رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ السيسي بذكرى ثورة 23 يوليو    التعليم العالي: استمرار العمل بقواعد قبول الالتحاق بالجامعات الأهلية    رئيس حزب العدل يقود جولات "طرق الأبواب" في القاهرة    "مصر كانت ملاذًا آمنًا".. 940 سودانيًا يغادرون مصر بذاكرة من المحبة والدعم في أصعب الأوقات    تداول 10 آلاف طن و491 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    السيسي يوجه بتسريع الاكتشافات البترولية وتوسيع الاستثمارات: توفير احتياجات المواطنين ودعم الاقتصاد بخريطة طاقة جديدة    طلاب "ميكاترونيكس بحلوان" يبتكرون ذراعا روبوتية ليزرية بتقنيات التحكم الذكي    الأردن في مجلس الجامعة العربية: الاحتلال الإسرائيلي يمعن في التهجير والتجويع    أردوغان عن مجاعة غزة: لا كرامة إنسانية لمن يقبل بهذه القسوة    صحة غزة: ارتفاع عدد ضحايا المجاعة إلى 101 شهيد بينهم 80 طفلا    بوتياس تثق بقدرة إسبانيا على إنهاء سلسلة عدم الفوز على ألمانيا قبل لقائهما بأمم أوروبا للسيدات    كريم نيدفيد: الإصابة وزحمة نص الملعب عرقلت مشواري مع الأهلي..تريزيجيه رجع بدري وزيزو انهى مقولة المستحيل في الكرة    ارتفاع نسبة النجاح في نتيجة الثانوية العامة 2025 مقارنة بالعام الماضي    الاستعلام عن المخالفات المرورية: دليلك الشامل    طقس الكويت اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025    تموين الفيوم يضبط 15 مخالفة تموينية ويُحبط تهريب دقيق مدعم وسجائر مجهولة المصدر    ضبط مندوب لاستيلائه على 2 مليون جنيه أثناء تغذية ماكينات الصرف بشبرا الخيمة    راغب علامة يكسر الصمت: لست مسؤولًا عن أي تصرّف عفوي... ومصر بلدي الثاني    استعراضات مبهجة للفلكلور البورسعيدي في ليالي مهرجان صيف بلدنا بمطروح    «بيت الزكاة والصدقات» يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    «عبدالغفار» يشهد فعاليات مؤتمر التميز في جراحة المخ والأعصاب    مديرية أمن أسيوط تنظم حملة للتبرع بالدم    لحقت بأخواتها.. وفاة فرحة الطفلة السادسة من أسرة واقعة دلجا في المنيا    جامعة القاهرة تنظم مؤتمرها الدولي الأول للذكاء الاصطناعي    فتح باب التقديم الإلكتروني لمدارس STEM والمتفوقين بعين شمس    شعبة الذهب: 194% قفزة في صادرات القطاع لتسجل 3.9 مليار دولار بالنصف الأول من 2025    هل يجوز عمل عقيقة واحدة ل 3 أطفال؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: يجب على كل مسلم تعلم القدر الضروري من الأحكام لضمان صحة عباداته    بحد أدنى 85%.. شروط ورابط تنسيق القبول بمعهد الكوزن المصري الياباني    الخطيب يطمئن على حسن شحاتة في لفتة إنسانية راقية    للأطباء.. تفاصيل برنامج الزمالة المصرية بمعهد تيودور بلهارس    «أونروا»: سكان غزة يصابون بالإغماء من شدة الجوع    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 22 يوليو 2025    ضبط أحد الأشخاص لإدارته كيانا تعليميا "دون ترخيص" بالجيزة    اتحاد المهن الطبية يحذر من التصديق على قانون الإيجار القديم    الجامعة الألمانية توقع اتفاقية مع Ghorfa لدعم التعليم والتدريب عبر الحدود    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "المشروع X"    مصطفى كامل: راغب علامة لم يخطئ عن قصد.. وسيحضر للنقابة    محمد أوتاكا: مفيش عمل مضمونه النجاح.. وفيلم "فار ب7 أرواح" نصيبه كده |خاص    تفاصيل تجربة الكاتب يوسف معاطي مع الزعيم عادل إمام في الدراما    مدافع الأهلي: الموسم المقبل سيكون صعبًا ولدينا الطموح لتحقيق البطولات    تقارير: مصطفى محمد على رادار نيس الفرنسي    تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات معهد فني صحي 2024 بالدرجات    أسعار الذهب تتراجع وسط ترقب المستثمرين لأي تقدم في المحادثات التجارية    نتنياهو: ليست هناك فرصة للسلام مع النظام الحالي في إيران    «البحوث الإسلامية» يطلق حملة دولية لمواجهة سياسة التجويع الصهيونية ضد أهالي غزة (تفاصيل)    «الصحة» تبحث التعاون في الذكاء الاصطناعي مع شركة عالمية    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 146 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق    عراقجي: غير مستعدين للمفاوضات المباشرة مع واشنطن حاليا    راتب ضخم وقيمة انتقال باهظة.. الأهلي يستبعد ساليتش من المرشحين لخلافة وسام أبو علي    رانيا محمود ياسين غاضبة: «منفعلتش على أمي.. كنت بدور عليها ومش لاقياها»    «هل انتهت القصة؟».. جون إدوارد يرفض كل سُبل الاتصال مع نجم الزمالك (تفاصيل)    البيت الأبيض: ترامب يسعى إلى حل دبلوماسي لصراعات الشرق الأوسط    لاعب مفاجأة يخطف أنظار ريبيرو في معسكر الأهلي بتونس (تفاصيل)    لا علاقة له ب العنف الجسدي.. أمين الفتوى يوضح معنى «واضربوهن»    تفسير آية| «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا» الشعراوي يوضح سر وجود الإنسان وغاية خلقه    تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض الهند وقبة حرارية في القاهرة والمحافظات    بمشاركة مروان موسى وعفروتو.. أحمد سعد يكشف عن بوسترات «حبيبي ياه ياه»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤسسات الدينية المصرية والحداثة: أولا الأزهر الشريف
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 04 - 01 - 2011

تعرضت في عدة مقالات سابقة لمسيرة الحداثة في مصر، بين التعثر والتطور، منذ تأسيس الدولة الحديثة وحتي الآن، وتوقفنا امام إشكاليات عديدة، منها الصراع بين التديين السياسي والمدنية، والتضاد بين مشروع الاستقلال الوطني ومشروع الدولة المدنية، وكذلك انتهازية القوي المنوط بها انجاز مشروع الحداثة سواء القوي الليبرالية أو العلمانية، وتبعيتها وذيليتها للقوي والتيارات السياسية الدينية. وهنا والآن سوف نتعرض لمسيرة المؤسسات الدينية المصرية بين إدراك وإعاقة قضية الحداثة في مصر.
اعتقد أن المؤسسات الدينية المصرية حكم موقفها من الحداثة تياران أساسيان تيار مع الحداثة والآخر ضد الحداثة، وبداية الصراع بين التيارين بدأت في الكنيسة المصرية في مطلع القرن التاسع عشر حينما رأت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ضرورة التحديث من بناء المدارس والمستشفيات والانفتاح علي العالم لمواجهة التحديث الذي فرض عليها منذ إعادة إعلان تأسيس الكنيسة القبطية الكاثوليكية، وما استتبع ذلك من تأسيس المجلس الملي العام بقيادة بطرس باشا غالي الكبير.
وعلي الجانب الآخر التقط الأزهر الشريف طرف الخيط المؤدي للحداثة منذ الدور الجهادي والوطني في مواجهة الاحتلال الفرنسي لمصر او ما يسمي بالحملة الفرنسية 1798، وما تلي ذلك عبر الثورة المصرية التي وضعت مصر أمام التأسيس الفعلي للحداثة بقيادة زعيم الأشراف السيد عمر مكرم وما استتبع ذلك من طرح أول وثيقة دستورية في مصر والأولي في الشرق والرابعة في العالم بعد (الفرنسية- الأمريكية- البريطانية) ثم بدايات تأسيس الدولة الحديثة مع محمد علي باشا 1805.
حينذاك كانت المؤسسات الدينية هي التجسد الحقيقي للحركة الوطنية، ولم تكن النخب الحديثة قد تأسست بعد، ومن وجد منها فئة كبار التجار أو الأعيان كانوا حلقات ملتفة حول رجال الدين، ومن ثم بدأت التحديث الاجتهادي وليس الجهادي علي يد حلقات الشيخ محمد عبده وطرحه العديد من الفتاوي التي نقلت مصر من براثن العصور الوسطي للحداثة أهمها علي الاطلاق فتوي فوائد البنوك لانها تناظر ما حدث من قبل الاصلاح البروتستانتي في أوروبا والذي بدأ يفصل الدين عن البيزنس أو بدقة تحرير البيزنس من المفاهيم الدينية للعصور الوسطي، ثم الفتاوي الخاصة بتأسيس الأحزاب بل وأسس الإمام العظيم محمد عبده أول حزب مدني حديث في مصر مبني علي المواطنة ثم موقفه العظيم من المرأة وتحريرها الامر الذي ادي إلي أن تولد النخبة المدنية الحديثة من رحم النخب الدينية، مثل سعد زغلول وأحمد لطفي السيد، وقاسم أمين وغيرهم.
وفي المقابل كان الاتجاه المحافظ المناهض للحداثة يولد كأخ شقيق لهؤلاء، وهنا اركز علي الصراع بين تيارين ولدا من رحم المؤسسة الدينية العظيمة المتمثلة في الازهر الشريف ، وهما التيار الاجتهادي المستنير والمتمثل في الامام محمد عبده، والمقصود بالاجتهادي أي التيار المجتهد الذي اتخذ من الاجتهاد في تأويل النص ودفع مصر نحو الحداثة، والتيار الجهادي الذي اتخذ من تأويل النص موقفا للدعوة للجهاد ضد المحتل البريطاني وتحرير الأرض بمعزل عن تحرير الإنسان، وتمثل ذلك في فتاوي وآراء فضيلة الشيخ رشيد رضا تلميذ الامام محمد عبده، ثم تجسد ذلك في الشيخ حسن البنا مؤسس الاخوان المسلمين وتلميذ الشيخ رشيد رضا، واستمرار دوامات وتداعيات التيار الجهادي علي يد الشيخ سيد قطب الذي اسس للحاكمية، وهي الاجتهاد المضاد لمشروع محمد عبده، ذلك الأمر الذي ادي إلي الانقلاب علي فكر الوسطية الازهرية، كما أسس لفكر الاستقواء للفتاوي من الخارج، وما استتبع ذلك من الانقسام في الأزهر وعلي الازهر.
حيث بدأت تولد النخب المناهضة للحداثة من خارج رحم الأزهر (بدأ من الشيخ حسن البنا خريج دار العلوم، فكل المرشدين العموم لجماعة الاخوان المسلمين ليسوا من خريجي الأزهر الشريف) وحتي بعض الجهاديين من خريجي الأزهر مثل د. عمر عبد الرحمن أو أعضاء جبهة علماء الأزهر مثلوا رافدا مهما للتيار الجهادي علي حساب أقلية من التيار الاجتهادي المستنير كانت في قمة الهرم الأزهري مع كامل احترامي لهم غير مؤثرين في القاعدة الازهرية أو في القاعدة الشعبية المصرية.
ومن ثم تم استنباط اجتهادات (ابن تيمية، والوهابية، وغيرهما) في التربة المصرية، هذه المشاريع ليست المناهضة للحداثة فحسب بل المناوئة لمشروع الوسطية الحضاري الاسلامي المصري، بل وتطور فكر الحاكمية الجهادي إلي قتل الأبرياء من المسلمين في الشوارع منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي إلي مطلع الألفية الثانية، كما أدي ذلك ليس إلي انكسار مشروع الحداثة، وتراجع مسيرة الديمقراطية فحسب، بل أدي هذا التدهور إلي تمركز فكر اللاوطنية (لا وطنية في الإسلام) وبدا ذلك جليا في مقولة المرشد العام السابق مهدي عاكف (طظ في مصر).
تلك كانت الجذور الحقيقية لانكفاء مشروع الحداثة، وسيادة التيار الجهادي المتبني للحاكمية علي التيار الاجتهادي المستنير الذي أسسه الإمام محمد عبده، وتديين وتشوه الهوية المصرية، وانتشار الازدواجية ما بين الديني والمدني، ما بين الفكر الدنيوي والفكر الأخروي، ومن ثم ظهرت (الشيزوفرينيا) في الشخصية المصرية، خاصة في الطبقة الوسطي التي من المفترض أنها حاملة القيم، (ذات مرة شاهدت سيدة ترتدي النقاب، تركن سيارتها المرسيدس بجوار نادي سبورتنج تتحدث بالفرنسية في موبايل بلاك بري!!).
وبالطبع لم يكن الفكر الديني المسيحي المصري بعيدا عن تلك الثقافة وهذه الشيزوفرينيا ذلك الأمر الذي سوف نرصده في المقال القادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.