حماة الوطن بالقاهرة: لدينا القدرة للمنافسة على جميع المقاعد وكوادرنا مؤهلة    تنظيم الاتصالات: بدء فصل الخدمة عن الهواتف المستخدمة في المكالمات الترويجية الأحد    دياب اللوح: الموقف المصرى من القضية الفلسطينية محورى وثابت ومركزى    الإمارات تخلي 155 مصابًا ومريضًا من غزة برفقة ذويهم    قائمة الزمالك - عودة فتوح وبانزا ضد مودرن سبورت.. وغياب سداسي    انقذته وجبة الإفطار.. مأساة أب ودّع أسرته تحت أنقاض عقار الزقازيق (صور)    إصابة 4 أشخاص في حادث انقلاب بطريق أسيوط - الفرافرة    وائل كفوري يحتفل بمولودته الجديدة    ب"فستان جريء".. 20 صورة لإطلالة بوسي الجديدة وعبير صبري تعلق (صور)    بسعة 350 سريرًا وتكلفة 2.175 مليارجنيه.. وزير الصحة يتفقد مشروع إنشاء مستشفى التأمين الصحي بالعاصمة الإدارية (صور )    قوات الاحتلال تبدأ عملية "عربات جدعون 2" للسيطرة على غزة والمقاومة تهاجم موقعا للجيش الصهيوني    اعتماد 7 مدارس ثانوية فنية للتمريض بمحافظة الإسكندرية    الأزهر: انتظام امتحانات الدور الثاني للثانوية الأزهرية في هدوء وانضباط كامل    شروط الالتحاق بأقسام آداب القاهرة للطلاب المستجدين 2025 (انتساب موجه)    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    مسئول فلسطيني يدعو المجتمع الدولي إلىاختصار الوقت في مواجهة إرهاب الاحتلال    ضمن جهوده المجتمعية .. حزب حماة الوطن ينظم رحلات عمرة مجانية    عانى من كسرين في القدم.. تفاصيل جراحة مروان حمدي وموعد عودته للمباريات    محافظ الغربية: ملف المخلفات على رأس أولويات تحسين جودة الحياة للمواطنين    بينها فساتين قصيرة وجريئة.. ياسمين رئيس تنشر فيديو لإطلالات مختلفة لها بالصيف    تعرف على قصة مسلسل سنجل مازر فازر بطولة ريهام عبد الغفور وشريف سلامة    مناقشات وورش حكي بالغربية ضمن فعاليات المبادرة الصيفية "ارسم بسمة"    وفاة ابن شقيقة المطرب السعودي رابح صقر    مالي: مقتل أكثر من 149 جنديًا بهجمات لتنظيم القاعدة    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    المنشاوي يهنئ طلاب جامعة أسيوط بحصد 9 جوائز في مهرجان الطرب للموسيقى والغناء    غدر الذكاء الاصطناعى    في يومه العالمي- متى تسبب لدغات البعوض الوفاة؟    إيران تدرس إرسال وفد إلى فيينا لاستئناف المحادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    «يتحمل المسؤولية».. نجم ليفربول يتغنى ب محمد صلاح    بيع مؤسسي يضغط سوق المال.. والصفقات تنقذ السيولة    الأوقاف تعقد 681 ندوة بعنوان "حفظ الجوارح عن المعاصى والمخالفات"    الزمالك يكشف عن موعد التصفيات النهائية لاختبارات البراعم    البيئة تناقش آليات تعزيز صمود المجتمعات الريفية أمام التغيرات المناخية بقنا    طقس غد.. حار بأغلب الأنحاء ونشاط رياح واضطراب الملاحة والعظمى بالقاهرة 35    كنوز| 101 شمعة لفيلسوف الأدب الأشهر فى شارع صاحبة الجلالة    مدبولي لقادة الدول: حان الوقت لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لردع العدوان الإسرائيلي والاعتراف بالدولة الفلسطينية    حملة موسعة على منشآت الرعاية الأولية في المنوفية    تحرير 7 محاضر لمحلات جزارة ودواجن بمدينة مرسى مطروح    إزالة 19 حالة تعد على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في المنيا    محافظ الإسماعيلية يتفقد عددا من القطاعات الخدمية ويستمع للمواطنين بمركز أمراض الكلى    تعرف على مواجهات الزمالك في دوري الكرة النسائية للموسم الجديد    عمر طاهر على شاشة التليفزيون المصري قريبا    ضبط المتهمين بالتنقيب عن الآثار داخل عقار بالخليفة    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    تحرك عاجل من "سلامة الغذاء" بشأن شكوى مواطن من مطعم بالبحيرة    وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الأربعاء 20 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    انطلاق ملتقى الشباب العربي الياباني في الجامعة العربية    وسام أبو علي: التتويج بالبطولات سبب انضمامي إلى كولومبوس    الاحتلال الإسرائيلي يقتل نجم كرة السلة الفلسطينى محمد شعلان أثناء محاولته الحصول على المساعدات    أحمد ياسر: كهربا يمر بظروف صعبة في ليبيا... ولا يصلح للعب في الأهلي والزمالك    نيوكاسل ردا على إيزاك: لم يتم إبلاغه أن بإمكانه الرحيل.. ونرحب بعودته    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    انطلاق القطار السادس للعودة الطوعية للسودانيين من محطة مصر (صور)    ترامب: رئيس البنك المركزي يضر بقطاع الإسكان وعليه خفض أسعار الفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سليمان عبدالمنعم يكتب : ما وراء الحكايات .. المجتمعات حين يصيبها الدوار


(1)
النبلاء يرحلون
من أى عصر بعيد أطلّ علينا هذا اليسارى الطوباوى الذى كان يفيض بالحلم والبراءة والوداعة والقيم؟ رحل إذن محمد السيد سعيد مغترباً وحيداً بعد رحلة علاج قاسية فى مستشفاه الباريسى. كتب الذين عرفوه عن نبله ونزاهته الأخلاقية ونضاله الفكرى. تحسرنا نحن الذين لم يتح لنا أن نلقاه فاكتفينا بالقراءة للشخصية دون معرفة الشخص. ذات صباح حزين احتشدت الصحف بمقالات الرثاء فيما يشبه مسابقة لاختيار أفضل مقال. لكن حكاية الرجل النبيل تطرح التساؤلات بقدر ما تثير الشجن.
أول هذه التساؤلات لماذا نتجاهل النبلاء والفرسان فلا نتذكرهم إلا عندما يسقطون أو يرحلون؟ فلو أن قطرة من المشاعر التى تدفقت على أوراق الصحف يوم رحيله عرفت طريقها إليه فى حياته لكان الرجل قد رحل راضياً مرضياً.. لو أننا منحناه جائزة من تلك الجوائز التى تذهب أحياناً إلى النافذين المفروضين بقانون الإلحاح وفنون العلاقات العامة.. لو أننا آزرناه فى أزمته المهنية وهو يرى صحيفته الوليدة تذبل قبل أن تورق.. لو أننا.. لو أننا.. لكانت ضمائرنا اليوم قد استراحت..
هل قلت حقاً «ضمائرنا»؟! المناضلون بدرجة الفرسان من أمثال محمد السيد سعيد لا يلقون فى حياتهم سوى التجاهل والارتياب وربما ما هو أكثر. وحينما نطمئن إلى أنهم قد رحلوا.. حينما نطمئن تماماً، نقيم حفلات التأبين والإطراء والمديح لأربعين يوماً. كم بابا أغلق فى وجه محمد السيد السعيد وكم محاولة للتضييق عليه يعرفها القريبون منه؟ هل نسينا؟ لكن الرجل مات فلتبرأ ذمتنا جميعاً برثاء كالشعر أصبحنا نجيده ونتنافس فيه كلما رحل من هذا الوادى رجل نبيل.
ربما كان هناك اليوم فى مصر ألف محمد السيد سعيد يعيشون بيننا. يقبضون على مبادئهم وقيمهم كما القابض على الجمر. يكدحون ويعملون ويبدعون ويضحون ويتألمون فى صمت ويحصلون على القليل وهم فوق ذلك راضون صابرون. وربما كانوا يعيشون مثله معاناة المرض. كانت معركة محمد السيد سعيد مع المرض اللعين غير متكافئة.
تركناه وحيداً يصارع المرض فأشفق عليه الفرنسيون بأكثر من ذوى القربى، وتحملوا نفقات علاجه لشهور طويلة. أين كنا وأين كانت نقاباتنا وجمعياتنا وصناديقنا المالية ومبادرات أهل الخير منا؟ كنا نعرف أن ثمة بارقة أمل فى «فرصة» لعلاج جديد فى الولايات المتحدة الأمريكية.. لكن ذلك كان يتطلب مالاً وإجراءات سريعة يجب اتخاذها. ومرة أخرى خذلناه وتركناه وحيداً أعزل يواجه مصيره المحتوم بنفسه.
ألا يجدر بنا وسط هذا الحزن أن نتساءل: كيف السبيل إلى نظام تأمينى أو تكافلى أو تراحمى يضمن العلاج فى الخارج لمن لا تتوافر لهم فرصة العلاج فى مصر من المبدعين الفقراء الذين تفيض آلامهم على أموالهم؟ هل أصبح مستحيلاً التفكير فى مبادرة تكافلية إنسانية تصون كرامة كتابنا ومبدعينا لتكون أوطانهم أولى برعايتهم وأرحم بمعاناتهم؟ صحيح أن كل الناس جديرة بالاهتمام والرعاية وأن مبدأ المساواة لا يعرف التمييز بين آلام الكتاب والمبدعين وآلام غيرهم من الناس.. لكن محمد السيد سعيد وآخرين غيره هم أيضاً من «الناس»!
(2)
هل يتصارع الإخوان؟
كان الاعتقاد السائد لدىّ أن الصراع هو الخصيصة الأبرز فى دنيا السياسة والعمل الحزبى بحكم قواعد وأعراف اللعبة السياسية ذاتها. وكان ظنى أن جماعة دعوية أخلاقية مثل «الإخوان المسلمون» بعيدة عن ذلك. ولطالما كنت على الصعيد الشخصى أسأل نفسى: ترى هل يعرف هؤلاء الصراع مثل غيرهم وهم الذين يتحملون فى سبيل دعوتهم المعاناة والسجن والاعتقال لا لشىء إلا لأنهم يؤمنون بقيم ومثل أخلاقية؟ ولا أخفى أن نظرتى إليهم تبدو وردية مثالية، ربما لأننى كنت أو كدت أضع فى مصاف الأنبياء والقديسين من يتحملون التعذيب والتشريد والاعتقال دفاعاً عن مبدأ نبيل أو فكرة سامية. لكن ما قيل عن استقالة أو انسحاب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين اعتراضاً على عدم اختيار د. عصام العريان من جانب زملائه عضواً فى مكتب الإرشاد أربك لدىّ هذه التصورات التى ربما بدت بريئة.
أدرك أن الإخوان المسلمين هم فى النهاية بشر يتطلعون ويتنافسون لكن ترى هل يتصارعون ويتآمرون فيما بينهم؟ هل يفعلون مثلما يفعل الساسة والرفقاء فى أروقة السياسة والأحزاب فينقلبون على بعضهم البعض، وتتقدم لديهم حسابات المغانم على مقتضيات التضحية والجهاد؟ ما الذى يحل بالأفكار والمبادئ حينما تتحول إلى تنظيم؟ هل تفقد الأفكار براءتها ومثاليتها أم أن التنظيم هو الذى يفرض سطوته؟ كم واحداً منا حلَّقت به المبادئ والأفكار إلى عنان السماء حتى إذا ما انتمى لتنظيم أو لحزب هوى بعنف على الأرض! هل العيب فينا أم فى السياسة؟ هل الخلل فى الفكرة أم فى التنظيم؟.
إذا نحينا جانباً هذه التساؤلات فلعلّ أهم وأبرز ما يمكن ملاحظته وسط اللغط الحاصل فى أوساط جماعة الإخوان المسلمين هو أن الشأن الداخلى للجماعة قد خرج إلى العلن وأصبح جزءاً من حالة الجدل العام فى المجتمع. لم يعد ما يجرى فى الداخل الإخوانى أمراً كهنوتياً بل أصبح سؤالاً عاماً يكرّس ثقافة الشفافية ويؤذن بحالة حراك وسط ما يعرف بشباب الإخوان،
وهذا فى ذاته تطور آخر أكثر أهمية وأشد إثارة! شباب ينتمى إلى الجماعة لكنه أصبح يعبر عن رأيه ويمارس حقه فى الاختلاف والجدل ويكتب ويشاكس على شبكة الإنترنت! إلى أين يذهب إذن شباب الإخوان؟ وهل يمكن أن تخرج من رحم هذا الحراك الإخوانى حركة إسلامية حداثية وشابة تشبه حزب العدالة والتنمية فى تركيا؟ هل تتحقق النبوءة يوماً فيظهر لدينا رجب طيب أردوجان من عباءة نجم الدين أربكان؟!
(3)
النقاب فى عقولنا
لم أقرأ أروع ولا أعقل مما كتبه د. جلال أمين حول واقعة فضيلة الدكتور سيد طنطاوى مع الفتاة المنتقبة فى إحدى مدارس الأزهر الجليل. فجلال أمين ليس أصولياً ولا عضواً فى جماعة دينية ولم يُعرف عنه تعاطف مع فكر دينى، لكنه كتب من منظور مفكر وطنى واع وعالم اجتماع محايد، على أن المشكلة اليوم لم تعد هى ما حدث من حوار غير تربوى فى مدرسة يفترض أن فضيلة الدكتور سيد طنطاوى قد دخلها بوصفه تربوياً، إذ إنه أستاذ جامعى قبل كل شىء، المشكلة الآن صارت مشكلتين بل ثلاث!
المشكلة الأولى: أن موضوع نقاب المرأة قد قفز على قائمة أولويات وطن لديه ما يكفى من عشرات الأولويات الملحة الأخرى ابتداء من قضايا البطالة والفقر والعنف والتعليم والصحة والبيئة والتلوث وحتى قضية مصيره السياسى ومستقبل أجياله المقبلة. إنه مشهد عبثى وخواء ثقافى وربما نفسى أن تفقد الناس بوصلة الاهتمام بقضايا وجودها إلى هذا الحد الخائب.
مِنْ الخبثاء مَنْ يرى أن ذلك ربما كان مقصوداً ومطلوباً لذاته! وآخرون مثلى يعتقدون أن قضية النقاب مثل قضايا أخرى هامشية، لكنها مقلقة، ستبقى مطروحة فى المجتمع المصرى إلى حين. قضية النقاب هى فى جوهرها من قبيل المظاهر والأعراض لخلل نتحمل جميعاً المسؤولية عنه.. خلل ما فى أولوياتنا فمن وما الذى أوصلنا إلى ذلك؟ لماذا ننشغل بالأعراض والنتائج ونتجاهل مصدر الخلل؟
المشكلة الثانية: أن كلاً منا يبنى رأياً فى مسألة النقاب من وجهة نظره وبحكم انتمائه لابد إذن من الاحتكام إلى ضابط موضوعى ومجرد بصرف النظر عن تعدد أفكارنا وانتماءاتنا. هذا الضابط أو المعيار المنشود لا يمكن إلا أن يستخلص من مقتضيات كفالة حقوق الإنسان من ناحية وضرورات حماية أمن المجتمع من ناحية أخرى. فمن منظور حقوق الإنسان أولاً تصعب مصادرة حق امرأة فى ارتداء نقاب ساتر للوجه، مهما بدا هذا المظهر غريباً أو مستهجناً أو مرفوضاً من أغلبية المجتمع متى كان هذا الحق لا يصادر بدوره حقاً آخر للغير أو ينتقص منه أو يضر به. تماماً مثلما لا تنكر المجتمعات حق المرأة فى ارتداء ملابس كاشفة عن الجسم تبلغ معها مساحة العرى أكثر من مساحة الملابس نفسها.
بل إن المفارقة فى معرض المقارنة بين النقاب أو الحجاب من ناحية وبين الملابس الكاشفة أو الفاضحة من ناحية أخرى أن القانون مازال يتضمن فى كل دول العالم ما يعرف حتى اليوم بجريمة خدش الحياء، وهى الجريمة التى يمكن أن تنسب ولو نظرياُ على الأقل لامرأة تسير فى الطريق العام عارية الصدر أو بسروال داخلى، بينما لم تعرف القوانين حتى اليوم ما يمكن أن ينسب لامرأة تغطى وجهها ولو كان فى ذلك استفزاز لغيرها. العجيب أن المجتمعات الغربية أصبحت تبدى قدراً كبيراً من التسامح فى مواجهة موجات العرى التى تسودها باسم الحرية الفردية، فى الوقت الذى نفتقر نحن فيه لمثل هذا التسامح فى مواجهة ظاهرة النقاب، على الأقل باسم الحرية الفردية أيضاً.
حق المرأة فى ارتداء النقاب الساتر للوجه، ولو أننا نرفضه اجتماعياً ونستهجنه ثقافياً، يندرج ضمن مفهوم حقوق وحريات الإنسان المنصوص عليها فى المواثيق الدولية والدستور المصرى، وهى منظومة حقوق وحريات لا يمكن إنكار إحداها إلا بنص خاص، إعمالاً لمبدأ أن الأصل فى الأشياء الإباحة مثلما أن الأصل فى الإنسان البراءة.
لكن القول بإجازة حق المرأة فى ارتداء نقاب ساتر للوجه لا يحول دون مصادرته أو تقييده متى استدعت ذلك ضرورات حماية أمن المجتمع. لهذا فمن حق رجل الأمن فى منشأة أو بناية أن يطلب من امرأة منتقبة كشف وجهها، فما الذى يمنع أن يكون النقاب وسيلة تمويه لارتكاب جريمة؟ ومن حق الأستاذ فى مدرسة أو جامعة أن يطلب ذلك من فتاة منتقبة تؤدى الامتحان للتأكد من أن أحداً لا يؤدى الامتحان بدلاً منها.
ومن حق رجل المرور أيضاً أن يطلب ذلك من امرأة تقود سيارة لكى يتأكد من كونها صاحبة رخصة القيادة، ومن حق رجال الأمن فى المطارات والموانئ أن يفعلوا نفس الشىء. ففى هذه الفروض وأخرى غيرها تتقدم ضرورات صون أمن المجتمع على مقتضيات كفالة حقوق وحريات الإنسان. ولذلك سنده القانونى والشرعى.
ففى القانون الوضعى هناك نظريات الضرورة، واستعمال الحق، وأداء الواجب القانونى، وكلها تبرر بشروط وضوابط خاصة ارتكاب فعل ولو كان هذا الفعل يعتبر بحسب الأصل جريمة. وفى الشريعة الإسلامية هناك مبدأ الضرورات تبيح المحظورات وهو مبدأ له تطبيقاته العديدة متى توافرت شروط إعماله. هكذا إذن يمكن التوفيق بين الحق فى ارتداء النقاب كممارسة لحرية فردية وبين جواز مصادرته أو تقييده حماية لأمن المجتمع.
المشكلة الثالثة: هى نظرة بعض المجتمعات الإسلامية عموماً، والنظرة الفقهية على وجه الخصوص لموضوع نقاب المرأة. فى المسألة خلاف فقهى معروف ينحصر فى رأى مؤيد للحق فى ارتداء النقاب ورأى آخر، يبدو الأكثر رجحاناً والأقرب إلى المنطق، يرى فى النقاب عادة وليس فريضة. ودون الدخول فى تفصيلات هذا الخلاف الفقهى، الذى يبدو أهل التخصص هم الأولى به، فالأمر المؤكد أن ظاهرة النقاب فى مجتمعاتنا إنما تجسد حقيقتين أولاهما اجتماعية والأخرى ثقافية. حقيقة اجتماعية مؤداها أن واقع الفقر وصراع الهوية يكتسح حياة الناس فى بلادنا فيلوذون منه بالفرار إلى دواخلهم وخلف سواترهم. أما الحقيقة الثقافية فخلاصتها أن الفكر المستنير يتضاءل فى حياتنا بينما تعصف فى أرجاء المجتمع فوضى ترتيب الأولويات.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.