر عندما أطعمها الأعلاف الهرمونية المطعمة بالدم المجفف لنفس فصيلة الأبقار، وكأن الأبقار قد أعلنت غضبها علي الإنسان الذي أطعم البقر بدم البقر وكان الغضب هو جنون البقر، وهو إنسان "تشرنوبل" الذي قتل وشوه مليوني نسمة في الاتحاد السوفيتي المنهار بالتسرب الإشعاعي، ومازال لم يستوعب الدرس وهو يتباهي بتخصيب "اليورانيوم" ولم يتباه بتخصيب "الأخلاق"، عندما أحرق هيروشيما ونجازاكي في لحظة توقف فيها الزمن، فهل الإنسان عدو نفسه، وإلا فكيف تحولت الطبيعة من صديق مستأنس إلي عدو شرس، هل الإنسان وصل إلي موسم حصاد ثمرة الخطيئة في حق الطبيعة من نباتات وحيوانات وأوزون، فتارة العالم في حرب، وتارة أخري العالم في رعب، فمن الجاني، من الذي أطلق فيروسات إنفلونزا الطيور والخنازير وجنون البقر من مكامنها لترعب بني البشر، هو الإنسان عدو نفسه وعدو الطبيعة التي فطرها الله لخدمة الإنسان الذي ميزه علي بقية المخلوقات بالعقل فلم يحترمها الإنسان فرفضته وأعلنت عليه الغضب بكل ألوان الطيف! بالرغم من أن القرن الماضي اشتهر بانتشار الأوبئة الفتاكة، حيث لم يفلت الإنسان من وباء الطاعون والكوليرا والملاريا حتي الإيدز، فلم يكن الخوف من الهلاك علي درجة الخوف من إنفلونزا الخنازير الذي بشر به القرن الحالي، بعد أن فرغ من بشارة إنفلونزا الطيور وجنون البقر، مما يعني أن الإنسان مهما تقدم صناعيا ودوائيا بلا حضارة إنسانية فهو تقدم منزوع الأخلاق وهنا يكمن سر الخوف الذي توحد عند نقطة ظهور فيروس إنفلونزا الخنازير فقد كان القرن العشرون أقل تقدما وأكثر حضارة، أما القرن الحادي والعشرون فمن سماته أنه أكثر تقدما وأقل حضارة إنسانية وأخلاقية، الإنسان فيه حقل تجارب لكل الحروب والأسلحة المحرمة دوليا، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: تري ما السر وراء كل هذا الرعب من "الخنزير" الذي نال من الشهرة قدرا كافيا بعد أن أطلق في وجه البشرية إنفلونزا الخنازير؟ في تصوري إن الرسالة الكونية وصلت كل عاقل علي سطح الأرض، والرسالة في كلمتين "احذروا الخنازير"، والمتأمل لمضمون الرسالة لابد وحتما أن يسأل: يا تري أي أنواع الخنازير يجب أن نحذر منها؟ وطالما لم توضح منظمة الصحة العالمية المقصود فدعونا نجتهد ونقول إن الخنازير أنواع، أما النوع الأول فهو الخنزير من فصيلة الحيوان، وقبل أن يفاجئنا السؤال: هل هناك فصائل أخري لحيوان الخنزير، فنحن نؤكد بالفعل أن فصيلة مختلطة من نوع الخنزير تسكن أرضنا المسكينة، فما هي أيها السادة الكرام؟ للإجابة عن هذا التساؤل الخطير أجدي بنا العودة إلي الوراء قليلا عندما كان الأتراك يحكمون مصر، وهم أصحاب الفضل الأول في الكشف عن فصيلة تنتمي في الظاهر إلي فصيلة البشر وفي الباطن تغلب عليها صفات الخنازير علي صفات الآدميين وكان الأتراك يطلقون عليها اسم "الخنزؤور" في إشارة إلي فصيلة آدمية تغلب عليها أخلاق الخنازير، وفي تصوري وأتمني أن أكون مخطئا أن هذه الفصيلة تكاثرت بشكل وبائي يهدد بفناء علم "الأخلاق" دستور الإنسانية علي سطح الأرض! ومن ثم كان يجب أن تحذر منظمة الصحة العالمية من "وباء الخنزؤور" جنبا إلي جنب مع وباء إنفلونزا الخنازير إن لم يكن في المقدمة، لأن ما خفي كان أعظم في الزمن الأسوأ وغياب العدالة والحق، يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية فهل هناك أخطر من فصيلة "الخنزؤور" علي الكيان الآدمي ونحيل الأمر هنا إلي منظمات حقوق الإنسان لعل وعسي تضع النقاط علي الحروف، وهي تعلم أن إسرائيل ركبت كعادتها الدنيئة الموجة في عز الهوجة والرعب، وقامت عمدا بإطلاق أسلحة دمار شامل من فئة جديدة علي مزارع الفلسطينيين في غزة وبدأت بحرب الخنازير لإرهاب المزارعين في حقولهم وكأنه لم تكف القنابل المحرمة دوليا التي صبتها علي رأس غزة بالرصاص المصبوب، والقنابل العنقودية والفسفورية التي حصدت الآلاف في أسابيع! أما علي مستوي الأفراد، أليس كل من تجاهل مقولة المسيح عيسي بن مريم عندما قال: "ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط" أليس هذا من فصيلة الخنازير الآدمية أو الخنزؤور "علي حد وصف الأتراك"؟.. أليس كل "دكان شحاتة" الاستثماري الذي يتاجر في دماء وجيوب المرضي من فصيلة خنزيرية؟.. أليس الساكت عن الحق مهما كانت الأسباب ويتغاضي عن الظلم الفادح الواقع علي الإنسان يعتبر من فصيلة الخنازير الآدمية؟.. ثم.. ثم أليس كل محتكر لتفاصيل حياة الإنسان من اللقمة حتي الهدمة من فصيلة الخنزير؟.. أليس الإقطاعي الجديد المتاجر واللاعب في البورصة وأسواق المال والعقارات والمزارع من فصيلة الخنزير الكبير والثمين؟.. وأخيرا وليس آخرا ليس من نام جاره وهو جوعان، وهو يطعم كلابه المدربة لحمايته كما يطعم البودي جارد أليس من فصيلة الخنازير المستوردة لطعام الكلاب من الخارج بالدولار؟ بات من حق الخنازير من الفصيلة الحيوانية أن تعلن الثورة علي منظمة الصحة العالمية بسبب وصفها للوباء الجديد بإنفلونزا الخنازير طالما علي الجانب الآخر ما هو أشد فتكا بصحة الإنسان وأخلاقيات الإنسانية من إنفلونزا الخنازير، يجب أن تعلن المنظمة صراحة أنه يعيش بيننا خنازير علي هيئة بني آدم وأخلاق الخنازير، فكل من لم يستوعب مقولة رسول الرحمة المهداة "ارحموا في الأرض يرحمكم من في السماء" فهو بالقطع من فصيلة خنزيرية تهدد بتوسيع رقعة الأمراض الاجتماعية والأخلاقية الأشد خطرا علي الإنسانية من جنون البقر وإنفلونزا الطيور والخنازير والجاموس البري، يجب أن تعلن منظمة الصحة العالمية عن اكتشاف مصل ضد كل هذه الأوبئة الاجتماعية التي تهدد المنظومة الحياتية للإنسان في مقتل! "رب ضارة نافعة"، فالفقراء من بني الإنسان هم أكثر الطبقات الاجتماعية الطاردة للخوف الذي سكن قلوب الأغنياء المترفين الذين جمعوا أموالهم حتي اكتظت خزائنهم من دماء الضحايا وفلوس البسطاء واستحلوا كل أكبادهم كما استحلت "هند بنت عتبة" أكل كبد "حمزة بن عبدالمطلب" عم الرسول صلي الله عليه وسلم انتقاما وتمثيلا بجثته بعد أن قتله عبدها "الوحشي"، فهل أدمن الأغنياء أكل أكباد الفقراء بشريعة الغاب؟ الفقراء هم أشد تمسكا بالإيمان والعروة الوثقي، الفقير لا يستحل أكل كبد الفقير، ويحفظ عن ظهر قلب الآية الكريمة: (ولنبلونكم بشيء من الخوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)، ويعلمون أن الأغنياء المترفين، من أكلة أكباد الفقراء هم أشد خوفا وهلعا، وهم يعلمون أن الإنسان إما أن يترك النعمة بالموت أو تتركه النعمة بالزوال إلا من رحم من عباده الأتقياء في زمن زوال التقوي والرحمة، ويعلمون أن كل كنوز الدنيا لا تساوي لحظة إحساس بالأمن والطمأنينة! أنا لست خائفا من إنفلونزا الخنازير، ولن ارتدي "الكمامة" النيولوك التي نصح بارتدائها وزير الصحة المصري "حاتم الجبلي" وهو في زيارته مؤخرا للمطارات والموانئ، ولعل ما شد انتباهي بحكم ترددي علي مطار القاهرة يوميا هو أن بسطاء المسافرين لم يرتدوا الماسكات، الفئة الوحيدة التي ارتدت الكمامات هي الطبقة الراقية أو قل الأرستقراطية ورجال الأعمال، ليس علي سبيل التفاوت في الوعي الصحي وأصول الوقاية ولكن علي سبيل الخوف والرعب الذي لم يصل إلي قلوب البسطاء الذين شاهدوا المطار لأول وآخر مرة في حياتهم، فقد أثبت علم المناعة أنه كلما زادت جرعة الإيمان بالله وطمأنينة النفس والجسد وصلت المناعة ضد الأمراض والميكروبات والفيروسات إلي أعلي درجة من التصدي لكل الأوبئة ليست التي تصيب الجسم فحسب، بل الأمراض النفسية التي استجدت في الزمن الرديء، وفي كل رحلاتي في الداخل والخارج لم اهتم بتعليمات السفر داخل الطائرة، ولم اهتم بربط الحزام (ولكل أجل كتاب) و(وإذا جاءهم الموت فلا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون)، سواء في الأرض أو في الجو أو في البحر أو فوق السحاب أو تحت السحاب، كما أنني من حيث المبدأ أكره كل أنواع الأربطة التي تقيد الجسم والعقل والعاطفة، في النهاية أنا العبد الفقير لله، سعيد بجهلي وتجاهلي، لتعليمات الأمن والسلامة في رحلات السفر، وأشد سعادة بإيماني بالله (ولله ملك السماوات والأرض) (أفلا يعقلون)؟! في زمن انهيار الثقة والمصداقية وانعدام الشفافية، ظهرت علينا طائفة من الشباب أطلقت علي نفسها "عبدة الشيطان"، وانزعج المجتمع وطالب بتوقيع أقصي عقوبة بعد القبض عليهم وهم يمارسون طقوسهم في أماكن خاصة، وهذا شعور طبيعي لمجتمع يؤمن بالأديان السماوية، أما غير الطبيعي فلم يكلف السادة من الأكاديميين أنفسهم من تخصصات علم النفس والاجتماع لبحث هذه الظاهرة الخطيرة، أو الاقتراب من شباب في عمر الزهور يتأرجح بين الشك والإيمان، والمعني واللامعني، والتفاوت الطبقي في عصر الإقطاع الجديد، ليعلم علماؤنا الأفاضل أن البعض منهم فشل في تسول وظيفة لدي إمبراطور احتكاري يحكتم علي المليارات في البنوك المصرية والأجنبية، ولكي يعلم أيضا السادة الأكاديميون أن هؤلاء الضحايا هم الفرز الأول لخلل الموازين الاجتماعية في زمن السادة والعبيد أو زمن الردة إلي مجتمع النصف في المائة، ولكي يعلموا أنهم أول ضحايا القنوات المتسلطة علي الشباب بالبورنو أو أفيون الشباب الجديد، وضحايا الدعاة الجدد والشيوخ المودرن المدعومين من الدول الدينية لزرع اليأس في نفوس الشباب المسكين الذي لا يفرق بين الترهيب والترغيب ولا مفر من عذاب القبر ونار جهنم في الآخرة، والغريب أن معظمهم دافع عن الشيطان وهذا له مدلولات أخطر من عبادة الشيطان، فقد ترسخت في عقولهم أنهم يعيشون في زمن بعض الناس فيه أخطر من الشياطين بسبب الأقنعة والكذب والنفاق ومص الدماء، يعني باختصار "الناس اللي فوق والناس اللي تحت" علي حد تعبير الراحل العظيم "نعمان عاشور"، كما برأ البعض منهم الشيطان من غواية الإنسان لجره إلي الخطيئة، أو بمعني آخر أن بعض البشر أكثر شيطانية من الشيطان نفسه، وكل هذه الإنفلونزا البشرية التي مرت علينا مرور الكرام ولم نتعلم الدرس، أيها السادة المرعوبون ارحموا الخنازير! معك.. لم أعد أخاف من إطلاق أحزاني في وجه العالم وأنت قارئة فنجاني في ليلة قمرية وأنا قارئ كفيك ذات أمسية عيناك.. همساتك.. سحر الألوان المجنون علي خصلاتك الغجرية علموني كيف أودع أوثاني وطقوسي الأبوية وكيف أنتزع من أصداف العشق لؤلؤة الكلمات المائية فتحسدني كل جنيات البحر وتغار وأنا أقول: "أحبك" أيتها الإنسية