تناول الكاتب في حلقة الأمس أبعاد أزمة ال C.I.A، وكيف أسس وزير الدفاع دونالد رامسفيلد جهاز مخابرات موازياً في البنتاجون ليقدم المعلومات التي يريدها نائب الرئيس ديك تشيني حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، والتي أدت إلي شن الحرب علي العراق بناء علي معلومات غير حقيقية، وهو ما أدي إلي شن حرب علي ال C.I.A التي اتهمت بتقديم تلك المعلومات، وساء الارتباك داخل المؤسسات الأمريكية الكبري البيت الأبيض والخارجية ووزارة الدفاع والمخابرات المركزية وانفجرت حرب الاتهامات بين الجميع. لعل ذكر رامسفيلد في هذا الإطار يدعونا للتوقف أمام الأحاديث الدائرة حول وجود صراع بين البنتاجون ومجمع الاستخبارات الأمريكية ورغم أن نيجروبونتي كان قد فرض سيطرته علي جميع أجهزة الاستخبارات الأمريكية إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجهه كما يشير إلي ذلك عدد من المحللين الأمريكيين وعلي رأسهم دويل ماكمانوس وبيتر شبيجل يتمثل في الصراع مع وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي تدير وكالته أكثر من 80% من الموازنة المخصصة للاستخبارات الوطنية. وكما هو معروف فإن نيجروبونتي يسيطر الآن علي نحو ست عشرة وكالة للاستخبارات بما فيها وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي العملاقة التي تتولي التنصت علي الاتصالات الدولية فضلا عن جهات أخري مثل وزارة الطاقة وإدارة مكافحة المخدرات. ويقول بعض أعضاء الكونجرس إن نيجروبونتي الذي عمل في السابق كمساعد لوزير الخارجية الأسبق هنري كسينجرأنه كان أكثر حذرا في مواجهة البنتاجون وفي هذا السياق صرح أحد مسئولي الاستخبارات الأمريكية بأنه عندما حاول بونتي إقناع البنتاجون بالتغيرات التي يود إحداثها أخبروه بأن يذهب ويبحث عن ذلك في مكان آخر. أما رامسفيلد الذي ظل يؤكد علي تعاونه مع نيجروبونتي فقد كان واضحا حتي من قبل استحداث منصب مدير الاستخبارات القومية في اعتقاده بضرورة الحد من سلطات المنصب الجديد حيث نجح من خلال ضغوطه التي مارسها علي أعضاء الكونجرس في تقليص سيطرة نيجروبونتي علي موظفي الأجهزة الاستخباراتية التابعة لوزارة الدفاع والميزانية المرصودة لها. وقد برر رامسفيلد رفضه الإقرار بصلاحيات واسعة لنيجروبونتي بأنه لا يريد إضعاف قدرة البنتاجون علي تزويد الجنود في ساحة المعركة بالمعلومات الاستخباراتية ذات الطبيعة العسكرية والتكتيكية من خلال إشراك جهات من خارج الأجهزة العسكرية. ورغم نفي رامسفيلد وجود نية لدي البنتاجون لبسط سيطرته علي الاستخبارات الأمريكية إلا أن هناك ما يؤكد علي ذلك عبر محورين الأول هو المرشح الجديد لتولي رئاسة ال C.I.A الجنرال مايكل هايدن وهو ما سنعود للحديث عنه لاحقا والثاني هو حقيقة وجود صراع خفي فعلي بين ال C.I.A والبنتاجون الأمريكي حول السفارات الأمريكية في الخارج فماذا عن هذا المحور؟ يخبرنا ريتشارد موريبنو من اللوس انجلوس تايمز الأمريكية عن أبعاد المشكلة بقوله كان توقيع الرئيس بوش في عام 2004 علي مخطط القيادة الموحدة يمثل تحولا مهما في المؤسسة العسكرية الأمريكية فهو ينص علي أن تقوم قيادة العمليات الخاصة بقيادة وتخطيط وتنسيق العمليات ضد الشبكات الإرهابية وتنفيذها كما هو مطلوب إضافة إلي مهمتها التقليدية المتمثلة في تدريب وتنظيم قوات العمليات الخاصة وإعدادها لمهمات جديدة. إلا أن هذه المهام الجديدة قد لقيت معارضة من وكالة ال C.I.A والتي يري بعض مسئوليها في هذه الخطوة إقحاما استفزازيا لمجال نشاطهم. والواقع أن هذه المهمة الجديدة قد تصبح مسئولية كبيرة علي عاتق قيادة العمليات الخاصة التابعة للجيش والتي أذن لها الرئيس بوش في مارس 2004 بتنفيذ عمليات عسكرية ضد الإرهابيين وقياداتها وبالتالي تخضع مباشرة لوزير الدفاع رامسفيلد وخارج المدار الذي يتحكم فيه مدير الاستخبارات الوطنية جون نيجروبونتي. ووفق قواعد وضعها نيجروبونتي فإن مدير مكتب ال C.I.A في السفارات الأمريكية هو المسئول عن تنسيق الاستخبارات في تلك الدول ويوجد في معظم السفارات ملحقون وموظفون عسكريون يعملون مع القوات المسلحة الأجنبية خاضعون لوكالة الاستخبارات العسكرية التابعة للبنتاجون أما موظفو العمليات الخاصة الجدد فيضطلعون بدور عسكري مباشر أكبر يتمثل في خدمة مسئوليات محاربة الإرهاب الجديدة المنوطة بالجيش. وبدون تطويل ممل للمشهد فإن ما قام عليه رامسفيلد إنما يقلص المساحة الخاصة بنيجروبونتي في الخارج غير أن المحور الأول المتمثل في رجل ال C.I.A الجديد يجعل من الحديث المنطلق عن رغبة عارمة لدي رامسفيلد والبنتاجون من خلفه للسيطرة علي مقدرات وكالة المخابرات المركزية حقيقة لا خيالا. هايدن.. جنرال في وكالة مدنية أما المشهد الأخير في السيناريو المفاجئ الذي تشهده وكالة الاستخبارات الأمريكية فقد اتضح في الثامن من مايو أي بعد ثلاثة أيام من رحيل جوس مقالا أو مستقيلا إذ سمي الرئيس بوش الجنرال مايكل هايدن المدير الحالي لوكالة الأمن القومي مديرا جديدا ل C.I.A وقال بوش في تعليق له إن الجنرال هايدن مؤهل إلي حد بعيد جدا لتولي رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية في هذا الظرف الحرج من تاريخ بلدنا مضيفا أن هايدن لديه أكثر من 20 سنة من الخبرة في حقل الاستخبارات بما في ذلك 6 سنوات كمدير لوكالة الأمن القومي واصفا بوش هايدن بأنه يعرف أسرة الاستخبارات الأمريكية من جميع جوانبها وكان مسئولا عن توفير واستهلاك التقارير الاستخبارية وقد أشرف علي تطور كل من الاستخبارات البشرية والتكنولوجية وأظهر قدرة علي تكييف خدمات استخباراتنا مع التحديات الجديدة المتمثلة في الحرب علي الإرهاب. والواقع أنه إذا كان هذا هو رأي بوش لكن فماذا عن استقبال المجتمع الأمريكي لهايدن؟ لإجابة بداية تنقسم إلي جزءين الأول عبرت.