كشف اخراج دونالد رامسفيلد من وزارة الدفاع الامريكية عن حسم مؤقت للخلافات الدائرة بين طرفي المؤسسة الحربية الأمريكية بشقيها المدني والعسكري، ولكن النتيجة لا تقف عند حد الخلاف بل تمتد الي ما ينذر بحدوث أول سيناريو في تاريخ امريكا وهو سيناريو الانقلاب العسكري. ورغم ان الفكرة بعيدة كل البعد عن الاذهان إلا ان الحرب الدائرة في وزارة الدفاع الامريكية ربما تقودنا الي هذا التصور، في ضوء ما يجري في البنتاجون وقرارات رامسفيلد الفاشلة في حدوث تأثير عكسي علي كل شيء بدءا من الفشل في التخطيط لحرب العراق وانتهاء بالفشل في التصدي لهجمات المسلحين، وغياب قادة الاركان في تحديد اسلوب الحرب العالمية التي تشنها ادارة بوش علي الارهاب حيث كان المدنيون يقودون تلك الحرب الفاشلة في غياب العسكريين. وعليه فان جنرالات البنتاجون لم يعقدوا أياديهم علي صدورهم وعوضا عن ذلك بدأت مرحلة التمرد الكلامي الرافضة لسيطرة المدنيين وازدادت الانتقادات لدونالد رامسفيلد في الأوساط العسكرية الأمريكية وكان من بينها الجنرال تشارلس سواناك الذي كان قائدا للفرقة 82 المحمولة جوا في العراق حتي عام 2004 والذي طالب رامسفيلد بتقديم استقالته ووصفه بأنه لا يصلح لإدارة الحرب في العراق وقد سبقه في ذات الانتقاد كل من الجنرال المتقاعد جون باتيست الذي كان قائد فرقة المشاة الأولي والجنرال بول ايتون الذي كلف بتدريب الجيش العراقي بين عامي 2003 و 2004 فيما اعتبر الجنرال أنطوني زيني الذي يحظي باحترام واسع في الجيش الأمريكي ما أقدم عليه رامسفيلد أخطاء كارثية لا سيما في العراق ووصل الأمر لدعوة الجنرال غريغ نيوبولد والذي شغل منصب مدير العمليات ضمن هيئة أركان الجيوش الأمريكية للعسكريين الذين لا يزالون يخدمون في الجيش الأمريكي إلي التعبير علنا عن اعتراضهم . والمقطوع به أن تلك الاعتراضات في حقيقتها تتعلق بكيان المؤسس العسكرية الأمريكية التي يحاول رامسفيلد تهميش قادتها الفعليين لصالح قرار المحافظين الجدد من المدنيين. غير أن ما أوردته مجلة هاربرز الشهرية الأمريكية يدعو للانزعاج من مستقبل هذا الصراع إذ تفيد بان نقاشا جديا طرح علي المائدة حول احتمال وقوع انقلاب عسكري داخل أمريكا من جراء السلطوية المدنية والتي تحاول العصف بالعسكريين . يقول التقرير إن الأجواء العامة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ومنذ نشأتها تقوم علي أساس سيطرة المؤسسات الدستورية علي الحياة المدنية بما لا يسمح بمجيء يوم تتمدد فيه المؤسسة العسكرية . غيران ما جري منذ الحادي عشر من سبتمبر يشير إلي حدوث تغير في ذهنية الرأي العام الأمريكي جهة قبول دور أكثر اتساعا للمؤسسة العسكرية فما جري قد عظم عند الأمريكيين من أهمية دور الجيش في حماية البلاد وأجواؤها وألقي باللائمة علي القيادة المدنية كما أن الشعور عينه قد تعزز غداة إعصار كاترينا حين طالب أهالي المناطق المنكوبة بإطلاق يد الجيش بأوسع شكل علي أساس انه وحده الكفيل بانتشال المدنيين من وهدة الضياع التي عانوها . وتقول المجلة ان الأربعة العظماء الذين ناقشوا احتمال حدوث انقلاب هم " عالم سياسة معروف وصاحب طروحات رصينة وثمينة وجنرال في سلك القضاء العسكري ورئيس برنامج السلام والحرب والدفاع في جامعة كاليفورنيا الشمالية والرابع هو المستشار الأقدم في مجلس الدراسات الاستراتيجية والدولية ومركزه واشنطن ". أما المبرر الذي قد يعطي العسكريين ذريعة لهذا الانقلاب فهو استمرار سياسة المدنيين الخرقاء كأن يطلب بوش مثلا غزو الصين عسكريا أو أن تتعرض البلاد لهجوم إرهابي بيولوجي يفرض إخلاء بعض المدن الأمريكية الكبري وهنا فان الجيش سيتولي الحكم مدعوما بداية من الرئيس أو من ينوب عنه غير انه لاحقا يحصل علي شرعية شعبية لحكمه قد يرفض التخلي عنها لاحقا ويري انه حانت لحظة إعادة الأوضاع بالنسبة للمؤسسة العسكرية وبسط سطوتها السابقة . والواقع أن الإدارة البوشية قد ذهبت في عسكرة المجتمع المدني بالفعل بقصد أو بدون قصد منها وهيأت الأجواء لمثل هذا التحول لاسيما من خلال التشريعات الاستثنائية التي أقرتها في مقدمتها عسكرة عمليات الاستخبارات والتنصت علي المواطنين وتقيد حريات الأشخاص وهو ما وصفه البروفيسور باسيفيتش بالانقلاب الزاحف . ويبقي التساؤل هل أدرك رامسفيلد هذه المخاوف ؟ ربما يكون ذلك قد حدث بالفعل والدليل هو محاولته الأخيرة لما يشبه استرضاء العسكريين فلأول مرة في تاريخ البنتاجون سمح الرجل للجيش بالتواصل مباشرة مع مسئولي إعداد الموازنة السنوية في البيت الأبيض لإقناعهم برفع مخصصات الجيش من الموارد المالية وهي خطوة تفترق عن الخطط السابقة التي تبناها رامسفيلد ومساعدوه القاضية بتخفيض الإنفاق علي الجيش مقابل التركيز علي تطوير التكنولوجيا الحديثة والطرق الجديدة لخوض الحروب . والشاهد أن الموازنة العسكرية الأمريكية والتي تبلغ نحو نصف تريليون دولار تعد في واقع الأمر اكبر مشروع أمريكي لن يسمح أصحابه لأحد من أصحاب الياقات البيضاء وخريجي ييل وهارفارد من المدنيين أتباع المؤسسات الدستورية والمدنية الاقتراب منه حتي لو كلف الأمر الاستيلاء علي الحكم .