هل هو زمان غروب الشمس عن أقوي جهاز مخابرات من ناحية الإمكانيات التقنية علي الأقل في العالم أي المخابرات المركزية الأمريكية CIA بعد طول معارك قدر لها فيها انتصارات ساحقة لاسيما إبان الحرب الباردة ثم بدأت تشهد انكسارات حادة بدأت مع فشلها في توقع أحداث 11/9 وامتدت إلي المعلومات المزورة والمغشوشة عن أسلحة التدمير الشامل في العراق؟ يبدو أن ذلك كذلك والدليل هو الصراع الأخير الذي قاد إلي إقالة أو استقالة مدير الجهاز بورتر جوس والذي جاءت استقالته العلنية أو إقالته الفعلية لتفتح بابا واسعا للحديث عن الصراع الدائر في الإدارة الأمريكية لاسيما بين وزارة الدفاع من جهة والمجمع الاستخباراتي الأمريكي من جهة ثانية أي بين دونالد رامسفيلد وجون نيجروبونتي فما أبعاد الأزمة وماذا وراءها؟ هذا ما نحاول فهمه سويا في هذا المقال. بورتر جوس إقالة أم استقالة؟ في الخامس من مايو الجاري أعلن الرئيس بوش قبوله استقالة بورتر جوس من منصبه كمدير لدائرة الاستخبارات المركزية وقال بوش في إعلانه قبول الاستقالة بالبيت الأبيض وجوس إلي جانبه أنه يقدر الاستقامة التي أبداها جوس والكرامة التي أضفاها علي المنصب علي حد تعبيره. وأضاف بوش قائلا إن جوس قاد بكفاءة ووضع خطة خمسية تشمل زيادة عدد المحللين والعملاء من شأنها أن تجعل هذا البلد أكثر أمنا وتساعدنا علي كسب الحرب ضد الإرهاب فقد كرس معني الكفاءة المهنية. ومعروف أن جوس كان قد قبل اختيار الرئيس بوش له لمنصب مدير دائرة الاستخبارات في سبتمبر من عام 2004 وموافقة مجلس الشيوخ علي تعيينه في المنصب الذي شغله حتي الآن وهو عضو من الحزب الجمهوري في مجلس النواب عن ولاية فلوريدا وكان رئيس اللجنة الدائمة الخاصة لشئون الاستخبارات في مجلس النواب. غير أن التساول موضوع المناقشة هو هل قدم جوس استقالته بالفعل لا سيما وأن شبكة CNN الأمريكية قد أوردت علي لسان الرجل قوله إن استقالتي واحدة من الألغاز؟ أم أجبر جوس علي الاستقالة لسبب أو لآخر؟ وما تلك الأسباب؟ الحقيقة أن جزءا من الإجابة جاءت عبر صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية والتي قالت إن جوس أجبر علي الاستقالة من منصبه بعد 18 شهرا مضطربة في المنصب اتسمت بخروج مجموعة من كبار العاملين في الوكالة وتزايد عدم رضا البيت الأبيض علي قياداته خلال زمن الحرب. وتقول الصحيفة الأمريكية الأشهر إن مسئولا في البيت الأبيض قد ناقش مع محرريها الأمر شريطة عدم ذكر اسمه أو الكشف عن هويته فقال: "جرت أحاديث مفتوحة لعدة أسابيع عبر نيجروبونتي مدير مجمع الاستخبارات الوطنية بمعرفة الرئيس حول استبدال جوس". بينما أشار مسئول آخر أن جوس كان يعتبر دائما شخصية انتقالية سيترك منصبه في نهاية العام وقد تم تقديم موعد تركه المنصب عندما أجري بوش تعديلات بين العاملين في البيت الأبيض علي أمل تغييرالأوضاع السياسية. أما صحيفة "النيويورك تايمز" علي الجانب الشرقي للبلاد فمن جهتها أكدت علي أنه ما من شك في أن ال CIA تحتاج إلي من يعيد لها الحياة ويصلحها بعد إخفاقات لكنها شددت علي أن جوس لم يكن قط الرجل المناسب لشغل هذا المنصب. ومن جانبها أكدت صحيفة لوس "أنجلوس تايمز" أن استقالة جوس المفاجئة جاءت في وقت تصارع فيه هذه الهيئة من أجل فرض هوية جديدة لها في عهد تميز بالتخبط المخابراتي والتدقيق الحكومي. غير أن الكاتبة والمحللة السياسية الأمريكية في "النيويورك تايمز" مورين داؤد قدمت قصة تحمل أبعادا مثيرة لإقالة جوس منها أن من بين الأسباب التي عجلت بإبعاده عن منصبه أنه كان وراء تعيين كيلي فوجو الرجل الثالث في الجهاز وهو الاختيار الذي أثار دهشة العديد من الموظفين المخضرمين في الوكالة في ذلك الوقت قبل أن يكتشفوا فيما بعد أن هذا الرجل صديق لمقاول من مقاولي وزارة الدفاع يخضع حاليا لتحقيق من قبل السلطات الفيدرالية علي خلفية وقائع فساد مرتبطة بعضو الحزب الجمهوري وعضو الكونجرس السابق "راندي كننجهام" المسجون حاليا. والمثير في قصة مورين داؤد أن الرجل الثالث المشار إليه قد قدم استقالته بالفعل بعد عدة أيام من إقالة أو استقلة جوس. وقد دعا ما جري من سيناريو داخل ال CIA واحدا من كبار رجال المحافظين الجدد "بيل كريستول" للتعليق بالقول في حديث لمحطة فوكس نيوز الإخبارية الأمريكية "أعتقد أن هناك أما نزاعات خطيرة أو مشكلة داخلية ما في الوكالة أو ربما فضيحةلها علاقة بأحد رجال جوس المقربين وهو ما قد بدا يظهر في الأفق بالفعل. ال CIA والنجم الذي أفل والواقع أن استقالة جوس إنما جاءت لتنكأ الجراح الأمريكية التي لم تندمل بعد وأدت إلي زيادة الصعوبات التي تشهدها هذه الوكالة منذ حوالي خمس سنوات لاستعادة مصداقيتها التي هوت من عل مع اعتداءات 11سبتمبر والحرب علي العراق وقد تقلص دور جوس لصالح نيجروبونتي الذي أضحي يقدم ما يسمي بالتقرير التنويري لبوش كل صباح عوضا عن أن يقوم جوس بذلك. ومعروف أن لجنة التحقيق في اعتداءات سبتمبر كانت قد كشفت مكامن الخلل الداخلية في الوكالة والتي تجاهلتها لفترة طويلة مثل تجنيد الجواسيس واختراق منظمات مثل شبكة القاعدة واعتبرت اللجنة أيضا أن الوكالة تعتمد كثيرا علي أجهزة استخبارات حكومات أخري ومنذ ذلك الحين تتعرض الوكالة لضغوط من البيت الأبيض لتسريع عملية تجنيد جواسيس وتغيير طريق عملها. ومن بين عوامل الاهتراء الداخلي التي تواجهها ال CIA يأتي الحديث عن عدم قناعة بعض العاملين داخلها بأهدافها وخيانتهم لها وقد تلقت من جراء هذا الاتجاه صفعة كبيرة العام الماضي مما دعا جوس لإقالة ماري مكارثي المحللة في الجهاز والتي سبق أن عملت في مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس كلينتون وقد دارت حولها الشبهات في كونها هي التي سربت للصحافة أنباء وجود شبكة سجون سرية للوكالة في عدد من الدول الأوروبية الشرقية والغربية وبعض دول العالم الأخري فيما عرف بأزمة السجون الطائرة إضافة لإماطة اللثام عن برنامج التنصت بدون موافقة قضائية ورغم نفي ماري ماكارثي الكشف عن معلومات مصنفة كأسرار دفاعية إلا أنها اعترفت بأنها التقت صحفيين بدون إبلاغ المسئولين عنها بذلك. وكان المشهد العام للتسريبات قد أصاب مصداقية ال CIA في مقتل وبدا كأنه إيذانا بأفول نجمها بوصفها وكالة الاستخبارات الأكبر والأهم لصالح دائرة الاستخبارات الوطنية برئاسة جون نيجروبونتي الذي عمل خلال العام الماضي علي استقطاب أبرز المحللين في الوكالة للعمل معه وتشير مورين داؤد في تحليلها السابق أن ماري ماكارثي كانت من مؤيدي السيناتور الأمريكي جون كيري والذي نافس بوش علي ولايته الثانية ولم تكن من مؤيدي بوش الذين يمكن الارتكان عليهم وهو ما دعا جوس لفصلها واتهامها بالخيانة. وتري مورين أن نفس الموقف اتخذ مع "راي ماكجفرن" المحلل السابق في الوكالة والذي طعن في صدق أقوال رامسفيلد ولذلك وصف بأنه معتوه وحزبي وبعد خروجه انضم ماكجفرن إلي عملاء الوكالة السابقين المستائين ووجهوا لها اتهامات مفادها أن الوكالة تمت إساءة استخدامها واستغلالها بل وتهميشها من قبل صقور الإدارة بل وذهبوا إلي اتهام رامسفيلد بالقيام بإنشاء وكالة استخبارات خاصة له في البنتاجون كي يقدم المعلومات الاستخبارية التي كان ديك تشيني يرغب في سماعها قبل شن الحرب علي العراق