من الواضح ان الدولة ليس لديها موقفا موحدا تجاه قضية ارتداء النقاب في مؤسساتها المختلفة! هذه القضية التي استغرقت عقودا من كفاح المرأة المصرية، والتي شاركها في هذا النضال رجال مستنيرون من امثال قاسم امين ولطفي السيد وسعد زغلول وغيرهم من رجال عظماء كانوا هم السند والدافع وراء تحرير المرأة المصرية! لكن الغريب ان هذه القضية التي حسمت منذ سبعة عقود، عادت لتطل علينا برأسها مرة اخري! ولكن من الواضح ايضا ان الدولة لا تدرك دورها في ان يعود الزمن بنسائها قرنا الي الوراء، وما يمكن ان يترتب عليه من ردة لكل ابناء هذا المجتمع. والغريب ان وزراء الحكومة أنفسهم قد انقسموا بين مدرك لهذه الحقيقة، وبين ممسك للعصا من المنتصف. فلقد اتخذ وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي موقفا واضحا بمنع الممرضات اللائي يرتي دين النقاب من التعامل مع المرضي، ادراكا منه لخطورة هذا السلوك وانعكاسه علي مرضي لا حول لهم ولا قوة. كما اتخذ وزير الاوقاف الدكتور محمود حمدي زقزوق موقفا سباقا حين اصدر كتيبا عن وزارة الاوقاف تحت عنوان "النقاب عادة وليس عبادة" مبديا فيه الرأي الشرعي في النقاب هو وكبار علماء مصر من أمثال الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، والدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، والشيخ محمد الغزالي والدكتور عبدالحليم أبو شقة. وكان وزير الأوقاف قد سبق أيضا وأوقف أربع مرشدات دينيات بالوزارة عن الإرشاد بسبب ارتدائهن للنقاب! ولكن علي جانب آخر نشرت مجلة المصور الأسبوع الماضي، تحقيقا مع وزيري التعليم والتعليم العالي" حول عدم تطبيق وزارتهما لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر منذ 13 عاما للمستشار الراحل عوض المر، والقاضي بمنع النقاب في المؤسسات التعليمية، وهو حكم ملزم وواجب التنفيذ، فكانت إجابات الوزير أن تدعو للأسف والأسي! فوزير التعليم الدكتور يسري الجندي وعد بإرسال المزيد من التوجيهات للاهتمام بهذه القضية! أما وزير التعليم العالي الدكتور هاني هلال فسيرسل إلي المحكمة ليستفسر عن تطبيق هذا الحكم داخل الجامعات! ولعل الوزيرين لم يتابعا ما كان يفعله سلفهما الأستاذ الدكتور حسين كامل بهاء الدين، الذي كان يقوم بعملهما معا! وهو لم يكتف بمنع النقاب الذي لم يكن لينتشر في عهده، لكنه منع أيضا ارتداء فتيات الابتدائي الصغيرات للحجاب حرصا علي براءة طفولتهن! لقد خاض حسين كامل بهاء الدين معارك عديدة في أوج فترة المد الأصولي المتطرف، ولم يكن هو ولا نحن ندرك أنه سيأتي يوم يقف فيه طبيب وأستاذ شهير مثل الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء ليغازل التيار الديني ويعتبر أن النقاب حرية شخصية يجب علي وزير الصحة عدم التدخل لمنع الممرضات من ارتدائه! لا أستطيع أن أصدق أننا في عصر العالم كله يتجه نحو العلم والعمل، ويلهث وراء التقدم والتطور، ونحن مازلنا نثير قضايا انتهت منذ قرن من الزمان! لا أستطيع أن أصدق أن الدولة تصم أذنيها عما يدور بين وزرائها من مواقف متناقضة، تجاه أمور بديهية ولا تحسم أمرا كهذا وتتركه لاجتهادات كل منهم دون موقف صريح! واليوم من حقنا أن نعرف ما هو موقف الحكومة المصرية من هذه القضية؟ وأن نري خطوات تناسب خطورتها! أم علينا أن ننتظر قرنا آخر وقاسم أمين آخر بينما حكومتنا في غيبة من الزمن، ومما يجري من وزرائها!