علي صعيد القضايا ذات الطابع المعقد والساخن بالمنطقة - تأتي المشكلة الكردية - خاصة الممثلة في حزب العمال الكردستاني وصراعه السياسي والمسلح مع الدولة التركية والتي اعلنت مؤخرا انها تعتزم اجتياح شمال العراق عسكريا في محاولة للقضاء علي عناصر هذا الحزب وآلياته المسلحة وذلك قبيل واثناء شتاء هذا العام - والذي بات قريبا ووشيكا - فما كان من هذا الحزب إلا ان اطلق تصريحاته ايضا ردا علي هذا التهديد عبر شبكة "خبر تورك" من انقرة - بأنه وجه تعليمات الي اعضائه لتنفيذ عمليات انتحارية داخل المدن التركية في حالة تنفيذ الجيش التركي لتهديداته باجتياح شمال العراق. واذا كان هذا الصراع الذي يحتدم ما بين فترة واخري بين طرفيه "التركي - والكردي" - ليس جديدا - بل ينفجر بين حين وآخر خاصة وان العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين عاصرا الكثير من التنفاضات الكردية - في هذه المنطقة - نجح الجيش التركي في اخمادها بعد ان تخلف عنها العديد من القتلي والجرحي - إلا ان تأسيس حزب العمال الكردستاني للتعبير عن الهوية الكردية في 27 نوفمبر 1978 من خلال بعض الجمعيات والاحزاب اليسارية والحركة الثقافية الكردية.. وتنفيذه لاولي عملياته العسكرية ضد الجيش التركي في 15 اغسطس عام 1984 معلنا بدء نشاطه المسلح ضد الدولة التركية.. كان بمثابة الفتيل الذي ظل مشتعلا في مجريات الصراع حيث اصبحت تركيا تواجه موجة عنف تتسع ما بين حين وآخر.. مصدرها الاقلية الكردية المسلمة.. ويتخلف عنها الآلاف من القتلي والجرحي من الطرفين. وتعتمد تركيا في موقفها ان الدستور التركي لا يميز بين الأتراك مهما كانت جذورهم العرقية أو المذهبية.. وبالتالي اعتبر ان هذا الحزب وعناصره المسلحة يمثلون "ارهابا" ضد الدولة.. وليسوا "أقلية" يبحث عن هوية خاصة بهم.. بدليل ان السياسة التركية ودستورها تمتد لتنمية المناطق ذات الأكثرية الكردية في اطار مشروع تنمية جنوب غرب الاناضول GAP .. وان جنوحهم نحو قومية خاصة بهم ادي الي تداول مقولة شاعها ورددها مصطفي كمال "أتاتورك" إبان انشائه للجمهورية التركية الجديدة.. واصبحت شعارا للمؤسسة العسكرية التركية نصها "ليس للتركي صديق غير التركي". ومن هنا تعمق لدي المؤسسة العسكرية التركية التي اصبح لها دور هام ومتميز.. في نظام الحكم بتركيا هذا الشعار والمقولة بحيث تولدت من خلالها قناعة باعتبار الجندي التركي افضل جنود العالم لمجرد انه "تركي" وبنهاية التسعينيات.. اعلنت المؤسسة العسكرية التركية ان الخطر الاكبر علي الجمهورية يتمثل في "الاصولية الاسلامية" خاصة مع استهداف "حزب الرفاه" ذي التوجه الاسلامي الوصول الي السلطة مما يعتبر اختراقا للدولة العلمانية.. هذا من جانب.. كما ان الخطر الاكبر الثاني علي الجمهورية يتمثل في الانفصال الكردي - وفقا لتأثير الحرب التي شنها حزب العمال الكردستاني علي الدولة التركية عام 1984.. الي جانب تأثيره علي القومية التركية وهويتها الغربية وسعيها للانضمام للاتحاد الاوروبي. وعلي الجانب الاخر. يستطرد أ.د سعد ناجي جواد في كتابه دراسات في المسألة القومية الكردية وهو استاذا في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد والامين العام للجمعية العربية للعلوم السياسية في تناوله لجذور المسألة الكردية بعد ان قدم لها بأنها من اعقد المشاكل واطولها عمرا حيث تتمثل المشكلة في مطالبة الاكراد بحقوق تحافظ علي تميزهم القومي واللغوي وتثبت هذه الحقوق في الدساتير والقوانين المعلنة. ويضيف ان اغلب الحكومات بالدول التي يقطن فيها الأكراد.. باستثناء العراق تصر علي رفض هذه المطالب التي يعتقد انها ستقود لانفصال الاكراد مما ادي الي تعقد المشكلة بدون حل نهائي وجذري فأوصلتها الي مراحل خطرة خاصة بعد التداخلات الاقليمية والدولية فيها.. خاصة ان الكثيرين من ابناء الشرق الاوسط والوطن العربي يجهلون حقيقتها وجذورها بسبب التعتيم المفروض عليها.. ويدعو الكاتب الي ايجاد حل سلمي وديمقراطي دائم لها درءا للتداعيات واستمرار الصراع. ويعتمد في مضمون كتابه وسطوره علي النقاط التالية: 1- ان كردستان .. او بلاد الاكراد تختلف في تحديدها كثير من الدراسات . فبينما يطرح بعض الاكراد خارطة لها تمتد من الخليج العربي وحتي البحر الابيض المتوسط.. إلا ان الدراسات تحددها بالمنطقة التي يقع جزء منها شرقا في شمال غرب ايران والمنطقة الشمالية منها في شرق وجنوب شرق تركيا.. اما الحد الجنوبي لها في شمال شرق العراق.. مع بعض التعرجات التي تقع في سوريا وفي ارمينيا وجورجيا واذربيجان.. وتتميز تلك المناطق بمرتفعاتها الوعرة والنائية.. وانها موطن للاكراد منذ أقدم السنين.. وانه علي الرغم من ان هناك اجماعا علي ان الاكراد شعب "آري" الا ان بعض الوثائق اكدت ان بعض القبائل الكردية هي في الاصل "قبائل عربية ترجع بنسبها الي النبي محمد "صلي الله عليه وسلم" خاصة البرزجية والداودية شمال العراق.. ويتحدث جميع الاكراد بلغة ترجع الي الهندو - أوروبية وتستعمل الحروف العربية في الكتابة.. الا ان اكراد ارمينيا وجورجيا واذربيجان يستخدمون الحروف السلافية.. بالاضافة الي لهجات مختلفة في بعض المناطق. 2- يبلغ عدد الاكراد في كل هذه المناطق بين 20 أو 22 مليون نسمة .. هذا بالاضافة الي جاليات كردية اخري كبيرة في لبنان وباكستان وافغانستان.. الا ان الدولة العثمانية عندما فرضت سيطرتها علي المنطقة.. استطاعت احتواء "القومية الكردية" فقد اعتمدت الرابطة الاسلامية اساسا لولاء الاكراد للدولة الاسلامية العثمانية. فنجحت في اثارة مشاعرهم الدينية - خاصة لدي اكراد الشرق - في التعاون مع الاتراك - ضد الصفويين فتعاونوا علي قهر قوات الشاه اسماعيل الصفوي في معركة "جلديران" عام 1514 وادي ذلك الي تقسيم كردستان الي دولتين احداهما "عثمانية" وتملك ثلاثة ارباع المنطقة الكردية.. واخري "صفوية" وتحتفظ بباقي المنطقة ووثقت واقعة التقسيم في معاهدة ارضوم عام 1639.. وسمح العثمانيون بوجود امارات كردية في ظل الحكم المركزي العثماني.. كما سمح الصفويون للشيوخ الاكراد بانشاء امارتهم الخاصة ايضا.. وهو ما كان سببا رئيسيا في حروب عديدة بين اكراد تركيا واكراد ايران.. وانعكس ذلك علي حروب اخري بين الاكراد ككل!! حتي ظهرت امارة بابان في السليمانية في العراق - وامارة بدرخان في منطقة "بوتان" في تركيا. وكانت الدولة العثمانية لديها النفوذ العسكري لاجهاض أي محاولة لامارة كردية اذا ما تصرفت بمعزل عن السلطة المركزية.. الا ان دور الاكراد ظل واضحا في حياة الدولة العثمانية والدولة التركية من بعدها.. وظل العامل الديني الاسلامي هو الاقوي.. فلاقت دعوة السلطان العثماني - للاكراد" للجهاد في الحرب العالمية الاولي قبولا لديهم. 3- ان أول معالم الرفض الكردي لسياسة الدولة التركية الحديثة ظهرت عام 1925 حيث قامت ثورة مسلحة ضد النظام التركي وقادها الشيخ سعد بيران - وذلك لمحاولة ادخال اصلاحات علمانية في المقاطعات التركية.. وهو ما ادي بالسلطات التركية لقمع الحركة دمويا واعدام قادتها. 4- استخدمت الحكومة التركية بعد ذلك اسلوب التهيئة الفكرية للقضاء علي اي حركة كردية مضادة لها ولتذويب العنصر الكردي في بنية المجتمع لها ولتذويب العنصر الكردي في بنية المجتمع التركي السائد ورفعت من القواميس والمعاجم التركية كل ما يمت لكلمة "الكرد" بصلة ثم بدأت الدولة بتسميتهم "أتراك الجبال" .. كما قامت بتهجير اعداد كبيرة من الاكراد الي مناطق تركية بعيدة.. ورفعت شعارا ليس لدينا اكراد ولكن اتراك. 5- لما شعرت الاحزاب التركية .. بأهمية اصوات الاتراك في الانتخابات .. خاصة الاحزاب والتنظيمات اليسارية التركية المتطرفة.. تعاظم بين الاكراد ايديولوجيات وتوجهات تلك التنظيمات خاصة مع تردي الحالة الاقتصادية.. ودفعت بالاكراد الي التطرف اليساري ومواجهة الحكومة التركية المركزية. 6 إزاء تصاعد النشاط الكردي المسلح بشكل مكثف خلال الفترة بين 1984 1987 أصدرت الحكومة التركية مشروعا عام 1987 سمي مشروع "أوزال" للتعامل مع الحزب وقيادته وأعضائه باعتبارهم "أشقياء". حتي اعتبر عام 1991 عاما فاصلا في تاريخ "الحركة الكردية في تركيا" عندما أقر البرلمان التركي مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" وقانون "العفو المشروط" وتم العفو عن 64 ألف سجين بينهم عدد في المشاركين في عمليات تصفها الحكومة التركية بالإرهابية خاصة مع انتمائهم لحزب العمال الكردستاني.. بالإضافة إلي فرض عقوبة السجن "20 عاما" بدلا من الإعدام علي مرتكبي الجرائم ضد الدولة والمشاركة في الأعمال الإرهابية.. واستهدفت تركيا من هذه الإصلاحات تأهيل تركيا لدور النموذج في التطور "الديمقراطي" لدول الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية.. وتخفيف حدة الانتقادات الغربية لتركيا بسبب قضايا "حقوق الإنسان" وأوضاع الأكراد وكذا قطع الطريق ضد إقامة دولة كردية في جنوب شرق تركيا!! خاصة بعد التطورات المتعلقة بالمشكلة الكردية في العراق.. خاصة أنها أي تركيا اقترحت إقامة كونفدرالية عراقية تتألف من ثلاث مناطق متساوية الحقوق "عربية تركية كردية" وتضم الأخيرة "السليمانية وأربيل" والمنطقة التركية تضم "كركوك والموصل" أما المنطقة العربية فتتشكل من باقي أجزاء العراق مع تعهد تركيا وإيران وسوريا بضمان هذه الكونفدرالية. وفي النهاية.. وإزاء هذا الصراع الطويل.. بين الأكراد والدول التي تشرذمت تجمعاتهم بها كأقليات.. بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية.. وتصاعد هذا الصراع مؤخرا بين الدولة التركية.. المتاخمة للعراق وسوريا وبكلاهما مناطق تنتشر بها تجمعات كردية.. ووضعا في الاعتبار تصاعد الموقف السياسي والمسلح بين تركيا من جانب وحزب العمال الكردستاني من جانب آخر وتبادل التهديدات.. وما يرتبط بها من تداعيات ونتائج خطيرة بينهما.. ألا يكون لبعض الحقائق أسبابها في تقدير خطورة الموقف ومدي انعكاسه علي استقرار المنطقة في ظل المتغيرات التي تسودها الآن واختلاف الموازين السياسية والعسكرية ولعل من أهمها: 1 أن مؤازرة الولاياتالمتحدةالأمريكية العسكرية والتنفيذية والسياسية لتركيا في موقفها ضد فلول حزب العمال الكردستاني ودعم بعض دول المنطقة لها خاصة التي تمتد أقليات كردية بها وتخشي أن يتأثر استقرارها أو موازينها العسكرية والدولية لمواقفها بأي نتائج محتملة من جراء هذا الصراع.. قد يشكل في مجموعه ونتائجه بلاشك تهديدا لاستقرار وسلامة المنطقة.. وإضافة المزيد من التهديدات الموجهة لها من داخلها وخارجها. 2 أن مصر كان لها دور ملموس وإيجابي في حل مشاكل الأكراد خاصة وقد استقبل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الملا مصطفي البرازاني زعيم أكراد العراق عام 1958 كما استقبل الرئيس جلال الطلباني عام 1963 علي الرغم من وجود صراع وخلاف وحروب حينذاك بين حزبيهما "الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني" بالإضافة إلي الدور الذي بادرت به اللجنة المصرية للتضامن بعقد حوار عربي كردي من خلال مؤتمر عقد بالقاهرة 1998 بعد تعرض الأكراد بالعراق لمذبحة الأنفال وحلبجة إبان النظام العراقي السابق وقتل فيها 5000 كردي ولم يعقد حوار آخر بين الأكراد والدول المعنية بالمنطقة منذ ذلك الحين "مقال الأستاذ أحمد حمروش عن أزمة الأكراد.. وسلامة المنطقة وكان مسئولا عن لجنة التضامن في ذلك الوقت ونشر بجريدة الأهرام في 1 نوفمبر 2007". 3 أن بعض القيادات الكردية المؤثرة تدعو سابقا بالإضافة إلي إلحاحها حاليا علي أن البديل الواقعي والإيجابي.. لأحداث غير محسوبة النتائج.. هو الاتجاه للحل السلمي والديمقراطي في إطار لغة "الحوار والمفاوضات" بين أطراف الصراع حتي لا تستثمر النتائج في تمزيق الوحدة داخل دول بالمنطقة أو خارجها تتواجد فيها تجمعات من تلك الأقليات وحتي لا تستثمر تلك الأوضاع لصالح قوي تسعي لتفتيت وحدة ومصير الدول وبث الكراهية بين أبناء الشعب الواحد في ظل عالم مشحون بالصراعات والحروب. فهل نتوقع مع مجريات الأمور والأحداث في هذا الصراع.. شتاء ساخنا مدمرا.. وقوده البشر.. وأمطاره القنابل والقاذفات.. ونمطا جديدا من الإرهاب