لبيت بصفة شخصية دعوة كريمة تلقيتها عن طريق الصديق العزيز منير فخرى عبدالنور، سكرتير عام حزب الوفد لحضور المؤتمر الذى نظمه ائتلاف من أربعة أحزاب هى الوفد، والتجمع والناصرى والجبهة الديمقراطية حول «التعديلات الدستورية العاجلة». كان ذلك فى إطار حرصى على متابعة التطورات النابعة من حركة سياسية نشيطة أتاحها.. رغم الصعوبات والعقبات.. جو انفتاح نسبى أعتقد أنه كفيل بأن يؤدى إلى حوار سياسى شامل بين مختلف القوى التى ترى أن العمل الوطنى ليس حكرا على أحد، وأنه من حق كل منها وواجبه أن يستمع بقدر ما هو متاح له أن يتحدث حتى يجرى نقاش حر بعيداً عن حملات التشويه والتجريح، وعن افتعال المعارك فى وقت نحتاج فيه معارك حقيقية ضد الفقر والفساد والضغوط الخارجية سياسياً واقتصادياً، والتوجه نحو تثبيت مفاهيم ديمقراطية مدنية بدأت إرهاصاتها تظهر فى الكثير من القيادات المختلفة فى مواجهة أنصار إبقاء الحاضر على حاله دون تغيير، وأنصار استدعاء الماضى كما كان بصرف النظر عن تغير الأحوال، وأنصار التجديد من أجل التجديد بعيداً عن استقراء الواقع، لنبنى، استناداً إلى تحليل إيجابياته وسلبياته، المستقبل، الذى أثق أن الجميع يتوقون إليه لمعالجة العلل والأمراض التى يعانى منها مجتمعنا فى مجالات كثيرة واستعصت على كثير من الجهود المتفرقة. ولست أريد أن أتحدث عن التنظيم الذى ربما كان يحتاج إلى مزيد من التدقيق، وعن تجاوز الكثير من المتحدثين الوقت المحدد والموضوع المفروض أن يتناولوه، لأننا على أى حال استمعنا إلى مداخلات، كثير منها رصين من رجال السياسة والقانون والفقه الدستورى، تضمنت الكثير مما يستحق الاهتمام. إلا أن الأمر سرعان ما انقلب، للأسف، إلى مساجلات بين نظرات مختلفة للتاريخ احتد فيها الكلام انطلاقا من أيديولوجيات متنافرة، مما أبعد النقاش عن الهدف المعلن عنه وهو مناقشة أفضل الوسائل لإثراء الحياة السياسية وتوفير أرحب المجالات لها. والحق أن ذلك لم يدهشنى، بقدر ما أدهشنى تدخل الدكتور حسن نافعة داعيا باسم من التفوا حول الدكتور البرادعى ومن طرحوا أفكارهم حول التعديلات الدستورية التى تبناها البرادعى إلى أن ينضموا إلى الجمعية الوطنية للإصلاح التى شكلها بما يعنى مطالبة أحزاب راسخة، لها برامج معروفة وواضحة بالذوبان فى حركة مازالت تفتقر إلى كيان واضح وبرنامج محدد يتجاوز عموميات سبقتها الأحزاب فى إعطائها بعض اللحمة. وما إن ألقى قنبلته التى أثارت غضب أغلب الحاضرين حتى انسحب دون انتظار تعليق أو رفض أو قبول. وقد عجبت من هذا الموقف من الدكتور حسن نافعة بالذات، الذى أكن له كل التقدير، وأعرف قدره وقدرته على الحوار والنقاش المنطقى والعقلانى، وكنت أتمنى ألا ينحصر الحديث حول من ينضم لمن، بل ربما إعطاء بعض التفصيلات التى مازالت تعوزنا حول التنظيم الجديد. وقد خرجت من اللقاء الذى استغرق عدة ساعات وأنا أشعر أنه حتى العقول المتميزة والعلماء البارزين المرموقين أصحاب الفكر الذى نحترمه والقدرة على التحليل العميق الرصين، عندما يصلون إلى مرحلة ترجمة ما يتفقون على أسسه إلى منهاج سياسى يجدون أنفسهم مختلفين بين الإفراط فى الرغبة فى الاعتماد على الوسائل التكنولوجية الحديثة، والتمسك بأساليب لا تصلح للظروف التى نعيش فيها، أو يستعيرون من أزمان سابقة أفكاراً مثل التوكيلات والتوقيعات والعرائض، إلكترونية كانت أو غير إلكترونية. وليس المقصود من ذلك نقداً لأساتذة لى أكن لهم- حتى إذا اختلفت الآراء- احتراما وتقديرا بل إعجاباً لا تشوبه شائبة.. ولكنه مجرد تساؤل عن أساليب السياسة التائهة بين ماض وحاضر فى محاولاتها حل مشاكل الحاضر والمستقبل، ومع ذلك فإنى أعتقد أن المؤتمر قد ساهم فى تحريك مياه فى مجال هو محل اهتمام الكثيرين. وقد تم طرح اقتراحات كثيرة حول تعديلات دستورية يرى كثيرون أنها جديرة بالدراسة المتعمقة، وورد بعضها فى وثائق سابقة مثل تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان المؤرخ فى 2006. الخلاصة التى أود الوصول إليها هى أن المجتمع المصرى، خاصة المجتمع السياسى لم يستطع بعد أن يتفق على أسلوب الحوار الذى لا يستهدف هزيمة الطرف الآخر بقدر ما يستهدف التوصل إلى نقاط لقاء بين المتحاورين تكون أساساً لحلول تساهم فى الدفع إلى الأمام فى الاتجاه الصحيح حتى إذا اختلفت المسالك والطرق، لأن الوطن فى النهاية هو وطن الجميع، كلهم مواطنون دون تفرقة، متساوون دون تعال أو كبر، فاعلون ومتفاعلون مثلما تتفاعل العناصر المختلفة فى عملية كيميائية واحدة تؤدى إلى نتيجة إيجابية. ويبقى أن المناقشات فى هذه الأمور مهمة وأن مجرد استماع بعضنا للبعض الآخر مهما كانت التحفظات والاختلافات هو أمر إيجابى يستحق الاحترام والاهتمام حيث إن الحقيقة ليست مطلقة ولا هى حكر على أحد.