"لقد تم القضاء علي المسلحين الإسلاميين في الجزائر"... كان هذا هو ما صرح به كبار المسئولين الأمنيين الجزائريين في الصيف الماضي، بعد أن كانوا قد ظنوا أنهم قد أخمدوا حركة المتمردين الإسلاميين بعد حرب أهلية استمرت عقداً من الزمان. لكن الأحداث التالية أثبتت أنهم علي خطأ. فمنذ ثمانية شهور تقريباً أعلن المقاتلون الإسلاميون الجزائريون، أنهم قد أبرموا حلفاً مع تنظيم "القاعدة"، قبل أن يقوموا بالإعلان عن عودتهم مجدداً بشكل عنيف، من خلال شن سلسلة من الهجمات اللافتة للنظر أدت حتي الآن إلي مصرع 165 شخصاً علي الأقل في المعارك والعمليات، التي وقعت منذ ذلك الحين. والتنظيم الجديد المعلن عنه مؤخراً تحت اسم "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، يقدم تحدياً جديداً في مجال الإرهاب، وهو تحد لا يقتصر كما يدل الاسم علي شمال أفريقيا. وتتردد في الوقت الراهن تساؤلات عديدة حول أسباب انبعاث هذا التنظيم مجدداً لعل أهمها ما يلي: كيف ظهرت "القاعدة" في شمال أفريقيا؟ لقد انضمت "الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال" إلي تنظيم "القاعدة" رسمياً في الحادي عشر من سبتمبر 2006. وفيما بعد، وفي يناير الماضي أعلن أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" في بيان له أن "الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال" قد اتخذت اسماً جديداً لها هو "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وقد جاء تبني الاسم الجديد، وإعلان الأهداف العالمية الأوسع نطاقاً للتنظيم مصحوباً بزيادة ملحوظة في منسوب العنف الذي يمارسه هذا التنظيم. ففي الشهر الماضي علي سبيل المثال استهدف الانتحاريون الإسلاميون العاصمة الجزائرية، مما أدي إلي مصرع 33 شخصاً، في هجوم يعد هو الأعنف في السنوات الخمس الأخيرة علي أقل تقدير. وقبل أن يتم إعلان التحالف الجديد مع "القاعدة"، كان الراديكاليون الإسلاميون في الجزائر قد بنوا بالفعل علاقات مع تنظيم ابن لادن بحسب خبراء الإرهاب. فمؤسسو "الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال"، قاتلوا جنباً إلي جنب مع غيرهم من المقاتلين الإسلاميين في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي. وقد تأسست الجماعة السلفية للدعوة للقتال عام 1998 بعد أن انشق قادتها عن "الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر"، التي كانت قد شنت موجة من الهجمات الوحشية ضد قوات الحكومة الجزائرية عام 1992، وذلك بعد أن قامت الحكومة بإلغاء نتيجة الانتخابات الذي كان الإسلاميون، قد أوشكوا علي الفوز بها. ولكن الجماعة انهارت فيما بعد بسبب الضغط الشديد لقوات الأمن الجزائرية والانقسامات الداخلية التي شهدتها بسبب الاختلاف في الرأي بين أعضائها حول التكتيكات الوحشية، التي كانت تتبعها. غير أن ذلك الانهيار لم يحدث، إلا بعد صراعات دامية بين الجماعة وقوات الأمن الجزائرية خلفت 150 ألف قتيل علي الأقل. وكانت تلك التكتيكات الوحشية، قد أثارت الكثير من الانتقادات بين جماعات الجهاد العالمية، ومن بينها تنظيم أسامة بن لادن نفسه، حيث كان الجميع يرون أن تلك التكتيكات الوحشية قد ألصقت سمعة سيئة بحركة الجهاد المقدس بأسرها. وقد تفاقمت تلك الانتقادات تدريجياً حتي توجت بانفصال "الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر" عن تنظيم "القاعدة" وغيره من الجماعات الجهادية. وتقدر مصادر الحكومة الجزائرية عدد أعضاء "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حالياً" ب800 عضو، ولكن الجماعة قالت في بيان لها علي الانترنت إن هذا الرقم غير صحيح، وأن عددها أزيد من ذلك بكثير. وحول هذه النقطة تقول "ريتا كاتز" مديرة البحوث في "المعهد الدولي للكيانات الإرهابية" في واشنطن، والتي بعثت إلينا برسالة إليكترونية رداً علي بعض الأسئلة المثارة في هذا السياق جاء فيها: "بمجرد اتخاذها للاسم الجديد الذي ربطها مع تنظيم "القاعدة"، حظيت "الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال" بمؤازرة فورية من عشرات الألوف من المؤمنين بالجهاد، الذين يتخذون من شبكة المعلومات العالمية الانترنت ساحة للتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم، والذين أصبحوا يدركون أن "الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال"، تعمل الآن بالنيابة عن تنظيم القاعدة". ما هي أهداف "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"؟ أوضح قائد التنظيم المدعو "أبو مصعب عبد الودود" في بيان له في يناير الماضي، أن الجماعة قد خططت للقيام بحملة عنف كبيرة ولافتة ضد قوات الأمن الجزائرية والأهداف الأجنبية، وأن تلك الهجمات ستتم تحت راية "القاعدة". وفي ذلك البيان اثني "عبد الودود" علي حركات التمرد في العراق وأفغانستان، ووجه انتقادات عنيفة للولايات المتحدة وفرنسا، وللرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. تعليقاً علي ما أعلنه "عبد الودود" يقول "إيفان كوهلمان" خبير الإرهاب الذي يتخذ من نيويورك مقراً له إن الجماعة تسعي إلي "الظهور الإعلامي واحتلال العناوين الرئيسية في الصحف وصدارة نشرات الأخبار في الإذاعة والتليفزيون، غير أنها ستستهدف الأجانب كما أعلنت بوضوح".