بعيدا عن مشكلة الحجاب التي أخذت من الوقت أكثر مما تستحق من المناقشات والحوارات.. وبعيدا عن مشاكل تعديل الدستور أو تغيره.. وبعيدا عن الأحزاب ومشاكلها غير المنطقية.. وبعيدا عن الوضع الاقتصادي المصري.. القومي والإنساني.. وغلاء السلع الغذائية بشكل وطريقة غير مبررة.. وحيرة رب الأسرة المصري اليومية لتوفير حد أدني لمعيشة أسرته.. فان الوضع السياسي للمنطقة العربية علي وشك الانفجار، وتغير صورة المنطقة بأسرها، بل وسوف تشهد المنطقة نوعا من الاهتزاز والحراك وزلزالا في كيانها وتلك القضية قد يظن البعض انها بعيدة عن الأحوال المعيشية المصرية ولا تتأثر بها.. والحقيقة اننا مغرقون فيها للأذقان.. رضينا هذا أو أبينا!! فاعتمادنا في سياسيتنا واقتصادنا علي أمريكا وعلي ما تقدمه من معونات اقتصادية ومساندات سياسية وتخطيط المستقبل الاقتصادي المصري... تجعلنا نضع أيدينا علي قلوبنا للآثار المترتبة علي إعادة توزيع مناطق النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.. وما هو نصيب مصر منها وما هو موقع مصر ودورها في تلك التغيرات.. وما يحدث الآن علي الساحة المصرية من افتعال أزمات وقضايا بعيدة كل البعد عن المشاكل الحقيقية، قد يكون مقصودا ومرتباً له لإبعاد الشعب والقوي الفكرية المصرية عن التفكير في السياسة الأمريكية ودورها المنتظر والغامض علينا بعد الانسحاب من العراق.. والأكثر غموضا من خطاب السيد الرئيس حسني مبارك في مجلس الشعب.. بإعلانه بأنه باق في الحكم حتي النفس الأخير!.. ولنعد الي العنوان: ماذا بعد الخروج الأمريكي من العراق..؟؟ سؤال كان لابد أن يسبقه سؤال أهم.. كيف ستخرج أمريكا من العراق؟ وكلا السؤالين من الصعب الإجابة عنهما نيابة عن أمريكا.. الأيام تمر سريعا والأحداث متلاحقة.. ولابد من نهاية لهذا الموقف الحرج للإدارة الحالية للسياسة الأمريكية قبل تسلم الديمقراطيين السلطة.. وفضح ما خفي علي الشعب الأمريكي.. أخطأت أمريكا بغزوها للعراق وتسرعت في تنفيذ مخطط فاشل للغزو تحت حلم شرق أوسط جديد.. ونموذج جديد للديمقراطية ! بالطريقة الأمريكية.. وأصبحت فضيحة وبقعة سوداء في سجل التاريخ العسكري الأمريكي بالشرق الأوسط.. وليس المهم ان الأمريكان لم يستشيروا الدول العربية المجاورة للعراق قبل الغزو.. أو عند الانسحاب.. لأنه تحصيل حاصل.. والرأي العربي ايا كان لم ولن يكون مؤثرا علي القرارات الأمريكية.. لأسباب كلنا نعرفها. والسيناريوهات المقترحة للانسحاب كثيرة.. ولابد من تنفيذ أحدها... ولنكن صادقين مع أنفسنا ونتعامل مع الواقع.. الذي يقول ان هناك 5 سنوات من تاريخ العراق (وهي دولة عربية وسط أمة عربية..) تم محوها وكأنها لم تكن وتوقف التاريخ عند عام 2002 حتي الآن.. وكلنا يستمتع بالعرض ويعلق علي الفيلم!! ولا يستطيع ان يقدم أو يؤخر عملا لصالحه.. العراق كما هو.. لم يتقدم ولم يتأخر.. والمغامرة الأمريكية بالمزرعة العربية كانت بغرض التدريب علي الصيد.. واختبار وتجربة قدرات أسلحة.. جديدة..وإعادة ترتيب مناطق النفوذ السياسي والاقتصادي.. وكأننا نحن العرب دخانا.. نشكل خطوطا ونرسم صورا لأوهامنا علي صفحة سماء صافية فوق ارض بور تعج بالبشر من رجال ونساء وأطفال وسرعان ما تتشتت تلك الأحلام والصور والأوهام مع أول نسمة هواء تهب علينا..! فهل يستمر عرض الفيلم الأمريكي 5 سنوات أخري علي حساب دولة عربية أخري بعد العراق استمرارا للتجارب والاختبارات الأمريكية للأسلحة الحديثة والذكية والمايكرو تكنولوجية؟ لقد نفد المداد من أقلامنا وتجمدت الألسن عن الحراك داخل أفواهنا. حتي الكلمات. مجرد الكلمات والنداءات التي من المفترض ان نتقدم بها امام العالم لحفظ ماء الوجه ونطلب التحقيق مع القوات الأمريكية وقادتها امام المحاكم الدولية وإدانتهم.. وطلب تعويض مادي ومعنوي للخطأ الأمريكي.. لا نستطيع ان نتفوه به.. أصبحت المطالبة بالحقوق ضربا من الخيال.. أمام مجتمع دولي لا يعترف بك كعضو له كيانه أمام أمريكا وأمام العالم... وكيف يكون ذلك الحق في الشكوي من غزو أمريكا للعراق وأنت نفسك لك حقوق مسكوت عنها منذ أكثر 60 عاما مضت.. حين زرعت الصحراء الغربية لبلدك بالألغام أثناء الحرب العالمية الثانية (63 مليون لغم) ولم تستطع حتي الان ان تطالب بالتعويض أو إزالتها.. أو إثبات حق !! عند الايطاليين او الألمان.. وهي جريمة متوافرة الأركان ومازالت حية وتهدد الحياة في أكثر من ربع مساحة أرضك؟ تترك هذا كله وتتكلم عن حقوق العربية وحقوق العراق؟ أليس من الأفضل أن تسكت طالما أنت ضعيف! وتنتظر ما سوف تسفر عنه الأيام المقبلة..