لماذا تتعثر مصر دائما في إنجاز مشروع الحداثة؟ وهل هناك قوي ديمقراطية وتيار ليبرالي حداثي في مصر ؟ تري متي يحسم المصريون الاشتباك بين الدولة المدنية والدولة الدينية؟ منذ تأسيس الدولة الحديثة 1805 علي يد محمد علي باشا، وحتي انتخابات 2010، نحاول ونفشل، ولا ننجز المشروع الحداثي رغم كل الجهود والتضحيات، طوال العصر الليبرالي (1919-1952) عاق التطور نحو الحداثة وانكسر مشروعها بسبب الصراع بين التديين والحداثة، وظهور جماعة الإخوان المسلمين 1928 من جهة وربط الشعب المصري بين الحداثة وبين المحتل البريطاني من جهة اخري وشاء قدر الليبراليين المصريين الأوائل إن يدفعوا فاتورة الوجه القبيح لأوروبا، حيث بات في اذهان النخب الدينية أن الحداثة تعني العلمانية والكفر !! وكذلك ارتبط في أذهان النخب المدنية انه بالإمكان الفصل بين مشروع الاستقلال ومشروع الحداثة، إضافة للصراع علي السلطة ما بين الوفد وأحزاب الأقليات المنشقة عنه، وإضعاف الوفد من قبل الانشقاقات التي حدثت مثل السعديين، الأحرار الدستوريين، حزب الكتلة، واستقطاب المحتل والسرايا لهؤلاء واختلاق صراعات بينهم وبين الوفد، مما ادي إلي إضعاف القوي الليبرالية خاصة بعد حادث 4 فبراير 1942 عندما قبل الوفد الحكومة تحت أسنة رماح المحتل البريطاني، كل ذلك ادي في المقابل إلي بروز دور الاخوان المسلمين وظهور جماعة مصر الفتاة وغيرهم من القوي المناهضة للحداثة وقريبة الصلة من الفكر الفاشي، ولن ينسي المصريون صيحات تلك القوي في المظاهرات بشعار (إلي الامام يا روميل) . ومما ضاعف من ازمة مشروع الحداثة بعد يوليو 1952، ظهور دولة اسرائيل، والعدوانية الصهيونية المتكررة علي قطاع غزة 1955، حروب 1956،1967، ورفع شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) الامر الذي ادي إلي تصدر ثقافة التعبئة والحرب للثقافة المصرية، مما دفع بالقوي الدينية والقومية إلي صدارة المشهد السياسي وارتباط مشروع الحداثة بمشروع السلام مع اسرائيل من وجهة نظر تلك القوي نعود إلي القوي الليبرالية بقيادة حزب الوفد، سنجد أن التحالفات غير المبدئية لم تبدأ بتحالف الوفد مع الاخوان 1984 بل بدأت 1954 (انظر تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر 1940-1960 القاهرة دار الثقافة الجديدة) سنجد أن الوفد تحالف مع الاخوان المسلمين والشيوعيين ( ماعدا تنظيم حدتو) لاسقاط الحكم العسكري وتحقيق الديمقراطية!! وهكذا تبدو جذور التحالفات غير المبدئية كمرض مزمن متوطن لدي القوي الليبرالية بقيادة الوفد او العلمانية مثل الشيوعيين، والاكثر غرابة هو كيف يتأتي للقوي الليبرالية والعلمانية ان تتزعم الدفاع عن الدولة المدنية والحداثة وتتحالف في نفس الوقت مع قوي ضد المشروع الوجودي للدولة المدنية، تلك هي الشيزوفرينيا بعينيها لأنه لا يجوز، ان يتحالف الديمقراطيون مع الفاشيين من اجل تحقيق الديمقراطية !! وما اشبه الليلة بالبارحة او كما يقول كارل ماركس: (التاريخ يعيد نفسه مرتين مرة في شكل مأساة واخري في شكل مهزلة) وان كانت المأساة قد حدثت من قبل من حزب الوفد الجديد 1984 في تحالفه مع الاخوان، فإن المهزلة قد حدثت في ديسمبر 2010 بمقر حزب الوفد بالسويس، حيث اعلن ممثل حزب الوفد عن تحالفه مع ممثلي الاخوان والشيوعيين والناصريين لتشكيل ما يسمي بالبرلمان الموازي، ثم ترحيب القيادي الوفدي البارز الدكتور علي السلمي بانعقاد جلسات هذا البرلمان الاخواني الوفدي بمقر حزب الوفد، الامر الذي يدعونا للتساؤل هل تخلي حزب الوفد عن قضية الحداثة والديمقراطية؟ أم ان حزب الوفد الجديد يعاني من " عيب خلقي" منذ النشأة ؟ ولعل الرئيس مبارك كان يدرك ماهية هذه القوي حينما مزح في خطابه الاخير حينما تعرض للبرلمان الموازي قائلا( خليهم يتسلوا!!) علي الجانب الآخر فإن هذه القوي لاتنظر سوي تحت أقدامها، وحتي ذلك لا يحدث، فهي غير مدركة لحالتها الراهنة، فالوفد يعاني من الانشقاقات منذ الصدام الدامي بين الرئيس الاسبق د.نعمان جمعة وبين الحزب، وصولا للصراعات التي تدور الآن بين أنصار المشاركة والمقاطعة في الانتخابات، حتي الانقسام الاخير الذي حدث حول حضور السيد البدوي للخطاب الافتتاحي للرئيس مبارك للدورة البرلمانية، كذلك انقسم الحزب الناصري فعليا، اما الجمعية الوطنية للتغيير فقد أصبحت (الجمعية الشرعية للتغيير) بعد أن وقعت في براثن مكتب الارشاد للجماعة، الامر الذي ادي لحدوث انشقاقات وتبادل اتهامات ما بين الموالين للاخوان وغيرهم، ورغم هذا الوضع المزري لتلك القوي فهم لا يطالبون بتشكيل برلمان مواز فحسب بل يدعون لتشكيل مجالس محلية موازية، والمثير للسخرية، كيف سوف يتأتي لقوي واحزاب لا تستطيع ان تجمع عشرة اعضاء منها في اجتماع حزبي ان تجمع البرلمان الموازي ؟ او عشرات الآلاف للمحليات الموازية ؟ ولكي تكتمل الملهاة، لابد من رصد المستفيدين الوحيدين من تلك المسرحية العبثية التي يعجز (صموئيل بيكيتب) عن تأليفها، ان المستفيدين الوحيدين هم القوي غير الشرعية والمحظورة قانوناً والتي استطاعت ان تحقق شرعيتها عبر خضوع اكبر الاحزاب الشرعية لها وكذلك ارتماء النخب التي من المفترض ان تكون ليبرالية مثل الدكتور محمد البرادعي في احضانها، ثم يحدثونك عن تحقيق الديمقراطية وتداول السلطة؟! ربي لا اسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه.